من يجعل القضاء العراقي أضحوكة… سؤال موجه للقاضي فائق زيدان
د. لبيب سلطان
ملّ العراقيون من الأسطوانة المتكررة التي يسمعونها دوما “القضاء العراقي نزيه ومشهود له بالكفاءة” ، فهم يعرفون أن القضاء ، كان دوما أداة بيد السلطة ، يقول كلمته وفق ماتريده وماتمليه الظروف وتخرج أحكامه حسب النفوذ، فان كانت كبيرة وأرادوها صغيرة جعلوها هكذا، وأن ارادوها كبيرة وهي صغيرة فالأمر أبسط مايمكن ، هكذا كان الحال في النظام السابق، و لايزال يخضع للسلطة ومتنفذيها وتهديد مسلحيها رغم ان الدستور ضمن للقضاء استقلاليته وجعله سلطة ثالثة للدولة. أين هي كفاءة القضاء العراقي ياسادة ولم ير الشعب مجرما واحدا تتم محاكته من ضحاياه الذين يفوق عددهم الألف خلال عام واحد فقط خلال تظاهرات تشرين الوطنية تم أغتيالهم علنا وفي وضح النهار ولم يقدم لليوم متورط واحد. أين هو صوت وسوط المدعي العام في بلد تمت سرقة نصف ميزانيته في وضح النهار وتحت مراى ومسمع القضاء ولم نسمع بغيرقضايا مثل ممرضة تم كبسها في مستشفى الكرخ وتم حبسها خمس سنوات لأنها قبضت رشوة ولادة بخميسن دولارا ، وطفلا حكم خمس سنوات في الديوانية لسرقة قنينة غاز، وهذه حيتان الفساد تغرف بالمليارات وهم طلقاء وان حكم على أحدهم فيتم تهريبه مثل الوزير السابق لحزب الدعوة للتجارة او يتم حكمهم عامين وغرامة تشكل واحد بالألف مما سرقوه .
واقع العراقي يقول أن القضاء سيف مسلط على بسطاء الشعب وليس ضد أعداء الشعب من القتلة والفاسدين الذين يعبثون بالدولة وبمصائر الناس . هذا مأيلمسه ويسمعه المواطن ولايعيرهما لوصف المجاملات الفارغة التي يسمعها الناس يوميا حول كفاءة وعدالة القضاء ، فهم يعرفون أن القضاء العراقي واقع تحت تهديد الأحزاب والفصائل المسلحة وتحت وتهديد سطوة مافيات الفساد وليس له سوى مجاراة الواقع الذي يعيشونه مع الشعب، وهذا يتشكل خصوصا في معالجة القضاء لقضايا تخص الأغتيالات السياسية والفساد المالي وقمع حرية الراي . لنأخذ واقعتين جرت مؤخرا للأستدلال على ذلك.
جرى يوم 10 حزيران 2021 أخلاء سبيل قاسم مصلح القائد في الحشد الشعبي والمتهم بأغتيال أيهاب الوزني وعماد الطائي من نشطاء الأنتفاضة في كربلاء لنقص الأدلة التي قدمتها والدة الشهيد وفق ماجاء في مذكرة اخلاء سبيله وكونه كان مسافرا يوم وقوع جريمة ألأغتيال : أي ضمير ميت ولا انساني يستطيع مطالبة أم ضحية أن تأتي بأدلة جنائية ضد متهم بتصفية ابنها وترتيب أغتياله ، وهل وصل الأمر بهذه الجراة للضحك على عقول ووعي الشعب الذي يقدم الألوف من ضحياه في سبيل أقامة صرح الدولة وأطلاق حرية وأستقلالية القضاء نفسه! أليست هي الدولة المارقة ( كما تخبرنا كتب التاريخ) أن تطلق متهم بقضية راي عام خطيرة ينتظر حكمها الشعب ليعزي حاله من أن للحق ذراعين أذا كان للأجرام ذراع ، وفصح الأمر لأمهات الشهداء ليتركن دموعهن على أبنائهن وبناتهن الذين أغتيلوا عل يد عصابات قاسم مصلح وأمثاله بمحاكم و قضاء قوي يقف لأحقاق العدل والسلم الأهلي.. أن كل الشعب قد سمع والدة الشهيد وهي تؤكد تهديده لولدها ونشر مقطع صوتي لتهديده الشهيد الطائي ويتم أطلاق سراحه بعد أيام ورغم أنف الرأي العام الذي يطالب بمحكمة علنية وعادلة ورغم أنف أجهزة الدولة التي تقول أنها قدمت وثائق كافية. أن هذه القضية قد الحقت ضررا بالغا بالوعي الجمعي العراقي من ناحية ثقته بالقضاء وهو يعي و يرى ضعف سلطته ودولته وسطوة القضاء تحت تهديد الفصائل المسلحة، فلا دولة يمكن أن تقوم وسلطاتها القضائية تخضع للتهديد والأبتزاز والتغاضي عن الجرائم للمتنفذين وتحت تهديد مسلحي العصابات.
