لن يتحقق السلام في الشرق الأوسط دون إنهاء الاحتلال وحل الدولتينِ
كاظم حبيب
ستبقى إسرائيل تحلم بالسلام الوهم وهي تحتل الضفة الغربية والقدس الشرقية منذ 54 عاما بالتمام والكمال، وتحاصر سكان قطاع غزة. كما ستبقى إسرائيل تحلم بالسلام الوهم وهي تصر على ممارسة التغيير الديمغرافي الموجه ضد العرب في مدن الضفة الغربية والقدس الشرقية (حيّ الشيخ جراح نموذجاً)، بل وفي المدن المختلطة في إسرائيل ذاتها، ستبقى إسرائيل وشعبها يحلمان بالسلام الوهم ما لم تنهِ احتلالها وتكف عن تهويد القدس الشرقية وممارسة التمييز ضد العرب فيها. لا يمكن لشعب يبقى تحت الاحتلال هذه العقود الكثيرة دون أن يواجه قوى الاحتلال بالانتفاضة والغضب. هذا ما تحدثت به صحيفة هارتس أول أمس مثلاً وما قالته البروفيسورة هيلگا باومگارتن Helga Baumgartren، الإسرائيلية المختصة بشؤون الشرق الأوسط في إسرائيل لقناة ZDF الألمانية يوم 13/05/2021.
لم أقل هذا وحدي، بل قاله ويقوله يهود منصفون في إسرائيل ذاتها، ويهود منصفون وعقلانيون في الولايات المتحدة وفي غيرها من دول العالم، كما يقوله أمين عام الأمم المتحدة حين يؤكد على الشرعية الدولية وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بشأن المسائل المشار إليها في أعلاه إنها باختصار إدان للسياسة اليمينية المتطرفة التي يمارسها بنيامين نتنياهو إزاء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
إن حياة السلام والعيش المشترك لإسرائيل وشعبها من أتباع مختلف الديانات، لاسيما اليهود والعرب المسلمين والمسيحيين، في منطقة الشرق الأوسط يفترض أن يعي ويدرك مسؤولو إسرائيل أهمية وجود علاقات سليمة، سلمية وديمقراطية، قائمة على أسس التعاون والاحترام المتبادل وحقوق الإنسان وحقوق الشعوب، وإن الإخلال بها يقود إلى عواقب وخيمة عليها وعلى بقية شعوب المنطقة والعالم. فإسرائيل محاطة بالدول العربية من كل حدب وصوب وهي بحاجة إلى سلام شامل ودائم، ولكن شعوب المنطقة كلها بحاجة إلى سلام أيضاً، وبالتالي فالطريق السوي للوصول إلى سلام عادل ودائم ومكفول دولياً يجب أن يقترن بالشروط الآتية التي لم أحددها أنا أو غيري بل يفرضها ويستوجبها الواقع القائم في إسرائيل وفلسطين والمنطقة بأسرها:
- إنهاء الاحتلال والانسحاب الكامل والعاجل من أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية.
- تنفيذ قرار وجود دولتين إسرائيل وفلسطين على الأرض الفلسطينية قبل قرار تقسيم فلسطين عام 1947.
- اعتبار القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية على وفق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
- إيقاف عمليات الاستيطان وحل المستوطنات اليهودية المقامة في الضفة الغربية وتسليم الدور إلى السلطة الفلسطينية القائمة.
- إيقاف عمليات التغيير الديمغرافي بتخلية المناطق العربية في القدس وفي غيرها من سكانها العرب وإحلال مستوطنين إسرائيليين مكانهم.
- إيجاد سبل عملية لحل مشكلة سكان فلسطين المهجرين قسراً بعد صدور قرار التقسيم.
إن وجود مثل هذه الإرادة والعمل الفعلي بموجبها سيقودان إلى نتائج عملية فائقة الأهمية لشعب إسرائيل والشعب الفلسطيني وعموم شعوب المنطقة في آن واحد، منها على سبيل المثال لا الحصر:
- زرع الأمل في نفوس الفلسطينيين والفلسطينيات في استعادة حقوقهم المغتصبة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وإنهاء حصار قطاع غزة.
- إضعاف النهج والتيار اليميني المتطرف في إسرائيل والداعي إلى التهام ما تبقى من فلسطين في الدولة الإسرائيلية ومنع قيام دولة فلسطينية قابلة للعيش في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.
- إضعاف فعلي للتيار الإسلامي السياسي المتطرفة والسلفي المتشدد في فلسطين (الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة) التي دار أو ما زال يدور في بالها شعار “رمي إسرائيل في البحر” الذي لم يعد تعمل به منظمة التحرير الفلسطينية ولا الدول العربية منذ اعترافها الفعلي بدولة إسرائيل.
- إضعاف المزايدات القومية العربية اليمينية المتطرفة والقومية الفارسية المتطرفة (نظام الطائفي المتطرف في إيران) على الشعب الفلسطيني وقواه المناضلة في سبيل الحل السليم والعادل والمشروع للقضية الفلسطينية على وفق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
- لا ينفع إسرائيل كثيراً إقامة علاقات اعتيادية مع بعض الدول العربية في حين لا تبذل الحكومة الإسرائيلية أي جهد لمعالجة المشكلات الأساسية الأكثر أهمية، لاسيما إنهاء الاحتلال وحل الدولتين والقدس الشرقية.. إلخ، بل على العكس من ذلك إذ تمارس سياسات يمينية متطرفة تزيد الأمور تعقيداً، وبالتالي تسمح للتطرف والمتطرفين في التنامي في إسرائيل ولدى العرب أيضاً. فحماس والجهاد الإسلامي يزدادان قوة ويتسعان بسبب إصرار إسرائيل على استمرار الاحتلال وتهويد القدس كلها والحصار ضد قطاع غزة، وغياب أفق فعلي لتنفيذ قرار حل الدولتين.
- كما أن موقف الانحياز الكامل من جانب الولايات المتحدة الأمريكية (أنصر أخاك ظالماً أو مظلوما) وإلى حد كبير دول الاتحاد الأوروبي إلى جانب إسرائيل دون التمييز المطلوب يزيد الأمر تعقيداً ويصب مزيداً من الزيت على النار المشتعلة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. والحاجة الماسة إلى رؤية محايدة إيجابية لصالح حل المشكلة لصالح السلام والعيش المشترك للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.
- إن كل ذلك من شأنه أن يضعف إلى حدود بعيدة معاداة السامية والدولة الإسرائيلية من جهة، ومعاداة العرب والمسلمين عموماً والفلسطينيين خصوصاً من جهة أخرى ويخلق أجواء إيجابية تدريجية للعيش المشترك والتجاور السلمي والديمقراطي المبني على الاعتراف والاحترام المتبادلين ورفض الكراهية وتجاوز الأحقاد.
إن المعارك الجارية حالياً بين إسرائيل والشعب الفلسطيني وسقوط عشرات القتلى في الجانب الفلسطيني وبعض القتلى في الجانب الإسرائيلية وتدمير هائل للبنية التحتية ودور السكن في غزة، وإطلاق المزيد من الصواريخ على المناطق المدنية لن تعالج المشكلات القائمة ولن تجلب الهدوء والراحة والسلام للجميع، بل ربما ستتوقف قريباً لتعود ثانية. ويبقى الموت والخراب والدمار ومزيد من الكراهية الأحقاد هو الذي يواجه جولات جديدة من المعارك المحتملة ما دام الوضع جامداً غير متحرك لحل شامل وعادل للقضية الفلسطينية.
إن شعوب إسرائيل وفلسطين وبقية دول منطقة الشرق الأوسط بحاجة إلى أمن وسلام دائمين، بحاجة إلى تنمية وتعمير ومكافحة التخلف والفقر والعوز، ولن يتحقق ذلك في ظل الأوضاع الراهنة، بل يمكن أن تتسع رقعة الصراع لتتحول إلى حرب دامية ومدمرة. والحرب كما هو ثابت لا تحل المشاكل فحسب بل تزيدها تعقيداً وتَلِد حروباً أخرى. في حين يحتاج الجميع، إلا المتطرفون، إلى سلام شامل ودائم وعادل بحماية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، علماً بأن هذه المنظمة الدولة ومجلس أمنا لم يثبتا حتى الآن قدرتهما على التخلص من الانحياز والتأثير الأمريكي المباشر على قرارته (الفيتو) أو حتى تنفيذ ما اتفق عليه منذ أعوام كثيرة حتى الآن!!!