ما هي أسباب عسكرة الدولة والاقتصاد والمجتمع في إيران؟
كاظم حبيب
رغم الشرور الاستثنائية التي تميز بها الدكتاتور صدام حسين، إلا أن شرور روح الله الخميني، ومن بعده علي خامنئي، ليست أقل من ذلك، إن لم تكن أكثر منها بكثير وعواقب أوخم على الشعب العراقي. وإذا كان صدام حسين قد طمع بالهيمنة على الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط وبناء الدولة التي يقودها هو على رأس حزب سياسي خاضع له ولإرادته وقيادته المطلقة، فأن الخميني قد طمع في إقامة إمبراطورية فارسية تمتد على كل الأرض العربية في الشرق الأوسط وغرب أسيا والجمهوريات ذات الأكثرية المسلمة التي كانت ضمن دولة الاتحاد السوفييتي السابقة، وأن خليفته على خامنئي يطمع هو الآخر بمواصلة هذا النهج التدميري للوصول إلى الهدف الاستعماري البغيض ذاته. وفي هذا التوجه المخالف لروح العصر، تسعى الدولة التركية بتراثها العثماني البغيض، إلى إقامة امبراطورية استعمارية جديدة في ذات المناطق التي تسعى إيران للهيمنة عليها. وبالتالي فأن الصراع والنزاع المسلح المحتمل بين هاتين الدولتين على مدى أبعد مبرمج منذ الآن وقادم لا محالة، أن تواصل هذا النهجان العسكريان الطامعان لديهما ولم تستطع الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وبالأحرى شعوبهما، في التخلص من هذين النظامين المستبدين لدولتين معتديتين.
لا يحتاج الباحث إلى تقديم أدلة وبراهين كثيرة للبرهنة على وجود هذين النهجين في سياسات الدولتين الإيرانية والتركية، فواقع وجود إيران في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن، وواقع وجود تركيا في سوريا والعراق وليبيا وأذربيجان يؤكد إصرارهما على هذا التوجه الاستعماري المشين.
فنحن هنا أمام أهداف استعمارية يراد تحقيقها بأساليب قديمة ليس عبر السياسة غير الحربية والدبلوماسية (سفاراتها وقنصلياتها وملحقياتها) فحسب، بل وعبر استخدام القوات المسلحة بصيغتين، كما برهنت الحياة على ذلك حتى الآن، وهما: 1) إقامة مؤسسات مدنية وعسكرية (ميلشيات مسلحة) واقتصادية ودينية واجتماعية (تنظيمات وحسينيات) لدولة عميقة في البلدان الأخرى التي يراد الهيمنة عليها وتكون تابعة لها أولاً، و2) إدخال أجزاء مدربة من قواتها المسلحة، لاسيما الحرس الثوري وفيلق القدس والأجهزة الأمنية والمستشارين (إيران)، أو إرسال قواتها العسكرية مباشرة (تركيا) إلى هذه البلدان. يضاف إلى ذلك سعيهما إلى الدخول في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والتجارية لهذه الدول بما يعيق تطورها الاقتصادي من جهة واعتمادها على الاستيراد منهما من جهة ثانية. والعراق الراهن يقدم نموذجاً صارخاً على هذا الطريق الذي تعمل عليه هاتان الدولتان الاستعماريتان الجديدتان القديمتان.
وإذ تتفوق إيران بسعة أراضيها إذ تبلغ مساحتها 2,15 مليون كم2، فأن مساحة تركيا لا تزيد عن 783.562 كم2، في مقابل عدد نفوس متقارب حيث بلغ عدد نفوس إيران في عام 2020 قرابة 84 مليون نسمة، في حين بلغ عدد نفوس تركيا في العام نفسه 84.4 مليون نسمة. كما أن الدولتين تسعيان بإصرار إلى زيادة معدلات النمو السكانية فيهما، رغم كل المصاعب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجه المجتمعين. ومصر هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي بلغ تعداد سكانها عام 2020 حوالي 100 مليون نسمة. وعليه، فهما يعتقدان بأنهما من أكبر دول منطقة الشرق الأوسط ومن حقهما توجيه السياسة فيها والهيمنة عليها. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف الاستعمارية تتجه الدولتان منذ ما يقرب من عقدين إلى عسكرة الدولة والاقتصاد والمجتمع. وسنركز هنا على إيران ونترك تركيا لمقال أخر لاحقاً.
تشير المعطيات المتوفرة عن إيران في مجالات أساسية ثلاثة هي البطالة والفقر من جهة، وجائحة كورونا من جهة ثانية، والموازنات العسكرية والتسلح الإيراني من جهة ثالثة:
البطالة والفقر
تؤكد المعطيات الصادرة عن إيران واقع معاناة الشعب الإيراني بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه من تفاقم البطالة، لاسيما بين الشبيبة الإيرانية، وأن عام 2020 شهد تراجعاً بعدد العاملين من عمر 15 عاماً فما فوق بأكثر من مليون نسمة، وأن البطالة في البلاد تتراوح بين 24-25% من مجموع السكان القادرين على العمل، رغم أن الإحصاء الرسمي يشير إلى أنها لا تزيد عن 10%. ولا شك في أن وباء كورونا والعقوبات الاقتصادية الأمريكية قد لعبتا دوراً مهماً في تدهور معدلات النمو الاقتصادي والقدرة على توفير فرص عمل في إيران.
