الكوارث المأسوية للصابئة المندائيين في ظل الدولة الطائفية في العراق
كاظم حبيب
بتاريخ 25/04/2021 قدمت محاضرة اخترت موضوعها بعنوان العنصرية وباء اجتماعي – سياسي – اقتصادي – ثقافي (أيديولوجي) مناهض للإنسانية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية عبر الزوم بدعوة كريمة من لجنة العمل الفكري للحزب الشيوعي العراقي في المهجر. كما نقلت من قبل الرفيق سمير طبلة عبر الفيسبوك في الوقت نفسه. وأشير إلى أن الحصور كان جيداً وكذلك المشاركة في النقاش.
كانت المحاضرة تطرح مفهوم العنصرية العام وصور ظهوره على الصعيد العالمي لاسيما في الولايات المتحدة وأوروبا وكذلك قبل ذاك في جمهورية جنوب أفريقيا والعزل العنصري. كما تطرقت إلى أشكال التمييز الي يترافق مع التمييز العنصري، كالتمييز الديني والمذهبيـ والتمييز الطبقي، لاسيما في ظل اللبرالية الجديدة، والتمييز ضد المرأة او التمييز ضد أصحاب الحاجات الخاصة وضد المثليين …الخ. ونوهت بشكل خاص إلى العنصرية العرقية، إلى التي تعتمد وجود أعراق في المجامع البشري، في حين برهن العلم بعدم وجود أعراق فالإنسان واحد في كل أنحاء المعمورة بغض النظر عن لون بشرته أو شعره أو ملامح وجهه أو عينية أو لغته ومحل إقامته. فالإنسان هو القيمة الحقيقة التي يفترض ألّا تمس كرامته بأي أذى ويحاسب من يرتكب ذلك سواء كان شخصاً أو جماعة أو دولة.
وضمن المسائل التي تطرقت لها ما جرى ويجري في العراق وبصورة مكثفة على امتداد عمر الدولة العراقية التي أكملت هذا العام المائة سنة، لاسيما في العقود التي أعقبت سقوط الجمهورية الأولى، ومنها ما تعرض له أتباع القوميات العديدة وثم أتباع الديانات العديدة في العراق. ولم أركز في هذه المحاضرة على الكوارث والمآسي التي مرّ بها أتباع كل دين من الديانات والمذاهب، لعلمي بأن الحضور، وهم من المثقفين والمتعلمين والسياسيين يعرفون تماماً ما جرى للمسيحيين والإيزيديين في الموصل ونينوى، أو ما جرى للصابئة المندائيين والمسيحيين في جنوب ووسط العراق من اضطهاد ونزوح وتهجير وقتل وتشريد. كما أني أصدرت العديد من الكتب بهذا الصدد شملت جميع الديانات والمذاهب، إضافة إلى حضوري العديد من المؤتمرات أو مشاركتي المباشرة فيها.
أبدى الصديق ورفيق النضال المديد الدكتور خالد الحيدر (كندا) استغرابه من أني لم أتحدث عن الكوارث والمآسي التي لحقت بالصابئة المندائيين، رغم أنه يعرف بأن المسألة لم تكن مخصصة لطرف واحد من أطرفا أتباع الديانات والمذاهب في العراق، أو أن الموضوع مخصص اساساً للعنصرية في العراق. تفهمت بطبيعة الحال الهدف النبيل لزميلي وصديق الدكتور الحيدر ورغبته الصادقة في تسليط الضوء على معاناة جزء أصيل من الشعب العراقي يمتد عمر وجوده في العراقي إلى ألاف السنين ومن أقدم الديانات التوحيدية التي وجدت في العراق ومنطقة الخليج والشرق الأوسط. وقد أجبت عن سؤاله بما لي من وقت مخصص للإجابة عن الأسئلة الكثيرة التي طرحت في المحاضرة. أعتقد بأن للعزيز الحيدر الحق في أن يطلب من كل محاضر في الشأن العراقي ألّا ينسى معاناة أتباع الديانات والمذاهب في العراق، ومنها الكارثة المأساوية الممتدة للصابئة المندائيين في العراق، في وطنهم الأصلين على ضفاف نهري دجلة والفرات. ويمكن هنا أن أتوسع قليلاً بمعاناة الصابئة المندائيين وأتشرف بأني منحت وسام شرف من المندائيين باعتباري أحد المشاركين وبتواضع دفاعاً ‘ن هذا الجزء الأصيل من أبناء وبنات شعبنا العراقي المستباح بالطائفية والمحاصة والعنف والفساد في مؤتمر هولندا وحضرت أكثر مؤتمرات اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر.
