مبدعون عراقيون.. نتاجات تضيء أركان الفكر والحرف
حوار: مع الكاتب والباحث الدكتور سعدي الزيدي
دكتور. وليد عويد حسين
يُعد الكاتب والقاص الباحث الدكتور سعدي عوض الزيدي ممن لهم باع في كتابة السرد والبحث الأدبي والتاريخي، يتمتع بفيض من المعرفة والخلق النبيل، لامست في شخصه السامق بساطة ونقاء تجعلان من يلتقيه للوهلة الأولى يشعر بدفء العراق وأرضه الطاهرة … تزخر أعماله بنضج فني في الرؤية والأسلوب، ويتمتع بنتاجات مليئة بالنجاحات والألق، نتاجات تضيء أركان الفكر والحرف .
في السطور التالية أجرينا الحوار مطلقين العنان لبعض أسئلتنا فأجابنا بجميل الحروف وأنداها ..
س١/ كغيرك من الكتاب، لابد أن تكون لديك بدايات وركائز أولية في طريق الأدب، فمتى بدأت إرهاصات تجربتك السردية؟ ومن أين جئت إلى عالم القص ؟.
♦كنت أحب الحكايات وأنا صغير، فكانت أمي تحكيها لي، وكان أغلب أبطال حكايات أمي يسافرون ولا يعودون، فعلقت في ذاكرتي صورة الإنسان المهاجر والذي تختفي ملامحه مع اللاعودة، ويتشكل سؤال حائر يعجن الذين ينتظرون. مع درس التعبير(الإنشاء)بدأت أكتب شيئاً مختلفاً عن التلاميذ ، يكتشفه الأستاذ ويفرحني ولكن لا أجد الاجابة لماذا كتبت هكذا.
قال المدرس في الأول المتوسط أنك تكتب قصة ولا تكتب مقالة، في الحقيقة كنت لا أميز الفارق بينهما، وفي الوقت ذاته بدأت اقرأ المنفلوطي بنصيحة من أخي الكبير حتى تقوى وتشتد الجملة لدي، وهكذا قرأت جزءاً من كتاب الأيام وقصص الكلاسيك العربي، فأكون قد جئت من عالم الحكاية الذي شكلته أمي والقصص العربية الكلاسيكية. وهكذا بدأت أميز بين القصة القصيرة والطويلة والرواية عن المقالات، وكان توفر الصحف اليومية في بيتنا عاملاً مهماً في أتساع الإطلاع واكتشاف اللغة التي يتداولها الإعلام.
س٢/ مما لا يخفى أن جميع المنجزات الأدبية التي تركها مبدعوها، ذكروا فيها أهم الأعمال التي أثرت فيهم، فضلاً عن ذكر أسباب اختيارهم لهذه الأعمال. هلّا حدثتنا عن أهم أعمالك الأدبية وأسباب اختيارك لها والهدف والغاية منها؟.
♦الحياة العراقية في السبعينيات حياة عمل وازدهار وكانت هي فتوتي وشبابي، هكذا استطيع القول في أني كنت محباً للحياة تواقاً إلى تسجيلها وهكذا بدأت أحاكي واقعاً يشبه ما في مخيلتي، أي الصورة الجميلة لهذا الواقع.
أحب الشعر ولكنني أدركت أني لا أستطيع فيه التعبير عن جمرٍ كامنٍ داخلي وإن هناك حكاية يجمع من أنطلاقها.
الشيء الذي أذكره في كتاباتي المبكرة أبتعد فيها عن مماثلة قراءاتي العديدة، مكسيم غوركي ودوستوفسكي وليو تولستوي شغفت بقراءة نتاجهم ولكنني لا أحاول تقمص شخصية أياً منهم لأنني أعتبرهم جدران عالية فلا بد من صناعة سلم كبير حتى أستطيع رؤية الآفاق ما وراء تلك الجدران.
س٣/ يقول الناقد الكبير جابر عصفور:(( الأصل في الإبداع الروائي لا يحقق بعده الإنساني إلا بعد أن يغوص المبدع في المحلي أو الخاص إلى أقصى درجة، وأن يكون مخلصًا في هذا الغوص)) كيف تنظر إلى هذه المقولة في ضوء الواقع دون المتخيل في العملية الإبداعية السردية؟.
