النفاق الدولي في موت الملكة
د. نزار محمود
منذ أيام ومئات الملايين، وربما مليارات، من البشر وآلاف وسائل الإعلام والشخصيات السياسية والإعلامية وعشرات الدول يتابعون على مدار الساعة اخبار ومراسيم توديع ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية.
ان احترام حدث وفاة إنسان مسألة واجبة إنسانية، ورسولنا الكريم قال في مناسباتها: اذكروا محاسن موتاكم. اننا نشارك مشاعر الاحترام والتقدير لكل عمل صالح وحسن قامت به الملكة المتوفاة عن عمر ٩٦ سنة. كما أننا نقدر باحترام عال مشاعر الآخرين الذين يشاركون في المراسم الرسمية لتوديع الملكة انطلاقاً من محاسن أعمالها.
بيد أن أمر التوديع والتعبير عنه والاحتفاء به والصخب الكبير المصاحب له ليس له علاقة مباشرة بشخص إنسان توفى وبما قدمه من محاسن أعمال، وإنما يتعلق بملكة بريطانيا وعلمها وتاجها ودينها وثقافتها ورمزيتها وحلفائها وأساطيلها العسكرية وقوتها النووية وعملائها من الأنظمة والقادة ورؤساء الدول لا بل وبمستعمراتها.
لست شيوعياً لكي يدفعني انتمائي ومعتقدي السياسي الى مهاجمة ملكة لدولة رأسمالية في تدمير نظام المجموعة الاشتراكية وشيطنة فكرها. ولست ممن يرى في بعض النصرانية مسيحية صهيونية، ولست مسكوناً بروح المؤامرة على قضايانا كعرب أو مسلمين. انني أتحدث عن هيمنة ثقافة النفاق الدولي في التعامل مع الحدث البشري في تأكيد هيمنة معينة، خنع لها وخضع لأوامرها وانقاد خائفاً في مراسيمها.
ان أولئك الذين يشاركون بنفاق لا لبس فيه، في مراسم توديع ملكة بريطانيا العظمى عليهم أن لا يتذكروا فقط علماء وجامعات ومشافي هذه الدولة التي قامت كذلك على الغزو والقتل والاحتلال والنهب، وانما يتذكروا أيضاً آلاف لابل وملايين البشر ممن لا يعرف لهم ذكر ولا يقام لهم عزاء ولا تخلد لهم ذكرى وقد غادروا الحياة بصمت دون صخب أو ضجيج.
بريطانيا كانت وراء تمزيقنا نحن العرب، وكانت سبب مأساة فلسطيننا، وتدمير عراقنا وغيرها من بلداننا العربية، وكانت واحدة ممن نهبوا وينهبون ثرواتنا كذلك.
كل ذلك حصل ويحصل في ظل التاج البريطاني الذي حمله رأس المتوفاة المغفور لها والتي يتسابق المنافقون للتعبير عن مواساتهم بموتها.
كفانا نفاقاً وإنبطاحاً، ولنصحو على تخلفنا ونشد العزم على تجميع قوانا لكي يعود الآخرون لاحترامنا بما نؤديه من دور وما نمثله من قوة.