العراقيون المندائيون
المندائيون يشكلون جزءاً أصيلاً من سكان وداي الرافدين، ميزوبوتاميا، منذ أن بزغت الحضارة البابلية على هذه الأرض الطيبة، وهناك من الدلائل ما يؤكد ذلك، وهم لا زالوا بالعراق وسيبقون، رغم المحن والكوارث التي تعرضوا لها عبر تاريخهم الطويل. أنهم أصحاب ديانة توحيدية، إذ تعتبر أقدم الأديان التي يطلق عليها بالكتابية (المندائية والمجوسية واليهودية والمسيحية والإسلام)، وكتابهم المقدس “كنزا ربا” وكتب أخرى عديدة. والدين المندائي مغلق غير تبشيري، وبالتالي، فأتباع هذا الدين لا ينافسون أتباع الأديان الأخرى ولا يسعون إلى كسبهم إلى ديانتهم. الدين المندائي، وبخلاف الكثير من الأديان، مسالم، يدعو إلى العلم والمعرفة، وليس لهذا الدين من مؤسس محدد، كما في الأديان الكتابية الأخرى، وهو أمر إيجابي، فاتباع هذا الدين، الناس، كلهم هم الذين عرفوا هذا الدين وتبنوه ووضعوا طقوسه. كتب الشيخ الترميذة علاء النشمي إجابة عن سؤال من هو مؤسس الدين، ما يلي: ” أن الديانة المندائية تختلف عن باقي الأديان، بكونها ليس لديها مؤسس بشري .. أن المندائية ببساطة هي شرعة الحياة الفطرية (شرشا اد هيي) التي عرفها والتزم بها آدم أبو البشر (أول إنسان عاقل) .. فقد ورد في ك/ي، عندما أمر الخالق العظيم، رسول الحياة والنور (هيبل زيوا) (أ.س) بما يلي: ((اذهب، ناد بصوتك آدم وامرأته حواء وجميع ذريتهم بصوت عال ناديهم واجمعهم وخذ على نفسك أن تعلمهم كل شيء. أعطهم دروسا عن ملك النور السامي ذو القوة الواسعة العظيمة دونما حد أو عدد وعرفهم بعوالم النور الأبدية))، وأيضا ورد في ك/ي ((لقن آدم وزوجته العلم والمعرفة)). فهذا الأمر من الخالق العظيم لملاكه الطاهر، بان يعلم آدم وزوجته حواء (العلم والمعرفة).. فهذه المعرفة هي المندائية، ويقصد بها معرفة وجود الرب الحي العظيم. فالمندائية امتداد لشريعة عوالم النور (عوالم الله).. فهي تعني المعرفة.. ويقصد بها معرفة الرب وتوحيده، الحي العظيم (هيي ربي) مسبح اسمه، وتنظيم الصلة ما بين رب الأكوان والإنسان، وهذا هو أهم شيء وجوهر الدين المندائي.. وأول من عرف، وكان مندائي بسبب معرفته، هو آدم (مبارك اسمه).. المندائية هي معرفة الحياة وهي ليست وليدة عصر، وإنما وليدة كل العصور.” (الشيخ الترميذة علاء النشمي، أسئلة وأجوبة عن الديانة المندائية على موقع الهوية الآرامية، أخذ المقتطف بتاريخ 21/03/2018). من هذا يمكن القول بأن هذا الدين يقترن بأدم ونوح وسام وشيت وعددٌ آخر من الأنبياء الذين ذكروا في القرآن أيضاً، ولاسيما إبراهيم ويحيى وزكريا، بالتالي فهم يحترمون جميع الأنبياء.
