الحشد الشعبي في مواجهة فلول داعش بكرّادة بغداد ..!!
زكي رضا
تظهر الميليشيات عادة وقت الأزمات التي لا تستطيع الدولة إحتوائها ومعالجتها، وحينما لا تستطيع الدولة السيطرة على هذه الأزمات سواء كانت عرقية أو دينية أو طائفية، فهي تُعلن بشكل جلي عن فشلها وهشاشتها وإنحسار شرعيتها. وعجز الدولة هذا وضعف مؤسساتها خصوصا العسكرية والأمنية، علاوة على سوء الأوضاع الإقتصادية والمعيشية لمواطنيها وضعف نسيج شعبها الإجتماعي، يشعل صراعات بين فئات السكان المختلفة. وهذه الصراعات تُستغل من قبل منظمات ومجاميع داخلية عادة ما تكون ذات إرتباطات بجهات إقليمية أو دولية لملأ الفراغ الذي يحصل بسبب غياب الدولة.
تستغل الأحزاب والمنظمات السياسية في البلدان ذات النظم السياسية الهشّة والفاشلة الأوضاع غير الطبيعية في تلك البلدان، لتأسيس جيوش رديفة للجيش الوطني عماده الآلاف من الشباب العاطل عن العمل والمشحون آيديولوجيا في منظمات شبة عسكرية يطلق عليها إسم ميليشيات وفق المعاجم السياسية. وهذه الميليشيات التي تبدأ كجيوش عقائدية ذات آيديولوجيات تستمد قوتها من العرق أو الدين أو الطائفة تبدأ حال تشكيلها ونشاطها بإمتلاك أنشطة إقتصادية تعتاش على الإقتصاد الوطني وتحرمه من مصادر دخل عديدة. فسيطرة الميليشيات على المنافذ الحدودية يدر أمولا طائلة على هذه الميليشيات، ويحرم الدولة من مصادر دخل مهمة ومؤثرة على الإقتصاد الوطني. ولا تكتفي هذه الميليشيات بمداخيل المنافذ الحدودية وفرضها رسوم عالية وإبتزازها للتجار ما يدفع المواطن العادي ثمنه بأرتفاع الأسعار أو شحّتها، ولا بتهريب كل ما تود تهريبه الى داخل البلاد ومنها المخدرّات والأدوية الفاسدة، ولا بهيمنتها على مشاريع الدولة من خلال إستئثارها بجميع أو غالبية مناقصات البناء والخدمات، ولا بعمليات غسيل الأموال وضررها البالغ على الإقتصاد الوطني، بل تعمل ونتيجة لما تملكه من مال وسلاح وأذرع أخطبوطية في جميع المراكز الحساسة بالبلاد ومنها السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والسلطة الرابعة، على خلق أجواء طاردة للمستثمرين الأجانب ما يؤثر على خطط التنمية بالبلاد. وبالتالي فأنّ هذه الميليشيات بأمبراطورياتها المالية وجيوشها الإقتصادية الموازية للدولة، تشكّل خطرا وتهديدا للأمن القومي لتلك البلدان.
خطر الميليشيات المسلّحة عادة ما يكون أكبر في حالات عدّة منها، منحها الصفة القانونية من خلال تمثيلها البرلماني، ومنها دمجها في القوات المسلحة على مختلف تشكيلاتها والأجهزة الأمنية المختلفة بشكلها التنظيمي وليس كأفراد، ومنها وهي الأخطر إعلان قدسيتها متسلّحة بفتاوى دينية محليّة وإقليمية علاوة على بعدها وعمقها العشائري. وبذلك تكون هذه الميليشيات عامل أساسي في إضعاف الدولة نتيجة بلطجتها في مجالات الحياة المختلفة بالبلاد.
لو تركنا دور الميليشيات في البلدان العربية الفاشلة والهشّة ( كالسودان ولبنان واليمن وسوريا وليبيا)، فإننا نجد أنّها بالعراق تمتلك كل مقوّمات بقاءها ونموّها لتكون هي الدولة مستقبلا وليس شبه دولة كما اليوم. فالميليشيات والتي يطلق عليها إسم الميليشيات الولائية تسبح ضد تيار شعبنا ومصالحه الوطنية و هي مرتبطة وعلى لسان قادتها أنفسهم بالنظام الإيراني. وهي تمتلك اليوم مقارّها في العديد من المدن العراقية حتى تلك غير شيعية الطابع، وباتت تتدخل بالشأن السياسي متسلّحة بتمثيلها البرلماني وبغطاء ديني طائفي، كما وأنها أمست قوّة مالية كبيرة ولها مشاريع في مختلف المجالات.