القضية الأخرى ذات الدلالة جرت يوم 9 حزيران الجاري حيث تم في محكمة جنايات الكرخ أصدار حكم بالحبس لمدة عام ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة ضد القاضي رحيم العكيلي، رئيس هيئة النزاهة السابق ، بتهمة أهانة الحكومة العراقية على قناة للتواصل الأجتماعي وفق قانون لعام 1969 (اي من زمن البعث المقبور) ، مع العلم انها ليست الحكومة صاحبة الدعوى، بل مقامة من قبل ثاني أكبر شخصية مسؤولة عن تدمير العراق بعد صدام ، قائد الهزيمة الشنعاء أمام داعش نوري المالكي الذي لا احد يعلم كيف يمكن لقضاء كفوء ان يتركه طليقا أمام ماأرتكبه من تدمير للعراق وفق مسؤولياته ، وكيف يمكن لشخص خارج الحكومة ان يمثل الحكومة ان كانت الأهانة كما تدعي القضية موجهة له شخصيا أو حتى لجهاز جكومته الفاسد الذي مكن حثالات داعش من تدمير ثلاثة محافظات عراقية وسقوط عشرات الألاف من القتلى متشريد الملايين. أليست أراء القاضي العكيلي بحكومة المالكي مكفولة بحق حرية أبداء الراي بمادة الدستور لعام 2005، وهي فوق القوانين القمعية للنظام السابق .ثم أن السيد العكيلي نفسه قاضيا ويعرف مايقول بحق الفاسدين كونه رئيسا سابقا لهيئة النزاهة ، فكيف تفسرون للعالم أدانته لرايه ضد فساد حكومة وشخص متورط بدمار مجتمعي مثل السيد نوري المالكي أن كان رايه أهانة للحكومة؟ أين كان القضاء من أهانة الحكومة علنيا بمسح صورة رئيس وزرائها بأحذية مسلحي الدورة بعد أطلاق سراحهم ( وهي أهانة ليست شخصية بل لكلا الدولة وللشعب ، وأي أهانة يمكن أن تكون اكثر من نزول عشرات العجلات ومسلحيها وسط بغداد و محاصرة رئيس الوزراء في داره .. أن هذه الممارسات ياسيادة القاضي فائق زيدان لم يتخذ فيها قضائكم أي اجراء ، وهل تعجبون بعدها ان يفقد الشعب الثقة بجهاز القضاء الذي تقودونه، وبالدولة التي تتعرض للأهانات المتتالية من تهديدات المسلحين الخارجين عن القانون وسكوتكم مع أجهزة الدولة عن جرائمهم بما فيها أغتيال المئات من ضحايا الراي والمطالبة بالحقوق الوطنية! لا ولن يغفر الشعب ولا المستقبل لأي مسؤول ساهم أو يساهم بتدمير الدولة العراقية وجعلها اضحوكة بفم القاصي والداني و المتشفي من أزلام النظام السابق و من يتقول ان العرب لايعرفون ولايعترفون بالدولة والقانون والحضارة . أن أحكام القضاء العراقي وعدم فاعليته تعطي لهؤلاء الزاد الذي يريدونه، وأنتم تعطونهم ذلك من خلال السكوت او التهاون في الجرائم الكبرى التي تمس الرأي العام بحريته وحقوقه وأمواله، فهي اليوم مناطق لا يدخل فيها القضاء الأ من باب مقاضاة من كان ضعيفا بدون نفوذ وبدون سلاح ، حيث عندها يكون القضاء أما ساكتا أو متجنبا أو لضعف الأدلة التي جلبتها أم أيهاب لعتبة قضاءكم .
د. لبيب سلطان
أستاذ جامعي وناشط مدني