أما عن الفقر فتؤكد الإحصائيات المتوفرة على أن 50% من سكان إيران يعيشون تحت خط الفقر المطلق، علماً بأن خط الفقر لأسرة إيرانية مكونة من أربعة أفراد يتراوح بين 6.8 – 10 مليون تومان شهرياً، والعمال الذين يتقاضون 3 مليون تومان شهرياً يعيشون في فقر مدقع، وأن نسبة هؤلاء عالية جداً في إيران. (أنظر: الإحصاء الإيراني: 50% من الإيرانيين يعيشون تحت “خط الفقر المطلق”، موقع إيران، 30 حزيران 2021). أما العضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام أحمد توكلي فأكد بأن: الجوع والفقر في إيران أصبحا مهيمنين.. ووضع الناس سيئ للغاية وأن 60% من سكان إيران تحت خط “الفقر الافتراضي”. وقد زاد في الطين بلة تدور سعر صرف التومان الإيراني مقابل الدولار الأمريكية، إذ تجاوز سعر صرف الدولار الأمريكي الواحد عتبة ألـ 30 ألف تومان إيراني في هذا العام 2021. وقد اقترن تدهور سعر صرف التومان بتفاقم البطالة والفقر وارتفاع فاحش لأسعار المواد الغذائية والخدمات الأساسية للمجتمع وكذلك إيجارات السكن. فقد أعلن مركز استطلاع الرأي بمؤسسة الجهاد الجامعي في إيران في أغسطس/أب 2020، إن نتائج استطلاع للرأي أظهرت أن 8.2% من الأسر الإيرانية، أي ما يعادل أكثر من مليوني شخص، لم يأكلوا اللحوم الحمراء قط في العام الماضي، وأن 14٪ من الأسر قد أكلت اللحوم الحمراء عدة مرات فقط، خلال العام الماضي. وقال 32٪% من الأسر إنهم يأكلون اللحوم لبضعة أيام فقط في الشهر. ويرى أن 73% من مجموع سكان إيران لهم الحق في تلقي المساعدات من الدولة.” (أنظر: مسعود الزاهد، مسؤول إيراني يؤكد: 60% من سكان إيران تحت خطر الفقر، موقع العربية، 8 نيسان/أبريل 2021)، ولكنه لا يتلقونها عمليا! ورأي توكلي ” إذا لم تفعل الحكومة ذلك، فقد يحدث شيء لا ينبغي أن يحدث”، فهل يقصد احتمال نهوض ثورة في إيران هي ثورة الجياع والمحرومين!!! “ووفقا لأخر إحصائيات “مركز الإحصاء الإيراني” فقد بلغ معدل التضخم لمدة 12 شهراً أي حتى 21 مارس 2021 36،2 5 للأسر الحضرية، و37،7% للأسر الريفية في إيران”. (أنظر: المصدر السابق نفسه). علماً بأن التضخم الفعلي أكثر من ذلك بكثير.
وقد أدى واقع الفقر والبطالة وتدهور الخدمات العامة والأساسية ومصادرة الحريات الديمقراطية في إيران إلى انطلاق تظاهرات شعبية كبيرة بين فترة وأخرى في مختلف المدن الإيرانية والتي جوبهت كلها بالحديد والنار وسقوط قتلى وجرحى ومعوقين بأعداد كبيرة. فعلي سبيل المثال لا الحصر اندلعت مظاهرات شعبية في عام 2019 في معظم المدن الإيرانية بسبب رفع الحكومة سعر البنزين بنسبة 300% مما أدى إلى استشهاد بين 1000 – 1500 محتج في أربعة أيام فقط على أيدي قوات الأمن الإيرانية، وإلى جرح عشرات الآلاف منهم. وقد تم في هذه المظاهرات إحراق 731 فرعاً بنكياً و140 مبنى حكومياً حسب البيانات الحكومية. (أنظر: المصدر السابق نفسه)، أنظر أيضاً: الاحتجاجات الإيرانية 2019-20، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة”. كما إن الفترة التالية 2020-2021 شهدت وما تزال كثرة من الاحتجاجات والإضرابات العمالية في مختلف المدن الإيرانية ومن أغلب عمال المهن المختلفة. (أنظر: الاحتجاجات الإيرانية 2020-2021).
جائحة كورونا في إيران
لم تبد السلطات الإيرانية أي اهتمام حقيقي بجائحة كورونا مما أدى إلى سرعة انتشار هذا الوباء في العاصمة طهران وفي جميع المدن الإيرانية بسرعة كبيرة وبنتائج درامية. فقد بلغ عدد المصابين بهذا الوباء 1932074 إصابة حتى 04/04/2021، وعدد الوفيات حتى هذا التاريخ 63160 وأكثر من 4500 حالة حرجة. وفي طهران العاصمة وحدها بلغ عدد الوفيات في يوم واحد فقط 26/05/2021 أكثر من 31000 إصابة بفيروس كورونا. وذكرت ناهيد خدا كرامي، رئيسة لجنة الصحة في مدينة طهران إن من بين 30690 ضحية كورونا في مقبرة طهران بلغ عدد النسوة منهم 12168 امرأة. (أنظر: رئيسة لجنة الصحة في طهران: وفاة 31 ألف شخص في العاصمة الإيرانية بكورونا.، موقع طهران، 26/05/2021). (أنظر أيضاً: الوفيات بسبب كورونا تسجل رقماً قياسياً جديداً في إيران، موقع RT الروسي، 15/04/2021).
