أحداث مشتركة في حياة أشهر الطغاة!
رعد الحافظ
مقدمة:
رغم كون (التأريخ) من العلوم الإنسانية الإجتماعية التي تنقل لنا الحقائق النسبيّة التي وقعت في الماضي ,لأخذ العِبَر والدروس للحاضر والمستقبل.
لكن من المؤكد إستحالة العثور على نصوص تملك الحقيقة المطلقة ,أقصد في جميع الثقافات والأديان!
السبب بسيط ,إذ لا توجد حقائق مُطلقة أصلاً ,حتى في العلوم الطبيعية (ما عدا الرياضيات) وبعض النظريات العلمية ممّا يخصّ علوم الكون أو البايولوجي مثل كروية الأرض وجاذبيتها ودورانها حول الشمس والنظرية الداروينية (التطوّر والإنتقاء الطبيعي) وما شابه.
أمّا غالبية الحقائق العلميّة بما فيها التطبيقية والتكنلوجية التي نلمسها ونستخدمها في حياتنا اليومية ,هذه تبقى نسبية خاضعة للبحث والتطوير ,ولا مدى محدود لتطوّرها مستقبلاً ,كما هو حال الدماغ البشري نفسه الذي إخترعَ وطوّر تلك العلوم والأدوات .حتى النظرية النسبية لآينشتاين ينطبق عليها هذا الكلام!
مع ذلك نجد في الغرب أنّ الذين يكتبون التأريخ ,سواءً كان تأريخ أفراد عظماء أو علماء أو طغاة أو أحداث شعبيّة أو عالميّة ,يسلكون طرق علمية في كتابة ذلك التأريخ ,مُستخدمين الوثائق والمستندات الأصلية والآثار والحفريات والمتحجرات التي تكون قد فُحصت علميّاً ووثقت في الجامعات ومراكز البحوث.
كمثال مشهور عن ذلك لاحظوا كمية البحوث والتقارير والتحاليل حتى لبقايا شعر (نابليون بونابارت) للتأكد من طريقة موتهِ.
وفي حالة الكتابة عن تأريخٍ قريب ترى الباحثين يعبرون القارات للإلتقاء باُناس عايشوا تلك الشخصيّة أو الكارثة أو الحرب وماشابه!
كلّ هذا يفعله المؤرّخ الغربي ليزيد من (الحقيقة النسبية) في مادتهِ قدر الإمكان!
كتاب (ستالين : بلاط القيصر الأحمر)!
ألفّ هذا الكتاب عام 2001 المؤرّخ البريطاني (سيمون صباغ مونتفيوري).
الذي تخرج من جامعة كامبريدج العريقة ,ثمّ نال شهادة الدكتوراه في الفلسفة .
سافر بعدها الى الإتحاد السوفيتي قبل سقوطهِ ليُتّم أبحاثهِ ,بشأن هذا الكتاب المذكور أعلاه!
تناول فيه فترة شباب (جوزيف ستالين) قبل وصوله الى الحُكم ,معتمداً على الوثائق من مصدرها .كذلك على التحليل السايكولوجي لنفسية ستالين.
الجدير بالذكر أنّ المؤلف لم يقدح أو يذّم أو يسيء لستالين علناً ,فقد كان إيجابياً في كثير من المواضيع التي تناولها ,بل برّرَ بعضها ,كون تلك الأعمال كانت شائعة مقبولة فلسفيّاً لدى كثير من الثوريين في ذلك الوقت!
وهذا بعض ما جاء في الكتاب منقول من مقال للباحث (إبراهيم العريس) ,
كوني غير مهتم بالكتاب نفسه ,بل فقط ببعض المعلومات التي ربّما نجهلها عن ستالين ,وتتشابه كثيراً مع أحداث من حياة طغاة آخرين نعرفهم جيداً.
أولاً / المناضل الشيوعي الشاب ستالين ,وقبل أن يحمل هذا الإسم ,كان مايزال يُدعى (يوسف جوغاشفيلي).
ثانياً / أمضى سنوات صباه الأولى في إحدى قرى (جورجيا) ,التي كانت مُلحقة بالإمبراطوريّة الروسيّة.
ثالثاً / قام في تلك القرية باكراً تنظيم شيوعي على النمط اللينيني .كان (ستالين) واحداً من أكثر أعضائه الشباب حماسةً.
رابعاً / إنصرف (ستالين) خلال الأعوام المحصورة بين الثورتين الروسيتين الكبيرتين أوائل القرن العشرين (ثورة 1905 التي اُجهضَت وثورة 1917 التي نجحت) ,إنصرفَ إلى السرقة والنهب ,وقد تزعّم عصابة كانت تلك مهمتها وممارساتها.