رغم هذا التوضيح، اختلف الكهنة وشيوخ الدين من جميع الأديان الأخرى بشأن المندائيين. ويعود هذا إلى حد ما إلى الانغلاق المندائي على الذات من جانب شيوخ الدين المندائيين ومنذ القدم، باعتباره ديناً باطنياً لا يجوز كشف أسراره. ونشأ عن ذلك، إضافة إلى عوامل أخرى لا دخل للمندائيين فيه، ولحقت بهم إساءات كثيرة وتفسيرات خاطئة، كما تعرضوا إلى محن وكوارث كثيرة عبر تاريخهم الطويل.
فعلى سبيل المثال لا الحصر جاء في كتاب (حران كويثا) (حران السفلى) ( Inner Harran ) ، وهو أحد الكتب الدينية الذي يتحدث عن تأريخ الصابئة المندائيين، الى تعرض المندائيين في القرن الميلادي الأول وفي بداية الدعوة المسيحية الى الإرهاب والمجازر وحملة إبادة جماعية للمندائيين في مدينة أورشليم سنة 70م التي كان يسيطر عليها الحكم الروماني حيث تمت إبادة آلاف المندائيين ومن بينهم 360 رجل دين مندائي وكانت هذه المذبحة العامل الأساسي في هجرتهم الأولى من اورشليم والعودة الى موطنهم الاصلي في وادي الرافدين ووقف التبشير بالدين المندائي مما أثر على أعدادهم لاحقا“. (فائز الحيدر، الصابئة المندائيون والإرهاب عبر التأريخ، موقع اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر، 7 شباط/فبراير 20139).
كما كتبت الليدي إي. أس. دراوور في كتابها (الصابئة المندائيون) عن الإبادة التي تعرض لها المندائيون في القرن الرابع عشر في مدينة العمارة حين كان السلطان محسن بن مهدي حاكما عليها، وكان ابنه فياض حاكما على شوشتر حيث تعرض بعض العرب على امرأة مندائية لغرض اغتصابها وعلى أثر ذلك أعلنت الحرب على المندائيين فتم قتل رجال الدين والرجال والنساء والاطفال وبقيت الطائفة بلا رجال دين لعدة سنين. (الليدي دراوور، الصابئة المندائيون/ مصدر سابق.)
بالنسبة للمسلمين، من حيث المبدأ، يفترض أن يأخذوا بما جاء في القرآن بشأن المندائيين، إذ اعتبرهم أهل كتاب، وبالتالي فلا يجوز الإساءة لهم أو قتلهم بأي حال. فهل تصرفوا باستمرار على هذا الأساس؟ واقع الحال يشير إلى غير ذلك! فقد تصرف الكثير من الحكام وشيوخ الدين المسلمين بخلاف ذلك، ونقلوا موقفهم أحياناً كثيرة إلى أوساط المسلمين، مما أدى إلى تعرضهم للكثير من الكوارث والمحن على امتداد تاريخهم في ظل الدول ذات الأكثرية المسلمة.