إن العواقب الناجمة عن السياسة غير العقلانية للحكومة الإيرانية في مواجهة وباء كورونا وعدم توفير التخصيصات المالية الضرورية والعجز عن توفي اللقاحات الضرورية لمواجهة هذا الوباء في مختلف المدن والأرياف الإيرانية، إضافة إلى ضعف الإعلام لتوضيح مخاطر هذا الوباء وعواقبه ووجود جهل واسع به والاعتماد على الغيبيات في مواجهته. ويتوقع المسؤولون الإيرانية في قطاع الصحة ومسؤولو المحافظات الإيرانية إضافة إلى وزير الصحة، إلى أن الموجة الرابعة والخامسة من وباء كورونا المتحول (دلتا) سيرفع من عدد الإصابات إلى أربع أو خمس أضعاف عدد الإصابات الحالي. (أنظر: حصيلة وفيات كورونا تتصاعد مجدداً في إيران.. وزير الصحة: أمامنا أيام عصيبة، موقع إيران، بتاريخ 02/042021). وبدلاً من توجيه الأموال لمكافحة هذا الوباء الجامح، راحت الحكومة الإيرانية توجه الموارد المالية الشحيحة بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية المجنونة للأغراض العسكرية: كما سيرى القراء والقارئات ذلك في الفقرة التالية.
الميزانيات العسكرية الإيرانية
تشير المعطيات المتوفرة إلى أربع مسائل مهمة في مجال الميزانية والنفقات العسكرية والتسلح، وهي:
أ: تخصيصات الدولة في الميزانية الاعتيادية للأغراض العسكرية: وزارة الدفاع، هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، منظمة البحث والابتكار التابعة لوزارة الدفاع “سبند”، الحرس الثوري، البسيج، وزارة المخابرات، قوات الشرطة، وكلها توضع تحت قطاع “حفظ الأمن والنظام العام”.
ب: إيرادات الحرس الثوري من مشاريعه الاقتصادية التي توجه للأغراض العسكرية.
ت: الموارد المالية التي توجه للصناعة العسكرية المتوسعة جداً وبتقنيات حديثة ضمن باب الصناعات والتي لا تدخل في الميزانية العسكرية. ومنها صناعة الصواريخ ذات الأبعاد المختلفة والصناعة النووية وصناعة الطائرات والطائرات المسيرة بدون طيار والحاملة للأسلحة، وصناعات متطورة للأسلحة التقليدية الحديثة والعتاد، والسلاح الكيماوي والسلاح البيولوجي. وهي جادة لإنتاج السلاح النووي وتمتلك التقنيات والخبرة النظرية والعملية لذلك، وهي ليست بعيدة عن إنتاجه.
ث: الموارد المالية التي توضع ضمن الموازنة ولكنها لا تدخل ضمن الميزانية العسكرية بل تدخل ضمن الاستيرادات والتي غالباً ما تتضمن استيرادات عسكرية. وبالتالي فأن الأرقام التي تنشرها الدولة الإيرانية في مجال النفقات العسكرية والتسلح هي مضللة ويستوجب التحري عن فقرات كثيرة في أبواب أخرى توجه لصالح الصرف العسكري في الداخل والخارج. وقد جاء في تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام وتحت عنوان “إيران ترفع إنفاقها العسكري نحو 30%”، جاء فيه:
“أكد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) في تقرير له، نشره اليوم الاثنين 26 أبريل (نيسان)، أن طهران رفعت من إنفاقها العسكري عام 2020 نحو30 في المائة، ويأتي ذلك وسط أزمات اقتصادية متعددة تشهدها إيران. وأوضح “سيبري” في تقريره أن الإنفاق العسكري الإيراني بلغ في العام الماضي نحو 15 ملياراً و825 مليون دولار، بزيادة أكثر من 30 في المائة مقارنة بعام 2019.” (أنظر: معهد ستوكهولم لأبحاث السلام: “إيران ترفع إنفاقها العسكري نحو 30%”، موقع إيران الإلكتروني، الاثنين 26/نيسان/أبريل 2021).
وعلى هذا الأساس فقد ارتفعت “حصة الانفاق العسكري في الناتج المحلي الإجمالي الإيراني من 2،2% في عام 2019 ليصبح في عام 2020. ولهذا قدر المعهد بأن النفقات العسكرية الإيرانية لعام 2020 تجاوزت 70 ألف مليار تومان، أي بزيادة قدرها 28% مقارنة بعام 2019، وهي تشكل 16% من إجمالي الميزانية الاعتيادية الحكومية.” (أنظر: معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، المصدر السابق نفسه).
تشير المعطيات المتوفرة عن الزيادات التي حظيت بها المجالات العسكرية في ميزانية الدولة الإيرانية التي طرحها حسن روحاني إلى الأرقام التالية:
“رفعت حكومة حسن روحاني في مشروع قانون الموازنة لعام 2021، وهو آخر مشروع قانون موازنة للحكومة الثانية عشرة، ميزانية معظم القوات العسكرية الإيرانية بشكل غير مسبوق.