خامساً / هنا لأجل المصداقية والحياد ,يؤكد المؤرخ الإنكليزي (مونتفيوري) أنّ ستالين لم يتزعم تلك العصابة لحسابه الخاص ,إنّما لمصلحة الحزب نفسه .
ويشرح ذلك بالقول :
الحكاية أنّه بعدما أخفقت ثورة عام 1905 وسط كل ضروب القمع والإضطهاد وجد الحزب الذي أعاد تنظيم صفوفه أنه كي يستأنف نشاطاته السياسية الثورية
لا بدَّ له من الحصول على أموال تكفيه لذلك .ولطباعة منشوراته وتفريغ كوادره الحزبية .من هنا ولأنّ ستالين كان بارعاً في مثل تلك الأمور ,أسند الحزب إليه مهمة تشكيل مجموعات تسطو على المصارف والمخازن وتستخدم العنف في ممارساتها .وبالفعل تولّى ستالين هذه المَهام لا سيما خلال الأعوام التي سبقت مباشرة إندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914
(لماذا أتذكر فترة مراهقة وشباب صدام حسين ؟)
سادساً / يرى المؤرخ أنّ تلك السنوات هي التي كوّنت عقلية ستالين ونزوعه إلى العنف .وقدرته على إيجاد مُبرر ثوري وحزبي لكل أنواع التصرفات .
بمعنى ما كان لدى لينين نظرياً وفكرياً (الثورة لها الأولوية مهما كانت الوسائل على الأقل حتى إنتصارها وتكوّن الدولة) صار لدى ستالين مُمارسة فعلية ,فقد كان يعتبر نفسه تلميذاً نجيباً للينين!
سابعاً / في فصول الكتاب التي تتعلق بالعُمق السايكولوجي لشخصية الفتى الذي كانهُ ستالين قبل سنوات (العصابات الحزبيّة) ,وبالتحديد في سنوات مراهقتهِ ,بدا وكأنّ والديه قد إعتادا أن يوسعاهُ ضرباً وإهانةً كلّما إقترفَ فعلاً سيئاً.
هنا رواية يوردها المؤرخ للدلالة!
حين أضحى ستالين من زعماء البلد كلّه سألَ والدته التي كانت لا تكّف عن إبداء فخرها به وبتربيتها لهُ ,عن السبب الذي جعلها تُبدي كلّ تلك القسوة الجسديّة والمعنوية ضدّه وهو صغير؟
فإبتسمت وأجابتهُ : هل آذاكَ ضربي لك؟
يرى (مونتيفيوري) أنّ جواب الوالدة كان بمثابة درساً عميقاً تلّقاهُ الإبن منها.
درس في العُنف وتربية الشعوب بقسوة لابّدَ منها لتحسين أدائها الأخلاقي والإرتقاء بها الى الأعلى كما حدثَ للفتى نفسه!
تجدر الإشارة ,هنا كان المؤرخ إيجابي جداً في تحليلهِ شخصية ستالين على ضوء تلك الواقعة البسيطة في شكلها ,عكس تحليلهِ لواقعة اُخرى تزيد عنها بساطة تتعلق بتأكيد ستالين لاحقاً أنّ زوجتهِ الأولى (إيكاترينا سفانيدزي) توفيت عام 1907 بمرض التيفوئيد وليس بالسُلّ الذي قتلها بالفعل!
ثامناً / في المقطع الأخير من المقال يقول الباحث (إبراهيم العريس) ما يلي:
المؤرخ يفشل في إقناع الكرملين ,ويضيف : بالطبع لم تكن الأحداث الواردة أعلاه أهمّ ما في الكتاب ,الأهمّ كانت تلك الحكايات التي تشبه حكايات (روبن هود) التي قال مؤرخون كُثُر أنّ ستالين كان مُعجباً بها منذ صغرهِ ,وكادت مهماته الحزبية تكون مُستعارة منها!
لقد قال المؤرخ وكرّر ذلك مراراً ..أنّ هذا التأريخ من حياة ستالين الذي كان مطموساً ,ليس فيه ما يشين في الواقع!
لكن مع ذلك هبّت عاصفة من الكُتّاب المُعارضين من الستالينيين وحتى غير الستالينيين للكتاب ,بالأخص حينما شبّه المؤلف ممارسات ستالين وعصاباته أوائل القرن العشرين ,بما ستفعلهُ لاحقاً العصابات النازية بزعامة هتلر مباشرةً قبل عام 1932 ,وإنتصار الحزب القومي الإشتراكي (النازي) وتسلّمهِ السلطة!
فمن المعروف أنّ العصابات النازيّة لجأت لممارسة اللصوصيّة وقطع الطُرُق والإرهاب الفردي والجماعي لإشاعة مناخ من عدم الأمان والإستقرار ,لتمهيد الوضع كي تُطالب الجماهير العريضة بمجيء ديكتاتور قوي الى الحُكم !