فالواقع يشير إلى أن شيوخ المسلمين لم يختلفوا عن كهنة وشيوخ بقية الأديان الكتابية بشأن الديانة المندائية وأتباعها. فمنهم من رأى ضرورة فرض الجزية عليهم باعتبارهم من الذميين وأهل كتاب، ومنهم من رأى أنهم كفارا يجب قتلهم. كتب د. رشيد الخيون في كتابه الموسوم “الأديان والمذاهب بالعراق” في الجزء الأول منه بهذا الصدد ما يلي: ” إن الجهل في تاريخ هذا الدين، بسبب باطنيته جعل الطبري ينقل عن المفسر عبد الرزاق الصنَّعاني (ت 211ه) عن سفيان الثَّوري (ت 161ه) “الصابئون قوم بين اليهود والمجوس ليس لهم دين). (رشيد الخيون، ص 115). ومثل هذا التقدير ليس خطأً فادحاً فحسب، بل يعرض أتباع هذه الديانة إلى خطر القتل على ايدي المسلمين. كتب الخيون بصواب ما يلي: لا نعتقد أن في الشرق منبع الأديان، هناك قوماً لا دين لهم. ومن يطلع على كتاب “كنزا ربا” وترجمات كتب المندائيين الأُخر مثل “ديوان أباثر” ورسوم الأفلاك، والكائنات النورانية قد يعذر الزمخشري (ت 538ه) على الشطر الأخير من عبارته التالية: “قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة”. (المصدر السابق نفسه). إن التفسيرات الخاطئة وبعيداً عن معرفة الدين وأصوله وطقوسه كان سبباً في الكثير من الاجتهادات الخطيرة التي عرضت أتباع الديانة المندائية إلى الكثير من الكوارث والمحن. فعلى سبيل المثال لا الحصر صدرت فتاوى تعتبرهم مشركين، وبالتالي يحل على المسلمين قتلهم، منها مثلاً ما أفتى به محتسب بغداد والقاضي والفقيه الشافعي ابي سعيد الحسن بن يزيد الإصطخري (ت328هـ) أيام القاهر العباسي، روى الخطيب البغدادي (ت 463ه) في سياق ترجمة الإصطخري: أفتاه بقتلهم، لأنه تبين له أنهم يخالفون اليهود والنصارى، وأنهم يعبدون الكواكب، فعزم الخليفة على ذلك، حتى جمع بينهم مالاً كثيراً له قدر فكف عنهم.” (المصدر السابق نفسه ص 116/117).
تؤكد جميع المصادر التي تحت تصرفي إلى العراق وإيران هما موطنا المندائيين. كتب الباحثان نعيم بدوي وغضبان الرومي في مقدمة كتاب الليدي دراوور الموسوم “الصابئة المندائيون” الذي قاما بترجمته ما يلي: ” حول ضفتي الرافدين وبخاصة في المناطق السفلى من النهرين فيما يسمونه البطائح منهما حيث يصب النهران العظيمان مياههما في الأهوار وحيث يلتقيان في مدينة القورنة قبل أن يفرغا مياههما في الخليج العربي، وفي بطائح عربستان من بلاد إيران حول نهر كارون الذي يصب هو أيضاً مياهه في الخليج ذاته، في تلك الأصقاع عاش ولا يزال يعيش بقايا طائفة يطلق عليها الصابئين أو الصابئة أو الصبة وتطلق هي على نفسها اسم (المندائي). وكان الصابئيون المندائي هؤلاء يقطنون تلك الأصقاع حين فتحت الجيوش الإسلامية بلاد الساسانيين وكانوا بأعداد كبيرة تكفي لأن يذكرهم القرآن الكريم باعتبارهم ديناً كتابياً ويمنحهم الحماية ويسميهم (الصابئين) هذه التسمية التي لا يزالون يعرفون بها اليوم والتي تضمن لهم وجودهم وعيشهم بين المسلمين كدين كتابي متسامح معه.” (الليدي دراوور، الصابئة المندائيون، ترجمة نعيم بدوي وغضبان الرومي، دار المدى للثقافة والنشر، بغداد، 2006، ص 7). لغة المندائيين هي الآرامية- المندائية، وهم آراميون.
سنحاول فيما يلي أن نتطرق إلى واقع المندائيين بالعراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة حتى الآن.
