فاجعة العراق الأكبر في دولته المهمشة والتابعة بسلطاتها الثلاث
كاظم حبيب
أصبح العراق موطناً للفواجع والكوارث والحروب والموت والخراب والأحزان المتشابكة والمرهقة، أصبح العراق موطناً للمرض والجهل والفقر والحرمان والدوس على كرامة الإنسان ومصادرة حقوقه الأساسية، خاصة حقه في الحياة، منذ أن تسلم المستبدون والشوفينيون والعنصريون والطائفيون والمحاصصيون والفاسدون دفة الدولة العراقية قبل نيف وستة عقود، وأقاموا فيها منذ العام 1963 حتى اليوم أربع جمهوريات متتالية بعثية وقومية وبعثية وطائفية محاصصية فاسدة ومقيتة وقاتلة لهوية المواطنة العراقية المتساوية والواحدة.
ومنذ عام 2003 يعيش الشعب العراقي تحت وطأة جمهورية خامسة، جمهورية الطوائف والمشايخ والغدر والفساد ميث ركل كل ما هو إنساني نبيل، بما في ذلك هوية المواطنة العراقية الواحدة والمتساوية، واعتماد الهويات الفرعية القاتلة. منذ ذلك الحين لم يهدأ العراق ولو للحظة واحدة. فالشعب العراقي يعيش اليوم تحت وطأت دولة مهمشة وإرهاب حكومي وعنف وقسوة مفرطة وتمييز بصوره الأكثر بشاعة وكراهية ودموية. كما يتعرض يومياً لمختلف الفواجع، منها فاجعة احتلال الموصل ونينوى وصلاح الدين والأنبار وجزء من ديالى وكركوك، وما حصل فيها من إبادة جماعية ونزوح وتهجير قسري وقتل بالجملة وأسرى نساء وأطفال، ثم فاجعة سبايكر، والفواجع التي تعرض فيها الإيزيديون والمسيحيون والشبك والتركمان على أيد الدواعش، والآن وقبل ذاك على أيدي الميليشيات الطائفية المسلحة وسقفها الحشد الشعبي.. وكذلك فواجع الصابئة المندائيين الذين لم يعد منهم في العراق إلا القليل بعد خسارة تسعة أعشار عددهم قبل الحرب والغزو الأمريكي للعراق في عام 2003. ولا يمكن أن تُنسى فاجعة القتل على الهوية سواء التي تعرض لها الشيعة والسنة أم التي وجهت ضد المسيحيين والصابئة المندائيين والإيزيديين والديمقراطيين والعلماء وغيرهم من اتباع الديانات والمذاهب في البلاد. وتبقى مجازر القتل التي استمرت أكثر من عام ضد قوى الانتفاضة الشبابية في العراق بين عام 2019 و2020 حيث سقط المئات قتلى وآلاف المصابين والمعاقين. وأخيراً وليس آخرا فاجعة مستشفى ابن الخطيب ببغداد أكثر من 80 شخصاً وأكثر من 120 مصاباً بجروح. والسبب هو خراب الدولة بكافة وزاراتها ومنها وزارة الصحة المعروفة منذ بداية قيام النظام الطائفي بالفساد الكبير والنهب المستمر وإهمال صحة البشر ونظم الصيانة والإدامة والأمن وغياب الرقابة أو فسادها التام، والاهتمام بالكسب الحرام على حساب المرضى وعموم الشعب، وطلب المغفرة من ربهم “الدولار” بدفع الخمس للجهة الدينية التي كانت وما تزال مسؤولة عن وزارة الصحة كحال بقية الوزارات التابعات لوزراء فاسدين يمثلون مصالح الأحزاب والقوى الطائفية الفاسدة في تلك الوزارات الفاسدة، كما هو حال وزارة النفط أو وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية أو وزارة التجارة …الخ. الفاجعة الأخيرة ليست سوى حلقة في سلسلة من الفواجع والكوارث المستمرة التي واجهت وتواجه شعب العراق يومياً والتي لم ينعم بسببها بالرحة والاطمئنان والعيش الكريم. ولكن الفاجعة الأكبر والأقسى والأمر التي يعاني منها شعب العراق تتجلى في الدولة العراقية الهامشية والمهمشة والتابعة ذاتها، بسلطاتها الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضاء)، بكل مؤسساتها ومفوضياتها المستقلة التابعة، إنها فاجعة الفواجع، إنها الدولة المأساة والمهزلة التي لا بد من تغييرها وإعادة بنائها. فليس هناك احترام للدستور الذي وضعوه ولا للقوانين التي أصدروها، ولا لنظم العمل التي أقرّوها، إنه التوحش الذي شمل الإدارات الحكومية التي سيطرت عليها الأحزاب الإسلامية السياسية وميليشيات الطائفية المسلحة ومكاتبها الاقتصادية وفرق التهديد والاختطاف والقتل التي لا ترى في العراق سوى سفينة تحترق لا بد من نهب ما فيها قبل احتراقها بالكامل وغرقها! إنه النهب والسلب المنظم والمبرمج والهادف إلى قتل الروح الحية لدى المواطنة والمواطن وبث الخيبة والإحباط في نفوس الناس، لاسيما الشبيبة. هذه الدولة الفاشلة غير قابلة للحياة في وضعها الراهن ولا بد من تغييرها، وليس الاتيان بشعب أخر غير الشعب العراقي. إن القوى المهيمنة على الدولة لا تمارس ذات السياسات منذ 18 عاماً فحسب، بل زادت عليها كثيراً وشددت منها، وبالتالي، وفرت وتوفر اليوم الأرضية الأكثر خصباً لانتفاضة شعبية عارمة تكنس تلك الحثالة التي تصر على البقاء في السلطة ومواصلة النهب والسلب وقتل البشر. أشعر وأتبين قوة الحركة الشبابية التي ستطيح بهذه الزمر الضالة من حكام العراق التي لا هم لها سوى اشباع غريزتها المتوحشة للمال، للسحت الحرام، وللدم والدموع!!!