♦الكتابة من دون أرضية واقعية مترعة بالهم والسؤال المحلي تكون تجريدية مجردة عن روح يتوق الكاتب الوصول إليها. وعلى الكاتب إدراك أن العملية السردية لا بد من اشباعها بالمتخيل إلى مستقبل الواقع وليس التجريدي.
المحلية هي نكهة الأعمال الإبداعية وبعدها الإنساني يتحقق في الإمساك بكل ما هو يمثل أحاسيس الناس وتطلعاتها إلى غدٍ لا يشبه يومهم المتعب.
س٤/ هل ترى كتابة المنجز القصصي في عصرنا الحالي بحاجة إلى العودة إلى التاريخ؟ وهل المادة التاريخية تمنح الروائي أن يوقد جذوة المعرفة والطموح في نفوس المتلقين؟، ولاسيما باتت الرواية والقصة بمثابة الذاكرة الجمعية لكل جغرافيا البشرية.
♦ليس العودة الى التاريخ هي المهمة ولكن المهم في الموضوع استثمار التاريخ في شحذ الشخصيات بطاقة تجعله قضية ثراء وليس قضية استرجاع. ولأنها المهمة الصعبة والتي يدور حولها أثر يتبعه أثر حدث في التأريخ ، السارد ليس مدوناً للأحداث بقدر ما يصنع تركيبة فيها سمة الواقع وحلول التأريخ في العبرة التاريخية حلاً لا توصفه شخصية مجردة من ملابسات التجربة الاجتماعية.
س٥/ هناك من يتبنى فكرة أن النص عند تأليفه عمل خاص بالمبدع دون غيره، وهناك من يرى أن النص هو رسالة جماعية يهدف من خلالها إلى طرح الواقع الذي يحاكي شريحة من المجتمع. كيف تنظر إلى هذه الجدلية ؟ وأين ترى عملك الإبداعي منهما ؟.
♦العمل الإبداعي هو مركب كأي تركيب كيميائي، فهو ابن الخصوصية الفردية ومميز لشخص كاتبه ومن جانب آخر هو من فرط النتاج الجمعي وجاء ليعبر عن تواشج دواخل المؤلف مع المطالب الجماعية ، فلهذا لا نجد عملاً ابداعياً مجرداً من هاتين الخصلتين. ولهذا استطيع توصيف أعمالي السردية خاصة في أنها منبعثة من خلاصات ذاتية محض وفي الوقت ذاته هي مفسره لحراك جمعي لا يمكن اغفاله.
س٦/ ما مدى قيمة الرؤية الوطنية في أعمالك السردية التي تدعو من خلالها إلى إرساء قواعد بناء الوطن على أسس تحمل روح التآخي والمودة ؟ .
♦أعمالي القصصية والروائية وحتى المسرحية تولجها الوطنية من كل المنافذ، والعمل الإبداعي المعاصر تكتنفه كل التصورات، والوطنية في قصصي ليست شعاراً يمكنه أن يطوى وينسى…
س٧/ بوصفك كاتبًا وباحثًا، كيف تنظر من وجهة نظرك الخاصة إلى بعض الروايات الجديدة التي عبث فيها بعض الشباب ونكلوا في هيبتها في خضم الإرباكات التي أحدثتها بعض دور النشر في طباعة كثير من هذه الأعمال التي لا ترقى إلى مستوى السرد.
♦للأسف ساد الساحة الأدبية استسهال الكتابة الروائية، وكأن الرواية ميداناً لتمارين قلمية، وليس الشباب وحدهم من استسهل هذا الأمر، بل هناك من النساء والرجال ولا سيما الشعراء قد غامروا بطبع الرواية.
س٨/ سؤالي الخاص، أنت تكتب في عالم القص ومختص به، إلا أنني ومن خلال معرفتي بك كصديق وزميل كانت جميع دراساتك الأكاديمية منصبة في مجال الشعر دون السرد. كيف تفسر ذلك ؟.
♦الاختصاص الأكاديمي يبتعد عن ساحتي السردية، ولا أجد في ذلك تناقضاً بقدر التناسق والتجاذب بيهم .نعم الشعر والشعر العباسي بالذات هو تخصصي وهذا التخصص جعلني أتمكن من أبعاد منجزي القصصي عن تكبيله، أشعر بحرية كبيرة تمنحني إياها الهواية ولا الاحترافية.
أجرى الحوار: الدكتور وليد عويد حسين .