أشرنا سابقاً إلى أن المندائيين يتسمون بخصائص إنسانية كالرغبة الجامحة في السلام والمحبة والتعاون والتضامن والابتعاد عن الصراعات وحب العراق، باعتباره وطن الآباء ولأجداد الذي شاركوا في بناء حضارته على امتداد تاريخ العراق بكل صمت وتواضع، وهم من محبي العلم والمعرفة. ومن هنا انطلقت تلك الحكمة المندائية التي تقول “ويل لعالم غير منفتح على غيره، وجاهل منغلق على نفسه”. جنبهم هذه المواقف الكثير من المصاعب والآلام، رغم بروز مواقف غير ودية من جانب الحكام في فترات مختلفة من تاريخ العراق. وفي العراق الحديث، حيث وضع الدستور والقوانين ونظم العمل الحديثة، ابتعد المشرع العراقي عن ذكر أتباع الديانة المندائية في الدستور أو في القوانين والأنظمة، كما حصل بالنسبة لليهود والمسيحيين، وأهمل الجانب الشرعي في ديانات الآخرين في أحين أهمل ذلك في ديانة المندائيين، وبشكل خاص موضوع الزواج والطلاق والوراثة والزواج بغير المندائي …الخ.
كما تجلى أيضاً في اعتبارهم يعبدون النجوم والكواكب في بعض كتب التعليم المدرسة والتي تتنافى مع موقفهم التوحيدي والذي لا يختلفون به عن المسلمين في موقفهم من الله الخالق. كتب الكاتب العراقي المندائي يقول: “فقد جاء بإحدى الكتب التدريسية لمادة ( الدين ) لجميع مدارس العراق للصف الثاني متوسط ، والذي عرف بموجبه الصابئة بانهم قوم يعبدون الكواكب والنجوم ، وبهذا تكون الدولة طرفا بالموضوع ، و قد ساهمت بتثقيف الشباب وتحريضهم على ممارسة العنف والقتل اتجاه أفراد هذه الطائفة ، بشكل غير مباشر باعتبارهم ملحدين كفرة ، رغم أن وزارة الاوقاف والشؤون الدينية على إطلاع تام بمحتوى كتب الصابئة الدينية ، التي قام بترجمتها الى اللغة العربية أساتذة وعلماء من الجامعات العراقية ، وبإشراف الوزارة نفسها وباقي دوائر الدولة المعنية بما فيهم صدام حسين نفسه . وبمعنى آخر أن الدولة أباحت جريمة قتل أبناء هذه الطائفة عمدا مع سبق الاصرار مع الاسف الشديد. وهناك وقائع مادية وأمور سلبية أخرى عديدة مدونة بشكل رسمي أمام القضاء لا يسمح المجال لطرحها جميعها الان.” (عربي فرحان الخميسي، المركز القانوني للصابئة المندائيين في العراق، الجمعية المندائية في المهجر، بتاريخ 22 نيسان/أبريل 2013).
وإذا كان هذا الأمر قد أساء لهم كثيراً خلال الفترات المنصرمة وقبل إسقاط دكتاتورية البعث وإقامة النظام السياسي الطائفي على أنقاضه من جانب الحكومات العراقية المتعاقبة، فأن الدستور العراقي الجديد قد جاء على ذكر المندائيين مرة واحدة في الفقرة ثانياً من المادة الثانية، إذ نصت:
“ثانياً: يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين، والإيزيديين، والصابئة المندائيين. ”
كما إن البطاقة التموينية الجديدة قد تضمنت ما يسيء إلى المندائيين على وفق ما جاء في بيان لرئاسة الطائفة، نرفق هنا نصه:
راجع: مجلس شؤون الصابئة المندائيين العام في العراق، 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2015
وفي الواقع العملي لا يتمتع الصابئة المندائيون بأي حرية فعلية، لأنهم يعيشون في تهديد دائم من قبل قوى الإسلام السياسي المتطرفة، كم إن الحكومة لا توفر لهم أي وضع أمن، بل ربما بعض القوى الحاكم ترتاح لهجرة بقية المندائيين من العراق، تماماً كما هو الموقف من بقية أتباع الأديان والمذاهب الأخرى ومنهم المسيحيون. فقد تعرض المندائيون بالعراق، سواء أكان في موطنهم الأصلي جنوب العراق، أم ببغداد، إلى شتى صنوف الاضطهاد والمطاردة والتشريد والقتل والتهجير، إضافة إلى سلب دورهم ومحلات عملهم وما فيها من جانب المليشيات الطائفية المسلحة التابعة للأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية بشكل خاص في مناطق الجنوب وبغداد، إضافة إلى التنظيمات الإرهابية السنية، كالقاعدة وداعش أو غيرها.