أنّ الحشد الشعبي كان يجب أن يتشكل وإن لم تكن هناك حالات إرهاب في العراق لمواجهتها، فنقل التجربة الإيرانية كتجربة الحرس الثوري وقوات التعبئة ( البسيج)، كانت موجودة في أجندة القوى السياسية الشيعية التي كانت ضمن الأحزاب والمنظمات المناهضة لنظام البعث الفاشي حينما كانت تعمل من داخل الأراضي الإيرانية، علاوة على ضرورة وجود هكذا تشكيل عسكري غير نظامي في العراق في الأجندة الإيرانية. فميليشيات مسلّحة طائفية هي ضرورة لمواجهة أعداء إيران في داخل العراق وخارجه، وها هو الحشد الشعبي يعمل من خلال توجيهات إيرانية خارج الأراضي العراقية دفاعا عن إيران ومشروعها السياسي الإقليمي. وعلينا أن ننظر الى أبعد من ذلك حينما نتحدث عن الحصار الأمريكي على إيران وضرورة أن يكون العراق تابعا لها، كون العراق اليوم هو رئة إيران الأقتصادية من حيث حجم ميزان التبادل التجاري الذي يميل بشدة اليها، وكونه أي العراق رهينة المزاج الإيراني في حقلي الطاقة الكهربائية والمياة المشتركة التي تتحكم إيران بمصادرها، ناهيك عن إحتلالها الثقافي وهو أخطر أشكال الأحتلال.
قبل أيام حدثت مشاجرة بين رجلين مدنيين، وأربعة من منتسبي الحشد الشعبي في منطقة الكرّادة التي تقع المنطقة الخضراء ضمن حدودها ببغداد. و بغضّ النظر على من تقع مسؤولية بدأ الشجار هذا فأنّ الشرطة الإتحاديّة تدخلّت في الوقت المناسب لأحتواء ما لا تحمد عقباه. فعناصر الحشد “المقدّس” كانو يحملون في عربتهم ترسانة من الأسلحة كانت كافية ليس لقتل الرجلين فقط، بل وزرع الرعب في نفوس المواطنين الآمنين وإحداث دمار كبير بالمنطقة. فبعد ضبط عجلة الحشد الشعبي وتفتيشها تبيّن من أنّها كانت ووفق وكالات أنباء محليّة منها (السومرية والشرقية والرافدين) تحمل ” 4 بنادق كلاشينكوف، و1 سلاح نوع بي كي سي، وقاذفة آر بي جي، و 3 مخازن كلاشينكوف، و 5 صواريخ RP6 ، و 4 صواريخ RP7 للدرع، و 3 حاويات بي كي سي” !!
ماذا تفعل هذه الترسانة من الأسلحة في منطقة سكنية مكتضّة بالسكّان كالكرّادة، وماذا كان سيكون ردّ قادة الحشد الشعبي ومسؤولي هذه العناصر “المقدسّة” غير الملتزمة لو أنّهم أستخدموا هذه الأسلحة في الشجار، وكيف كان سيكون ردّ القائد العام للقوات المسلّحة على الحدث، والأهم كيف كان سيكون ردّ مرجعية النجف وهي التي أعطت الضوء الأخضر لتأسيس الحشد الشعبي بفتوى الجهاد الكفائي والذي أصبح جهادا دائما كالزواج الكاثوليكي كون فتوى الجهاد الكفائي تنتهي بزوال عوامل إعلانها، إن راح ضحية النزاع مواطنين أبرياء …!؟ وهل منطقة الكرّادة هي جبال حمرين أو صحراء غرب العراق بمضافاتها الإرهابية، لتتحرك عناصر الحشد ” المقدّس” بإسلحتها الخفيفة والمتوسطة بين بيوت الناس الآمنين..
على الدولة أن تستعيد هيبتها وتحول دون إستهتار العناصر المسلّحة بأمن الناس والوطن، وتبقى عملية حل الحشد الشعبي أولوية في بناء عراق مستقر وآمن، الّا إذا كانت القوات المسلحة بصنوفها المختلفة وأجهزتها الإستخبارية فاشلة وغير قادرة على تأمين مصالح المواطنين والبلد، وحينها على الدولة أن تحل الجيش العراقي والأجهزة الامنية والإستخبارية دفعة واحدة، فوجود جيشين وأجهزة أستخبارات متعددة لها أهداف مختلفة سيؤدي ونتيجة التنافس بينها حتما الى صراع دموي مستقبلا، والخاسر الأول فيه هو المواطن العراقي …