متى تغلب الشجاعة
العزة بالإثم؟
المجتمع العراقي مثالاً
بقلم: الدكتور نزار محمود
من أسوأ ما يمكن أن يتربى عليه الإنسان هو عدم نشأته على شجاعة الاعتراف بالخطأ والتراجع عنه. لقد قادت هذه الخصلة السيئة الى كثير وخطير من التبعات السياسية والاجتماعية وباتت ثقافة طبعت قيم ومواقف وسلوكيات اجتماعية، لا سيما عندما تجد تلك الخصلة حاضناتها في المصالح والمكانة الاجتماعية غير السليمة بالطبع.
بيد أن لتلك التربية جذورها في العقل والقيم والعادات والأخلاق الاجتماعية التي تدعمها مصالح سياسية أو اقتصادية، على المستوى الفردي أو الجماعي، الطائفي أو العرقي وغيرها.
لا أريد أن أتحدث عن انفصام متميز للشخصية الاجتماعية للعراقي، والتي لم تتأت من فراغ ولا يمكن إرجاعها الى ظروف وأسباب ومسببات. فتاريخنا السياسي والاجتماعي، رغم عظمة انجازاته الحضارية، مليىء كذلك بإنفصامات وتصدعات سلوكية كبيرة، ليس المقال مكاناً مناسباً للتطرق اليها تحليلاً وتفصيلاً.
وفي تاريخه الحديث مثلاً ولأسباب وظروف شتى تشظى مجتمعنا العراقي سياسياً الى كتل وأحزاب وطوائف وخنادق متناحرة. وفي حين لا يتقدم أي مجتمع دون حراك فكري وسياسي وتنوع، وحتى اختلاف بالرأي، فإن ما حصل ويحصل في العراق هو أنها تحولت الى خلافات يؤججها التعصب الأحمق الأعمى والصراع على السطلة والغاء المصلحة العامة عندما تتقاطع مع المصلحة الخاصة والشهوة الى نهب وسرقة وامتلاك المال العام، لا سيما وأن العراق هو بلد ثروات طبيعية واقتصاد ريعي.
والأخطر من كل ذلك هو موضوع مقالنا الذي يدور حول فضيلة الشجاعة في غلبتها للعزة بالاثم. كثيرون منا نشأ سياسياً واجتماعياً وفق ظروف حياته ودوافعه الذاتية، وتبنى مواقف وآراء، وبالتالي أصبح مسكوناً ومعروفاً ومتميزاً بها، يصعب عليه التراجع عنها لا سيما عندما تكون تلك سبباً في أذية لحقت به أو بسبب مصلحة ضمنتها له. من هنا يصعب على كثيرين ممن فتحت لهم الدنيا أبوابها على مصراعيها بعد العام 2003 أن يتراجع عن موقف كان قد تبناه ضد انظمة الملك أو عبدالكريم قاسم أو الاخوين عارف أو البكر أو صدام حسين وهلم جرا، حتى وإن تأكد له بالدليل القاطع خطأ موقفه أو تقديراته في هذا الشأن أو ذاك.
انني أتوجه من خلال هذا المقال الى عقول وضمائر العراقيين الأصلاء أن يعيدوا النظر في مواقفهم المتناحرة وعصبياتهم العمياء… لقد خسرنا كثير الكثير، ولا ينبغي علينا الاستمرار بالسير في الظلام!