ليست لدينا معلومات تفصيلية عن عدد السكان المندائيين في العشرينيات والثلاثينيات. وأول المعلومات المتوفرة تعود إلى الإحصاء الرسمي لعام 1957، وعام 1965، إذ لم يذكروا أتباع الديانة المندائية قبل ذاك بشكل مستقل عن بعض الأديان الأخرى، بل كانت تدمج مع الإيزيديين وأتباع ديانات أخرى، وتذكر تحت باب “آخرون”.
والجدول التالي يشير إلى عدد نفوس المندائيين في هاتين السنتين 12957 و1965:
المنطقة | السنة | عدد سكان الصابئة المندائيين بالعراق في عامي 1957 و1965 | نسبة المندائيين إلى نسبة السكان العراق والمناطق% |
العراق العراق | 1957 1965 | 11.825 14.262 | 0,03% 0,18% |
المحافظات الشمالية المحافظات الشمالية | 1957 1965 | 359 305 | 3,0 2,1 |
المحافظات الوسطى المحافظات الوسطى | 1957 1965 | 5.421 7.492 | 45,1 52,5 |
ومنها بغداد ومنها بغداد | 1957 1965 | 3.768 6.271 | 31,9 43,9 |
المحافظات الجنوبية المحافظات الجنوبية | 1957 965 | 6.305 6.465 | 52,2 45,3 |
المصدر: د. فاضل الأنصاري، مشكلة السكان، مصدر سابق، ص 31 و32.
ورغم هجرة جمهرة غير قليلة من المندائيين إلى خارج العراق في فترة حكم البعث، بسبب مواقف المعارضة من استبداد النظام وبطشه ومن ملاحقة أجهزة الأمن لهم وابتزازهم، فأن عدد السكان الصابئة قد قدر بـ 70000 نسمة في نهاية عام 2002 وبداية 2003. وتشير آخر المعطيات المتوفرة إلى إن عدد المندائيين بالعراق لا يزيد عن عدد يتراوح بين 7000 – 10000 نسمة، ونسبة مهمة من هذا العدد تعيش بإقليم كردستان، ولاسيما أربيل حيث بنوا معبدهم المسمى “المندي”. وبهذا يكون عدد المهجرين قسراً يصل إلى رقم خيالي بالنسبة للأقلية الدينية السكانية المندائية، إذ بلغ بحدود 60000 نسمة أو ما يعادل 85% من المندائيين. وهم يعيشون اليوم بأوروبا، ولاسيما بالسويد، وبالولايات المتحدة وكندا وأستراليا والأردن، حيث تعتبر الدولة الأردنية موقع العبور لهم على دول العالم الأخرى. إنها جرائم بشعة تلك التي ارتكبت بحق الأفراد والعائلات المندائية خلال الفترة الواقعة بين 2003-2016، إذ بلغ عدد القتلى على أيدي المليشيات الطائفية المسلحة والإرهابية بـ 193 شهيداً. (التقرير السنوي عن حالة حقوق الإنسان في العراق لعام 2016 الصادر عن الجمعية العراقية لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية).