حكمة التوفيق بين الدوغماتية والبراغماتية وبين الاشتراطات والمعوقات
د. نزار محمود
يبدو أننا لا نفهم دائماً ما يدور في عالم الادارة السياسية التي تنتهجها الدول التي نقر حتى نحن لها بالنجاح. واذا ما دققنا النظر في تلك الادارة سنقف على أنها ادارة تجمع بين الدوغماتية والبراغماتية في قراراتها ومواقفها. ولكن ما الذي يمنعنا من اعتماد ذلك المبدأ في ادارتنا السياسية نحن العرب حيث ترانا نتخبط منذ عقود لا بل وقرون بين من يشد بالطول وبين من يشد بالعرض، كما يقول المثل، وترانا ندور في مكاننا ونغوص في رمال متحركة.
في البدء لابد من تحديد ما نعنيه بالدوغماتية والبراغماتية لأغراض المقال:
الدوغماتية هي المبدئية التي تتمثل بالحقائق التي نؤمن بصحتها ونحرص عليها حد التقديس، ونسعى الى تحقيق أهدافها بكل العنفوان ودون تردد في اطار فهمنا وايماننا بتلك الحقائق وصحتها وضرورة تحقيق أهدافها دون مبالاة بمعطيات الواقع وظروفه.
أما البراغماتية فهي التعامل المرن مع المعطيات الواقعية والتي تأخذ أشكال المد والجزر، والتقدم والتأخر بغية تحاشي الضرر الأكبر والقبول بما يمكن تحقيقه في اطار الظروف والمعطيات.
وهنا تطرح نفسها عدة تساؤلات:
⁃ هل هناك من ضرورات تدفعنا أن نحيد عن دوغماتيتنا على طريق تحقيق أهدافنا؟
⁃ ما الذي يجب ان نراعيه في براغماتيتنا من اشتراطات وأسس لكي لا نسقط في مستنقعات الانتهازية أو الاستسلام أو الهزيمة؟
⁃ ما هي نسب “الخلطة” الحكيمة بين الدوغماتية والبراغماتية وشكلها وعناصرها والظروف الموجبة؟
⁃ كيف يجري التنازل عن المبادىء والحقوق بدعوى البراغماتية؟
⁃ كم من المرات حققت الدوغماتية العمياء والمتعصبة أهدافها، وفي ظل أية ظروف ومعطيات؟
إن مثل هذه التساؤلات تطرح نفسها صباح مساء على من بيده قرار إدارة حياة الشعوب والدول، في شؤون السياسة والاقتصاد وغيرها. حتى ان رجال الدين يتحدثون عن فقه الواقع في التعامل مع الشريعة تفسيراً وتطبيقاً. ان من يراجع سيرة الانبياء والرسل، ومنهم رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يجد في ادارته للاسلام والمسلمين ما يشير بكل الوضوح الى تعشيق الدوغماتية بالبراغماتية.
في الختام انتهي الى انه لا سبيل الى التعامل مع الحياة دون مزيج من دوغماتية وبراغماتية لا يتنازل عن مبادىء وأهداف وقيم، ولا يهمل معطيات الواقع. ان ربان السفينة الماهر يعرف متى يرفع شراع مركبه، ومتى يفضل انزاله لكي لا يخسر ريحاً، ولا تعود عليه تلك الريح بما لا يشتهيه ذلك السفن.