حيث زادت ميزانية الحرس الثوري بنسبة 58٪ من 24 ألفًا و335 مليار تومان، هذا العام، إلى 38 ألفًا و564 مليار تومان .
وبحسب أرقام مشروع قانون الموازنة لعام 2021، فقد رفعت حكومة حسن روحاني في مشروع موازنتها الأخير ميزانية الحرس الثوري للعام المقبل بأكثر من 14 ألفًا و229 مليار تومان مقارنة بالعام الحالي.
كما زادت ميزانية الجيش من 13 ألفًا و138 مليار تومان هذا العام إلى 20 ألفًا و115 مليار تومان، وهو ما يظهر زيادة بنسبة 53٪ للعام المقبل. وبلغ حجم الزيادة في ميزانية الجيش مقارنة بالعام الحالي 6 آلاف و977 مليار تومان.
في غضون ذلك، تم تخفيض ميزانية منظمة الباسيج للعام المقبل بنسبة 5٪، أي ما يعادل 112 مليار تومان، مقارنة بالعام الحالي، وتم تحديدها بـ 2121 مليار تومان.
وسترتفع ميزانية وزارة الدفاع من 2504 مليار و432 مليون تومان هذا العام، إلى 4379 مليار تومان العام المقبل، أي بزيادة 75٪ .
وزادت ميزانية هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة من 276 مليار تومان إلى 396 مليار تومان هذا العام.
كما زادت ميزانية منظمة البحث والابتكار التابعة لوزارة الدفاع “سبند”، التي كان يرأسها في السابق محسن فخري زاده، بأكثر من 500٪ من 40 مليارًا إلى 245 مليار تومان.
وبلغت الميزانية التي اقترحتها حكومة روحاني في مشروع قانون موازنة 2021 لقوة الشرطة 27262 مليارًأ و804 ملايين تومان، بينما كانت ميزانية قوة الشرطة لعام 2020 تعادل 19 ألفًا و284 مليارًا و279 مليون تومان.
وبذلك زادت الحكومة ميزانية قوة الشرطة بأكثر من 7 آلاف و978 مليارًا و525 مليون تومان العام المقبل، مما يشير إلى زيادة بنسبة 41٪ في ميزانية قوة الشرطة العام المقبل مقارنة بالعام الجاري.
وزادت ميزانية وزارة المخابرات، للعام المقبل في عدة قطاعات، بما مجموعه 7765 مليار و115 مليون تومان، منها 1090 مليار تومان لتنفيذ المهام الأمنية لتكنولوجيا المعلومات، و1.280 مليار تومان لصندوق التقاعد، و460 مليار تومان لبرنامج “شهيد شاطرى“.
ومن بين الميزانيات المخصصة لوزارة المخابرات، 92 مليار تومان بعنوان “شهداء مجهولون” و48 مليار تومان لإنتاج جوازات السفر البيومترية.
ولم تقتصر ميزانية القوات العسكرية والمؤسسات الأمنية الإيرانية في مشروع قانون الموازنة لعام 2021 على هذه الأرقام، وإجمالًا في العناوين الثلاثة، “الدفاع” و”الحفاظ على النظام العام والأمن” و”البحث والتطوير في مجال الدفاع والأمن” تم تخصيص حوالي 121 ألف مليار تومان [120 ألفاً و994 مليار تومان]، بزيادة ما لا يقل عن 12 ألف مليار تومان عن العام الماضي.
بالإضافة إلى هذه الميزانيات، أدرجت الحكومة “2000 مليون يورو” [2 مليار يورو] في ميزانيتها العسكرية المقترحة من صندوق التنمية الوطني.
وزادت ميزانية قطاع “حفظ الأمن والنظام العام” بنحو 4 آلاف مليار تومان، من 30 ألفًا و948 مليار تومان، تمت الموافقة عليها عام 2020 في مشروع موازنة العام المقبل، إلى 34 ألفًا و602 مليار تومان.
