بعد حفلة الفنان محمد رمضان التي أقيمت في جزيرة السندباد ببغداد، إنطلقت القوى والشخصيات الدينية في خطاب ديماغوجي تبحث فيه عن الأخلاق والقيم الإسلاميّة التي أُهدرت وتُهدر من خلال حفلات الفجور التي تُبعد الشابات والشباب عن الله، وتتجاوز وتستهتر بالمنظومة القيمية والأخلاقية للشعب العراقي كما جاء في بيان حزب الدعوة الإسلامية!! وكأنّ الفنانة مادلين طبر التي أقامت حفلا فنيا برعاية زعيم حزب الدعوة الإسلامية نوري المالكي ببغداد بمناسبة يوم الصحافة العراقية في شهر آب/ أغسطس سنة 2016 لم تغنّي في ذلك الحفل، بل كانت تتلو آيات من الذكر الحكيم، أو تقرأ دعاء كميل في حضرة الدعاة ورجال الدين!! أم لأنها أنثى وجميلة وتتلوى كالأفعى في حضرة الحُواة الإسلاميين، الذين لم ينظروا إليها كبقرة وهم يلتهمونها بعيونهم وأحاسيسهم، تاركين الله الذي يدعون عبادته في دُرج مهمل !!
ككل مزايدة بين الإسلاميين في مثل هذه الحالات خرج علينا مقتدى الصدر يبحث عن طاعة الله والأخلاق والأفكار والعقيدة الإسلامية، التي تُبعد شباب العراق عن الله والقيم الإسلامية والمجتمعية كما يدّعي. وكحل لهذه المشكلة الكبيرة، يقول الصدر من أنّه صار لزاما علينا تفعيل مشروع ” ديني – عقائدي – أخلاقي” و ” إرجاع المجتمع الى الله” !!! وأن الخطوات الأولى في هذا السبيل ولازال الحديث لمقتدى الصدر هو ” تفعيل المساجد والحسينيات لتكون دارا للطاعة والخدمة والرجوع لله”.
الرجوع لله ….!! أين يوجد الله عند حزب الدعوة ومقتدى وشيوخ الإسلام..؟ وكيف السبيل للعودة إليه، هذا إن كان المؤمنون البسطاء قد تركوه أصلا..؟ إنّ الله وفق ما تعلّمناه من الدين قبل أن يتاجر به الدعاة ومقتدى وبقية الإسلاميين، ليس ربُّ يُعبد دون قيم وأخلاق، وليس بعبعا لتخويف الناس وإرهابهم.. فالله أو أي إسم آخر له وفي أي دين، هو رحمة ومغفرة وحب وصدق وأمانة. الله، يجب أن يكون طريقا للبناء لا الهدم. الله، هو طريق لزيادة معارف الإنسان لا نشر الجهل بين البشر، وعليه يجب تفعيل المدارس والجامعات لنشر النور وهو العلم بينهم. الله، عافية وليس مرض ويجب هنا تفعيل عمل المستشفيات لإنتاج إنسان معافى. الله، رشيد يرشد الناس للخير، وليس فاسد ينهب الناس. الله، رحمة وليس بمستبد…
المالكي والصدر وبقية إسلاميي العراق يبحثون عن الله في المساجد والحسينيات، وأنا أبحث عنه في المدارس الآيلة للسقوط. هم يبحثون عنه بين أفخاذ الرضيعات بتفخيذهن، وأنا أبحث عنه في براءة طفولتهن ودموع أمّهاتهن. هم يبحثون عنه لإحتكاره، وأنا أبحث عنه ليكون مشاعا لجميع الناس بغضّ النظر عن أديانهم وطوائفهم. هم يبحثون عنه كأداة للقمع، وأنا أبحث عنه كطريق للحريّة. هم يبحثون عنه ليقتلوا الناس بإسمه، وأنا أبحث عنه للرحمة بالناس. هم يبحثون عنه من خلال منابرهم، وأنا أبحث عنه في مساطر العمّال الفقراء. هم يبحثون عنه بجكساراتهم وجيوش حماياتهم، وأنا أبحث عنه حافي القدمين. هم يبحثون عنه من خلال ولائمهم الفاخرة، وأنا أبحث عنه في المزابل حيث الجوع يفتك بالفقراء. هم يبحثون عنه في ثروات وطننا، وأنا أبحث عنه في جيوب المحرومين. هم يحولونه لسوط بيد ابو درع والولائيين، و أنا أريده يد حانية على رؤوس الارامل والأيتام.
من أقرب الى الله، انا الذي ابكي طفل عراقي يتيم وجائع أم الذي سرق أموال هذا الطفل؟ من أقرب الى الله، أنا الذي أغضّ البصر باكيا عن إمرأة جائعة في بلادي، أم الذي يريد أن يضاجعها متعة لحاجتها؟ من أقرب الى الله، أنا الحريص على ثروات بلدي أم الذي ينهب تلك الثروات؟ من أقرب الى الله، أنا الذي أردد قول محمّد ” إياكم والرشوة فإنها محض الكفر ولا يشم صاحب الرشوة ريح الجنة”، أم الذي جعل الرشوة ثقافة في مجتمعنا!؟
إنني أرى الجواهري ينظر الى حال العراق الإسلامي وحال النجف اليوم وهو ينشد:
يُلَمُّ فتاتُ الخُبزِ في التربِ ضائعاً هُناك، وأحياناً تُمَصُّ نواة
بيوتٌ على أبوابها البؤسُ طافحٌ وداخِلَهُنَّ الأنسُ والشَّهَوات
تحكَّمَ باسمِ الدّينِ كلُّ مذَمَّمٍ ومُرتكِبٍ حفَّتْ به الشُبُهات
وما الدينُ إلا آلةٌ يَشهَرونها إلى غرضٍ يقضُونه ، وأداة