تأملات في الإنفصامية الوطنية للقوى السياسية في عراق ما بعد الاحتلال
د. نزار محمود
عندما غزت امريكا العراق واحتلته وسلمت سلطاته المدمرة ومؤسساته الى أطياف مشتته بين ولاءاتها الاجنبية، وفي مقدمتها الايرانية، وبين رؤاها وأهدافها، وهي في غالبيتها العظمى لا تصلح لادارة دولة ناهيك عن قيادة شعب وحفاظ على سيادة، كانت قد ارتكبت، بوعي أو دون وعي، جريمة ضياع ذلك الشعب وتدمير وطن.
من يحكم العراق اليوم، وكيف؟
لنمتلك من الجرأة الوطنية فنقول: ان أغلب من يحكم العراق اليوم هم ممن لم يستطيعوا أن يحافظوا على امانة سيادته وتنكروا لهويته، واوغلوا في نهب وسرقة ثرواته وأمواله،وباعوا ضمائرهم من أجل المال والجاه والمنصب.
أما كيف يجري حكم العراق اليوم فهو أمر محير في النظر اليه، بين صاحب مطلق للسلطة وبين ضحايا من الابرياء البسطاء الضعفاء، ومنهم المخلصين لكرامته وتربته. ان كل من يعيش وحتى من يزور العراق ويطلع على احداثه ومجريات الحياة فيه يدرك انه ليس هناك دولة تحكمه في حفاظها على سيادته وخضوع جميع أطياف شعبه لسيادة القانون. ويكفي ان نقول بأن القوة العسكرية لا يمثلها الجيش العراقي، رمز سيادة الدولة، وانما تمثلها قوة الحشد الشعبي من جهة، والبيشمركة الكردية من جهة أخرى.
ولدى استعراضنا لأطياف الشرائح الحاكمة نقف على الآتي:
⁃ المنادين بالطائفية الشيعية الولائية لايران الفقيه، والذين لا يقدسون الاولوية الوطنية العراقية فكراً ومضموناً.
⁃ الطائفة الكردية بشقيها البرزانية والطالبانية والتي تقومان على فكرة تأسيس الدولة القومية الكردية المستقلة حيث يشكل شمال العراق وجزء من وسطه وحتى جنوبه حدودها الدولية.
⁃ الطائفة السنية التي اعتادت حكم العراق ولا يهدأ لها بال حتى تعود الى سدة حكمه.
⁃ الشيوعيين الذين تجد نسبة كبيرة منهم نفسها في حال ضياع فكري وتخبط سياسي بين الادعاء والميول والتصرف.
⁃ البعثيين يعيشون مرارة فقدان السلطة وضياع الانجازات من جهة، وضبابية بوصلة العمل السياسي من جهة أخرى، ناهيك عن ما يعيشونه من ملاحقات وتبعيات سياسية.
⁃ اما بقية ما يجري التعبير عنها بالمكونات فإنها تتمسك بفلسفة المكون لما يحصل عليها قادتها بالدرجة الاساسية من مكاسب سياسية تجد انعكاساتها في الجوانب المالية وغيرها.
ازاء هذه الصورة لا يمكننا الا ان نصل الى استنتاج مفاده:
ان القوى السياسية التي تمثل مشهد السلطة في عراق اليوم تعيش حالة انفصام بين فهمها وسعيها لتحقيق مهام وطنية، وبين ما تعمل من أجله من مصالح طائفية وشخصية ضيقة.
وهكذا سنبقى نتأمل نحن العراقيين المحبين للعراق بلد الحضارة والسيادة ان تتمكن قوة أو قوى سياسية واعية ومخلصة ان تعيد للعراق وشعبه كرامته الوطنية ودوره الإنساني.