وتقترب الميزانية المحددة في باب “الحفاظ على الأمن والنظام العام” للعام المقبل، وحدها، من ميزانية “الدعم النقدي” البالغة 42.800 مليار تومان، والتي، على عكس الموازنة العسكرية والأمنية، لم يتم زيادتها في مشروع الموازنة لعام 2021.” (المصدر: موقع إيران في 30 حزيران 2021 Print) Facebook Twitter Telegram Balatarin
إلى أين تتوجه النفقات العسكرية الإيرانية ولمصلحة من؟
تؤكد مجريات السياسة اليومية الإيرانية، على وفق إستراتيجيتها وسياساتها المحلية والإقليمية والدولية، بأن النفقات العسكرية لإيران تتجه صوب:
أولاً: حول الداخل الإيراني، وضد الشعب
تتوجه النفقات العسكرية نحو الداخل الإيراني لكبت صوت الشعب الإيران المحتج والرافض لسياسة التجويع والإفقار لأوساط واسعة جداً من فئات وطبقات المجتمع الإيراني والعسكرة الإيرانية، لاسيما الكادحين والفقراء والعاطلين عن العمل، سواء أكانوا في المدينة أم في الريف بشكل خاص. وغالباً ما توجهت الحكومة الإيرانية في السنوات العشر المنصرمة باستخدام العنف والسلاح والرصاص الحي في فض المظاهرات والتجمعات والاحتجاجات الشعبية وفي إصدار المزيد من قرارات وأحكام الإعدام بحق المخالفين لهم في الرأي والسياسة. أي إنها توجه النفقات العسكرية لأغراض توسيع وتعزيز وتحديث الأجهزة الأمنية والجواسيس والعيون والتقنيات الحديثة المستخدمة في ملاحقة قوى المعارضة الداخلية وفي الخارج. وهي لا تتوجه ضد المناضلين في سبيل فرصة عمل والخبو وضد الفقر فحسب، بل تتوجه نيرانها ضد أتباع القوميات الأخرى المطالبة بحقوقها القومية المغتصبة من قبل الحكومة الإيرانية التي تمثل في الغالب الأعم القومية الفارسية الأكبر في البلاد. ففي إيران نجد قوميات أخرى تعتبر أقليات منها بشكل خاص: الأذريون والكرد والبلوش والعرب والتركمان والجيلاك، وهم يناضلون منذ سنوات كثيرة من أجل حقوقهم المغتصبة وحقهم في إقامة دولهم المستقلة أو إقامة دولة فدرالية في إيران تضم تلك القوميات في أقاليم فيدرالية في دولة واحدة.
وعلى وفق المعلومات المنشورة في تقارير منظمة العفو الدولية ولجان حقوق الإنسان الإيرانية والإقليمية والدولية فأن النظام الإيراني وعلى امتداد العقود الأربعة المنصرمة مارس اعتقال وسجن مئات الألوف من السياسيين والعقائديين ومن ذوي الرأي وأعدم عشرات الآلاف منهم، ومارس أبشع أساليب التعذيب الوحشي التي لا يمكن تصورها ألا بعقول سادية مريضة والتي أدت إلى وفاة كثرة من الرجال والنساء بسببها، كما تضمن اغتصاب الفتيات الباكرات قبل إعدامهن بذريعة إعدام امرأة باكر سيدخلها الجنة!!! وفي عام 1988 أقدم القضاء الإيراني برئاسة إبراهيم رئيسي، رئيس الجمهورية المنتخب في عام 2021 خلفاً لحسن روحاني، على إعدام ما يقرب من 30000 سجين ومعتقل سياسي من مجاهدي خلق (مجاهدي الشعب) في حملة هستيرية ظالمة على امتداد السنة، كما يشار إلى ظاهرة الاختفاء القسري لألاف من المعارضين من الأحزاب السياسية المعارضة للنظام، سواء أكانوا من مجاهدي خلق أو المجاهدين أو حزب توده ومعارضين مستقلين. ولا يقل معدل عدد الإعدامات في إيران ولمختلف الأسباب عن 1000 شخص في السنة الواحدة، وهو أمر تجاوز كل النظم الدكتاتورية التي تنص على عقوبة الإعدام في دساتيرها وقوانينها وتمارسه فعلاً. (أنظر: التقارير السنوية لمنظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان الدولية، ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ومنظمات حقوقية كثيرة أخرى). هناك المئات من السجون الإيرانية المكتظة بألاف المعتقلين السياسيين وغير السياسيين، ويطلق عليها بـ “الجحيم” لقساوة وشراسة التعذيب الذي يتعرض له السجناء، والأمراض المنتشرة فيها، وغياب الحدود الدنيا من الرعاية الصحية أو توفير الأدوية، ومن بين تلك السجون نشير إلى بعض أبشعها في طهران ومدن كبيرة أخرى، منه سجون إیفين وفشافوية وشيبان ولاك على سبيل المثال لا الحصر. (أنظر: هشام رشاد، سجون إيران الأسوأ عالمياً.. جحيم وانتهاكات حقوقية بلا نهاية، موقع العين الإخبارية، الجمعة 14/06/2019). كما يمكن هنا العودة إلى تقرير أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غرتيريش حول حالة حقوق الإنسان في إيران وحملات القمع ضد المحتجين والمتظاهرين المطالبين بالعمل والعيش الكريم والحقوق المشروعة. (أنظر: تقرير أمين عام الأمم المتحدة: إيران تواصل ارتكاب انتهاكات جسيمة بحقوق الإنسان، موقع إيران الإلكتروني، في 15/أكتوبر 2020).