إنّما في حالة الستالينيين ,فقد فعلوا ذلك لمجرد حصولهم على مكاسب مادية تمكنّهم من القيام بثورتهم!
ثم يأسف (مونتيفيوري) على عدم رضا الكرملين حتى عن هذا الجزء!
***
الخلاصة :
ستالين ,هتلر ,موسوليني ,بول بوت ,صدام ,القذافي ,والرئيس الكوري الشمالي الحالي (كيم جونغ أون) الذي هو ألعن من والدهِ (كيم جونغ إل) وجدّه (كيم إل سونغ) ,وسواهم.
يشترك هؤلاء الطغاة في بعض الأشياء من بينها القسوة التي تعرضوا لها في طفولتهم .أو طموح الآباء في إنتاج ذريّة قوية تحكم بلدها وما حولها!
حتى لو عدنا لزمن (جنكيز خان) مؤسس الإمبراطوية المغوليّة أواخر القرن الثاني عشر ,سنجد بعضاً من هذا الكلام ينطبق عليه!
أمّا بالنسبة لصدام حسين فمعظم العراقيين يعرفون قصته عن كثب ,فقد كانت طفولته قاسيّة بالأخص قسوة زوج والدته (إبراهيم الحسن) عليه ,مادفعه للهروب الى خاله (خيرالله طلفاح) في منطقة التكارته ببغداد .هناك في سني مراهقته أصبح (شقيّاً) ,أي مارس الشقاوة وكوّن عصابة ,بحيث قبوله في حزب البعث كان لغرض الإستفادة من تلك الصفات.وفعلاً إستخدموه في القتل والإغتيالات ,
والحالة الشهيرة منها محاولة إغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1959 .
من جهة أخرى فإنّ خارطة الجينوم البشري التي كانت تضم بضعة آلاف فقط عندما وضعوها عام 2003 ,وصل عددها اليوم الى مايقرب من 25 ألف جين ,وكلّ يوم يضيف العلماء جينات جديدة مكتشفة .أحدها مسؤول عن العنف والقسوة المفرطة وما شابه .بحيث يوصي العلماء المختصين للقضاة ,مراعاة تلك النقطة قدر الإمكان لدى محاكمتهم للمجرمين والقتلة!
لكن هذا موضوع آخر يتعلق بتقدّم وتطوّر المشاعر الإنسانية في الغرب ,بما فيها التعاطف مع القتلة والسفاحين والطغاة ,ومحاولة إحتوائهم وإصلاحهم ..أنا شخصيّاً مازلتُ لا أفهم كيف؟
وبالعودة لموضوع ستالين ,الذي كان الزعيم الثاني للإتحاد السوفيتي وحكم ثلاث عقود بين (1922 ــ 1952) ,بنظام الحزب الواحد والجدار الحديدي ,مازال الناس يختلفون حوله .الغالبية تعتبرهُ ديكتاتور طاغية تُضاهي جرائمهِ ضدّ البشرية جرائم هتلر النازي نفسه!
بينما البعض يعتبره بطلاً تأريخياً من القرن العشرين ,بطل للطبقة العاملة الإشتراكية الماركسيّة ,القائد الظافر المُنتصر في الحرب العالمية الثانية على النازية والفاشية ,الذي جعل الإتحاد السوفيتي قوة عظمى!
يغفر له هذا البعض إسلوب حكمهِ الشمولي وحتى إشرافه على القمع الجماعي والتطهير العرقي وعمليات الترحيل القسري والإعدامات والمجاعات التي حدثت في زمنهِ!
هكذا كما نرى سيبقى التأريخ يحوي حقائق (نسبيّة) يختلف عليها حتى أبناء العصر الواحد ,فما بالك لو تمّ تقييم تلك المعلومات بعد قرون طويلة؟
[ .. خجلٌ خجلٌ خجلْ ..ذلك هو تأريخ البشريـّة ]
هكذا تكلّمَ زرادشت / نيتشه!
***
الرابط : مقال من الأندبيندنت البريطانية للباحث والكاتب إبراهيم العريس :
ما يحّق للكرملين قوله عن (أبي الشعب الصغير) مُحرّم على مونتيفيوري!
https://www.independentarabia.com/node/299456/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9/%D9%85%D8%A7-%D9%8A%D8%AD%D9%82-%D9%84%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%85%D9%84%D9%8A%D9%86-%D9%82%D9%88%D9%84%D9%87-%D8%B9%D9%86-%D8%A3%D8%A8%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%AD%D8%B1%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D9%88%D9%86%D8%AA%D9%8A%D9%81%D9%8A%D9%88%D8%B1%D9%8A
رعـد الحافظ
1 فبرايـــر 2022