هل التجربة السودانية التحررية ممكنة في العراق…؟
د. غالب العاني..
بدأت الاحتجاجات في السودان متأثرة بموجة الاحتجاجات العربية فيما يسمى بالربيع العربي التي اندلعت مطلع عام 2011 وخاصة الثورة التونسية وثورة 25 كانون الثاني المصرية اللتين أطاحتا بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس المصري حسني مبارك. وكانت هذه الاحتجاجات تطالب بالقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية كما نادى بعضها بتغيير النظام. وبعض هذه الاحتجاجات دعا إليها بداية طلبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وكامتداد لها – وفي 19 كانون الاول عام 2018 حتى – 11 /نيسان 2019- وقعت سلسلة مستمرة من الاحتجاجات الجماهيرية في السودان التي تحولت الى ثورة شعبية عارمة ، ساهمت بها الجموع السودانية الغفيرة من احزاب وطنية معارضة ونقابات واتحادات للشغيلة والطلبة والمهندسين والمحامين والاطباء والخريجين من جميع الاختصاصات تحت اسم ( تجمع المهنيين) ضد الدكتاتورية والحكم الرجعي المعادي للشعب ومصالحه الحيوية.. لقد كانت معظم الظروف الموضوعية والذاتية مهيئة لها.
. فمقارنة بين الاوضاع المتردية في السودان قبل الثورة وبين الاوضاع السيئة في العراق في ظل حكم الطائفية السياسية والمحاصصات الاثنية / الطائفية للطبقة السياسية الفاسدة والمفسدة الحاكمة منذ الغزو الإنگلو- امريكي واحتلاله للعراق في عام ٢٠٠٣ ، نرى أن هناك تشابهاً كبيراً في نواحي عديدة اخص منها؛
** الفقر وتفشي البطالة، وغلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار، وسوء الخدمات في المجالات الحياتية كافة؛
••الفساد المالي والاداري المستشري في جسد الدولتين…
** انعدام الحريات الخاصة والعامة وتضييق الخناق على المُعارضين لنظام الحُكم، ..
••ومحاربة التظاهرات والاحتجاجات بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع المحرمة دوليا، والملاحقة والاعتقالات والاغتيالات والتغييب، ••إضافة إلى الانتهاكات الصارخة لمجمل حقوق الانسان الاساسية.
** لقد كانت المطالب المطروحة في البداية تنحصر في اتجاه تحقيق الاصلاحات الاقتصادية وتحسين الخدمات الضرورية، ( كهرباء، صحة، تعليم، مكافحة البطالة.. الخ)، ثم تطورت هذه الاهداف بعد ان سالت دماء الابرياء السلميين الغزيرة في الساحات والشوارع ، مما ادى الى تصاعد وتيرة تطور الشعارات التي أخذت تنادي بـ:
** إسقاط النظام الدكتاتوري عن طريق تصعيد الاحتجاجات والتظاهرات في الساحات، وكذلك الاعتصامات المختلفةوالدعوة للاعتصام والعصيان المدني العام تحت الشعار الرئيسي للتظاهرات(سلمية الحراك وكافة أشكال الفعاليات الأخرى.)..
لقد شارك الآلاف من المتظاهرين، نساءً ورحالاً، شباباً وشيوخاً. وبعد ارتكاب عدة مجازر راح ضحيتها العشرات من المتظاهرين في السودان والمئات في العراق والالاف من الجرحى والمعتقلين والمغيبين من الطرفين. وكانت النتائج متغايرة. فأين يكمن الفرق بين الحالتين في السودان والعراق ؟.
: -في رأيي – إن الفرق الجوهري بين السودان والعراق، رغم التطابق في الأوضاع الحياتية المأسوية، هو انحياز قطعات من الجيش السوداني وقادتها إلى الثورة والثوار واستطاعوا متحدين ان يسقطوا النظام الدكتاتوري الاستبدادي البغيظ ويعتقلوا رئيسه( عمر البشير ) ومساعديه بعد حكم دموي يقارب الثلاث عقود لهم.
( لأن الجيش السوداني جيش مهني له حس وطني بعكس حكم المليشيات الولائية التي لها القرار مع ضباط الدمج اللاوطنيين ايضا)، .
الان ، وكما يبدو أن وضع الجيش العراقي قد تحسن بعد اجراء بعض التغييرات في داخله ).
وبعد التحرر في السودان ، شرعوا ببناء السودان الوطني الديمقراطي على قاعدة دولة المواطنة الديمقراطية المستقلة ..
ان العراق اليوم ، وبعد انتفاضته ( ثورته) التشرينية الباسلة لم يعد العراق ما قبلها من جوانب عديدة ، اهمها ؛
••زيادة الوعي الوطني، وخاصة في اوساط الشبيبة .
••وتمسكها واعتزازها بالهوية العراقية الوطنية ..
••ونضالها المستمر من اجل الحرية و الاستقلال والكرامة الانسانية والعراقية..
واعتقد بان الحراك التشريني والجماهير الكثيرة الملتفة حوله ( وانا ادعو هنا الى الاسراع بتكوين( الجبهة الشعبية العريضة ) التي سوف تساهم بتفجر الانتفاضة الجديدة بعد ما يسمى بالانتخابات المبكرة المتوقع ان تكون فاشلة ، ( بسبب وجود السلاح المنفلت والمال السياسي المسروق)، وهيمنتهم الكاملة على مفاصل الدولة العراقية .
واملنا كبير بانحياز الجيش العراقي الى الثورة والثوار وإعادة التجربة السودانية الرائدة ، بما ينهي وجود وتدخل اطراف اقليمية ودولية في الهيمنة والسيطرة من خلال المليشيات الولائية والعملاء الذين ليس لهم ذرة شعور وارتباط بهذا الوطن (العراق )المستباح…
وكلنا أمل وعمل من أجل تحقيق هذا الهدف النبيل
في القريب العاجل….