ثانياً: نحو الدول ذات الأكثرية المسلمة في الشرق الأوسط وغرب آسيا
منذ سقوط نظام الشاه الإيراني وسرقة الثورة الديمقراطية من جانب قوى الإسلام السياسي الطائفية المتطرفة، وهي قوى شيعة صفوية متطرفة ومناهضة لأتباع المذاهب الأخرى في الإسلام وضد أتباع الديانات الأخرى، بدأ قائد هذه القوى روح الله الخميني بتنفيذ إستراتيجية جديدة في تصدير الثورة الإسلامية الشيعية الصفوية إلى العراق أولاً، وتسبب بحرب دموية مجنونة طوال 8 سنوات عجاف بين 1980-1988، مع نظام صدم حسين الدكتاتوري، وإلى الدول العربية، في منطقة الشرق الأوسط ثانياً، ومن ثم إلى بقية الدول ذات الأكثرية المسلمة باستخدام أساليب عديدة ثالثاً، وإلى المسلمات والمسلمين كافة في بقية أنحاء العالم رابعاً. وكانت عواقب هذه السياسة، التي حملت شعارات دينية ولكنها تبطن مصالح استعمارية وهيمنة فارسية جديدة، المزيد من الصراعات والنزاعات والحروب في عدد من هذه البلدان، نشير مثلاً إلى لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين على سبيل المثال لا الحصر. واليوم يواصل مرشد إيران ودكتاتورها المطلق دينياً ودنيوياً علي خامنئي ذات السياسة التي مارسها خامنئي والتي لم ولن تجلب غير الفوضى والموت والدمار والتخلف. ويستخدم القادة الإيرانيون أساليب كثيرة في تصدير “الثورة الإسلامية الشيعية الصفوية الفارسية” إلى البلدان الأخرى منها على نحو خاص:
** توجيه الإعلام الإيراني وبلغات كثيرة إلى شعوب العالم المسلمة للتأثير عليها باتجاه المذهب الذي تتبناه والإساءة للمذاهب السنية أو حتى الشيعية الأخرى التي لا تتبنى قاعدتهم في “ولاية الفقيه”. ويتم هنا نشر مجموعة كبيرة جداً من قنوات التلفزة السياسية والدينية والخبرية. ففي العراق عشرات قنوات التلفزة التي تدار عراقياً ويشرف على برامجها وسياساتها الطائفية البغيضة سياسيون وإعلاميون إيرانيون كما يتحملون تكاليفها ورواتب العاملين فيها. (أنظر أيضاً: حوار التنوير، محاضرة للإعلامي والكاتب عبد المنعم الأعسم، بعنوان الإعلام المعاصر والوظائف المتضاربة، 7 نيسان/أبريل 2021). (أنظر أيضاً: نفوذ إيران في العراق… الهيمنة عبر الإعلام، الشرق الأوسط، بتاريخ 22 كانون الأول/ديسمبر 2017).
** توجيه دعاة المدرسة الشيعية الصفوية إلى مختلف البلدان لإنشاء المدارس الدينية وإيصال الكتب والنشرات للتبشير بهذه المدرسة الطائفية المتطرفة. ولا يقتصر ذلك على الدول العربية أو ذات الأكثرية المسلمة فحسب، بل وإلى الدول الأوروبية وأستراليا والولايات المتحدة وكندا وغيرها. “ووفقاً لوسائل إعلام إيرانية، في حين تم تخصيص حوالي 400 مليار تومان (ما يعادل 33 مليون دولار تقريبا) لمكافحة كورونا، حصلت المؤسسات الدينية المكرسة لنشر الثورة الخمينية على أضعاف هذه المبالغ وعلى رأسها “جامعة المصطفى العالمية” في قم، والتي حصلت 317 مليارا و320 مليون تومان للعام المقبل، ما يعادل حوالي 26 مليون دولار أميركي تقريبا. وتعد الجامعة التي تأسست عام 2008 وفيها 40 ألف طالب أجنبي، أهم مركز لاستقطاب الطلبة الدينيين الأجانب وفق مفهوم الثورة الإيرانية ونظرية ولاية الفقيه الذين يتم استخدامهم لنشر المشروع الإيراني في المنطقة والعالم.” (المصدر: صالح حميد، ميزانية إيران … أولوية لـ تصدير الثورة” على حساب مكافحة كورونا”، موقع العربية، 19/03/2020″).
** تكوين جماعات وفرق شيعية صفوية مدنية وعسكرية تؤمن بولاية الفقيه وتعمل في الجوامع والحسينيات علناً أو سراً على وفق أوضاع كل بلد ويجري تدريبها في إيران أو في لبنان في مواقع يسيطر عليها حزب الله اللبناني الإيراني الهوية والهوى والعمل. ومن ثم تخلق منها تدريجياً ميليشيات طائفية مسلحة على غراز حزب الله في لبنان أو الميليشيات الطائفية المسلحة في العراق أو القوى الإيرانية المحاربة مباشرة في إيران أو المستشارين المدنيين والعسكريين الإيرانيين في اليمن ومع الجهاد الإسلامي في غزة وفلسطين على سبيل المثال لا الحصر.
** إيصال الأموال والسلاح والعتاد التقليدي الحديث والمنتج في إيران إلى الفرق والميليشيات المسلحة في الدول التي تعتبرها تابعة لها مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن، وإلى دول أخرى في غرب آسيا والشرق الأوسط وباكستان والهند وأفغانستان، ومنها أسلحة خفيفة ومتوسطة ومدرعات وطائرات مسيرة وصواريخ لأبعاد مختلفة.
** العمل على بناء دولة عميقة ذات مهمات سياسية واقتصادية (مالية وتجارية) وعسكرية وأمنية وفرق موت تابعة لها، وتقاد بأيدي عناصر تابعة من البلدان ذاتها وبإشراف وتوجيه وقيادة مباشرة من وكلاء خامنئي في الحرس الثوري وفيلق القدس. ولهذه الدولة العميقة أذرع طويلة ممتدة في سلطات الدولة الرسمية كما هو الحال في العراق وسوريا ولبنان واليمن ومحاولات الدخول الواسع إلى السودان والبحرين ودول الخليج مستثمرين غياب الحريات الديمقراطية في تلك البلدان، كما في السعودية والبحرين واليمن، على سبيل المثال لا الحصر، وقبل ذاك اليمن، إذ ما يزال أتباع المذهب الشيعي يعانون من التمييز والعنت والقسوة والتعذيب وأحكام السجن الثقيلة.
** استخدام أراضي الدول الأخرى وعبر أتباعها وميلشياتها في صراعاتها الدولية لاسيما مع الولايات المتحدة أو مع المملكة السعودية، كما يحصل حالياً في العراق واليمن ولبنان وسوريا، وعواقب ذلك على شعوب واقتصاديات تلك البلدان، كما يلاحظ ذلك بشكل مروع في العراق.
** وتشير دراسات كثيرة حول الأذرع الإيرانية الثلاثة الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط والعالم، ونعني بها: 1) فيلق القدس ومعه طبعاً الحرس الثوري الإيراني، كمؤسسة عسكرية أمنية واقتصادية كبيرة، و2) حزب الله اللبناني ودوره السياسي والطائفي والعسكري واقتصادي لا في لبنان فحسب، بل وفي المنطقة، وكذلك 3) الاستخبارات الإيرانية (اطلاعات) التي توسعت كثيراً، سواء أكان بعدد أفرادها، أم بالأموال المخصصة لها، أم بأحدث الأساليب التقنية المتوفرة لها في العالم. (أنظر: أذرع إيران الثلاث للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، موقع دويتشة فيلة، DW، توقيع و.ب، 24/07/2018).
** وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن وكلاء إيران في البلدان المختلفة، لاسيما الميليشيات المسلحة والمكاتب الاقتصادية، تعمل بالتعاون والتنسيق مع قوى الجريمة المنظمة في تصدير المخدرات بشكل خاص عبر العراق إلى دول الخليج وسوريا ولبنان، ومنها إلى دول العالم، وهي تحقق أرباحاً طائلة تضعها في خدمة النشاط العسكري الإيراني لتصدير الثورة الإيرانية. فالمعلومات المتوفرة تشير في فترة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، الذي كان ينفذ بخنوع شديد سياسات إيران وخامنئي في العراق، أجبر على غلق معبر حدودي بين العراق وإيران عرف بتهريب المخدرات. فقد موقع اندبندنت الإلكتروني بهذا الصدد ما يلي: “سجل تدفق المخدرات الإيرانية إلى العراق، رقماً قياسياً خلال العام الحالي، ما دفع ببغداد إلى إغلاق معبر حدودي مع إيران. فقد أصدر رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، أمراً فورياً بإغلاق منفذ “سومار- مندلي” في محافظة ديالى عند الحدود مع إيران، في حين ذكر مسؤولون محليون أن “السلطات العراقية فقدت سيطرتها على هذا المعبر لصالح مجموعات مسلحة”. وكان هذا المنفذ مغلقاً لمدة طويلة، قبل أن يُعاد تشغيله قبل أربعة أعوام، لتسهيل عبور الإيرانيين الراغبين بزيارة العتبات الشيعية المقدسة في العراق، لكنه تحول في الفترة الأخيرة إلى أكبر بوابات التهريب.”. (المصدر: عمر لطيف، المخدرات الإيرانية تغزو العراق والسلطات عاجزة عن السيطرة على حدوده” أندبندنت عربية، بتاريخ 14 أب /أغسطس 2019″.
كل المؤشرات التي تحت تصرف الكاتب تشير إلى أن إيران لم تكن خلال العقود الأربعة المنصرمة (1979-2021) مصدر هدوء وأمن واستقرار في المنطقة والعالم، بل كانت مصدر نشر الفوضى وإشاعة الصراعات والنزاعات والفتن الطائفية ونشر الميلشيات الطائفية المسلحة لمماسة التمييز والابتزاز والاختطاف والقتل والتخريب، بهدف الهيمنة على بلدان وشعوب أخرى. كما أن المؤشرات تؤكد بأن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لم يبذلا الجهود المطلوبة للتصدي لدور إيران في المنطقة من جهة، كما لم تعالج المشكلات الأخرى التي تستفيد منها إيران وتستخدمها ورقة لإثارة الأحقاد والكراهية، لاسيما الموقف من إسرائيل وسياسات اليمينية المتطرفة في الاحتلال والاستيطان التي تمارسها إسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية وحصار قطاع غزة وعواقب كل ذلك على الأمن والسلام وحقوق الشعب الفلسطيني، أو معالجة الحرب في سوريا واليمن والتدخل الفظ في الشؤون العراقية…إلخ. إن سياسات إسرائيل المناهضة للشعب الفلسطيني وضد إقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية يسمح لإيران وغيرها المتاجرة بالقضية الفلسطينية وتنشيط القوى الإسلامية السياسية المتطرفة التي تؤدي بالمحصلة النهائية إلى عواقب وخيمة على الشعب الفلسطيني ذاته وعلى قضيته العادلة.
إن هذه السياسات، بالارتباط مع الصراعات والنزاعات والحروب الجارية في المنطقة، تهدد المنطقة كلها بصراعات ونزاعات وحروب جديدة أكثر همجية وعدوانية وسعة، تماماً كما سعت إليه وتحدثت عنه بصراحة كبيرة وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأسبق “كوندوليزا رايس” حين قالت “نحن نعمل من أجل حصول “فوضى خلاقة” في الشرق الأوسط”، وها هي شعوب المنطقة تعيش هذه “الفوضى الخلاقة” المريعة. وبالتالي فلا بد للرأي العام العالمي والمجتمع الدولي ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان أن تعمل لتفكيك تلك المشكلات التي تسبب الغرب بها، وإيجاد الحلول العملية لها قبل تفاقمها وخروجها عن إمكانية لجمها وحلها.
وعراقنا الحبيب مستباح من إيران ودولتها العميقة وبنيتها التحتية وأذرعها العديدة الممتدة في سلطات العراق الثلاث تشكل تهديداً مستمراً لصراعات ونزاعات أكثر سعة ودموية وتخريباً للدولة والاقتصاد والمجتمع في العراق، سواء أكان ذلك بين إيران والولايات المتحدة على الأرض العراقية، وهي الدولة التي نظمت الحرب الخارجية ضد العراق واحتلته ومرغت كرامة شعب بالتراب وساومت إيران وغيرها بإقامة الدولة الطائفية المحاصصية الفاسدة في العراق وسمحت بهيمنة إيران على العراق، أم بين الميليشيات الولائية وغير الولائية، أم بين الشعب العراق من جهة، وإيران وأتباعها في العراق من جهة أخرى. إن هذا الواقع يتطلب الحيطة والحذر والنضال الدؤوب من جانب الشعب العراقي بقواه الوطنية المدنية والديمقراطية من أجل إنقاذ العراق من القوى التي تريد استعباده واستعماره واستغلال ثرواته ونهبها وكبت حرياته واغتصاب حقوقه الإنسانية. إنها معركة المصير والمستقبل لهذا الشعب الأبي المبتلى بالطائفية المحاصصة والفساد والتبعية. فنتذكر معاً كثرة التصريحات التي أدلى بها مسؤولون إيرانيون كبار حول تبعية وعائدية العراق لإيران!!! وإليكم البعض القليل منها: بعد أن قال مسؤول في الحكومة الإيرانية إن بغداد تخضع لحكم طهران، جاء تصريحا مستشار الرئيس حسن روحاني الذي وصف بغداد بعاصمة الإمبراطورية الفارسية، ورئيس تحرير وكالة مهر الإيرانية حسن هاني زادة الذي دعا فيه العراق للوحدة مع بلاده وترك ما وصفها بـ”العروبة المزيفة“.. (أنظر: علاء يوسف، تصريحات إيرانية تغضب عراقيين، موقع الجزيرة، 18/03/2015). وقال علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في كلمة أمام مؤتمر بطهران، نقلتها وكالة أنباء الطلبة الإيرانية، إيسنا، إن بلاده: “كانت منذ ولادتها “إمبراطورية”، مضيفا: “العراق ليس جزءاً من نفوذنا الثقافي فحسب، بل من هويتنا.. وهو عاصمتنا اليوم.. وهذا أمر لا يمكن الرجوع عنه لأن العلاقات الجغرافية والثقافية القائمة غير قابلة للإلغاء، ولذلك فإما أن نتوافق أو نتقاتل.” (أنظر: بغداد تستنكر تصريحات مستشار لروحاني قال فيها إن العراق عاصمة للإمبراطورية الإيرانية، موقع بالعربية CNN، 11 أذار/مارس 2015).
ولم يكن عبثياً حضور الشعار الشعبي الذي صم الآذان في احتجاجات الشعب العراق وانتفاضته المجيدة عام 2019 في كل المدن المحتجة والمنتفضة “إيران برة برة… بغداد تبقى حرة”.
إن الشعب العراقي يقف ضد كل أشكال الوجود الأجنبي في العراق سواء أكان أمريكياً أم بريطانياً أم إيرانياً أم تركياً أو روسياً، ولهذا فقد رفع شعارين مهمين وأساسيين هما: “نازل أخذ حقي” المغتصب، وأريد “وطناً” مستقلاً وسيد نفسه. وهو مبتلى اليوم بوجود إيراني واسع النط\اق ومهيمن، ووجود أمريكي باتفاق مع الحكومة العراقية، ووجود قواعد عسكرية وتدخل يومي فظ من جانب الدولة والقوات التركية في العراق، وهو يناضل للخلاص منها كلها. (“أنظر: سقراط، إيران بره بره … بغداد تبقى حرة” موقع الرؤية، 30 نوفمبر 2019″)، ونجد ذلك في عشرات المواقع الأخرى وكثير من الصحف العراقية والعربية والدولية.
إن سياسات قادة وأجهزة الدولة الإيرانية، الداخلية منها والخارجية، لا تنتهك حرمة وحقوق وإرادة ومصالح شعوبها فحسب، بل وشعوب كثيرة أخرى في الدول العربية الشرق الأوسطية، وشعوب ودول أخرى في أنحاء أخرى من العالم. وهو المسألة الملحة والخطيرة التي تستوجب من هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي أن يساهما في التصدي لهذه السياسات وإيقافها ودع نضال الشعوب ضدها.