إننا كقراء محايدين لا بد لنا من رفع دعوى قضائية حقيقية يقضي فيها الجاحظ ويكتب مرافعتها المبرد ويضع قوانينها ابن قتيبة ويراجع أحكامها القالي، فما من شك في أن الأدب والنقد والبلاغة ولدوا مع هؤلاء وشبوا ونضجوا مع هؤلاء وسيشيخون حتمآ مع هؤلاء وأننا وغيرنا سنظل دون شك عيالآ عليهم ما بقيت المروءة فيهم وفينا،هذه المرافعة ستكون ضد أولئك اللصوص المعاصرين المتشحين زورآ بجلباب الأدب ولا سيما أصحاب ثنائية السرد/ النثر المعاصرين من الذين لو سألت أحدهم عن واحد من أولئك الأربعة الآنفي الذكر فلن يتمكن من التعرف اليه فضلآ عن معرفة مؤلفاته وتاريخه.
لقد كان دأب الأولين من علماء الأدب ان من رام أن يصبح أديبآ حقيقيآ ذا قيمة في المجتمع فلا بد له من الركون الى مؤلفات أولئك العلماء الأربعة حيث : البيان والتبيين والكامل وأدب الكاتب والأمالي وأن المتجاوز لها سيخرج نتاجآ مشوهآ من رحم عقيم وذلك ما يفعله الآن من يسمون أنفسهم أدباء المعاصرة من الروائيين الجدد ومدعي قصيدة النثر وأشباهها من النص المفتوح وغيره أولئك السارقين أعمارنا ذلك أن أحدنا اليوم ينخدع بذاك الغلاف المزركش وذاك العنوان الصارخ المزيف وحين يقضي أحدنا الساعات وربما الأيام بل الأسابيع والشهور في قراءة ذلك النتاج الهابط عديم القيمة لا شك في أنه يسرق عمري وعمرك أيها المخدوع مثلي بتلك الروايات ذات السردية العقيمة والدواوين الشعرية المزيفة.
إن هؤلاء اللصوص المعاصرين المدعين لصناعة الشعرية والسردية الجديدة ما كانوا ليتجرؤوا على انتحال هوية الأديب والروائي الذين كانوا مستمسكين بتلابيب ذلك الموروث الأصيل المتبع تلك النتاجات الأربعة الآنفة الذكر لولا أنهم وجدوا ذلك الانسحاب الهائل من ميدان الأدب من قبل أصحابه الحقيقيين الأمر الذي أفضى الى تلك الفوضى العارمة من النتاجات الهابطة التي سرقوا بوساطتها أعمار القراء فضلآ عن أعمار النقاد الذين تورطوا في عملية قراءة تلك التجارب وتحليلها ومن ثم تقييمها.
إن مشكلة هؤلاء الأدباء الجدد لا تكمن فقط في عدم معرفتهم الجادة بالموروث العربي القديم ومنه هؤلاء العلماء الأربعة الذين أوصى بهم أشياخ النقد بالاتباع بغية صناعة أديب متكامل ونتاج أدبي مكتمل،بل إن المشكلة تكمن كذلك في عدم معرفتهم الدقيقة بعناصر وأركان ما يقومون بتأليفه وكتابته سواء أكان سردآ أم كان شعرآ ، فتخرج تبعآ لذلك تلك النتاجات تافهة المضمون ، أما إن كان ثمة شيء صالح للقراءة وهو نزر يسير دونما شك فإنه سيكون آتيآ من طريق الإغارة والسطو على نتاجات الغير أو عملية إعادة قولبة لمضمون قديم تحسب من قبيل السرقة لا من قبيل التناص أو التضمين فهؤلاء لصوص بثياب جديدة تبدو جاذبة المظهر لكنها رثة المضمون تعاني العفن.
إن جانبآ مهمآ من جوانب تلصص أولئك الجدد وخداعهم غالبية فئات المجتمع حتى المثقفة منها قيامهم بالاحتيال على دور النشر الثقافية وحتى المشهورة منها على المستوى العالمي لا المحلي من جهة تسويق تلك النتاجات الهابطة الرخيصة ومن ثم استدراج القراء نحوها وفي نهاية المطاف جلب الخسارة والسمعة السيئة لتلك المؤسسات الثقافية الاجتماعية مع سرقة وتضييع أوقات أولئك القراء المساكين.
إن المنجز الروائي العربي كان قد وصل الى مرحلة من النضج الفني الحقيقي على مستوى المحتوى الهادف ودقة توظيف الآليات والتقانات الفنية الأمر الذي أفضى بهذا المنجز الى استخدامه في علاج الكثير من الظواهر الاجتماعية و لا سيما السلبية منها،هذا على مستوى الرواية العراقية والعربية على السواء،لكن المتاخرين الجدد من هؤلاء كانوا على مستوى ركيك جدآ من كل ما سبق ذكره ما أدى الى إضرارهم بسمعة ذلك المنجز وتشويه وجهه الناصع ودفعه نحو هاوية الرداءة الفنية فضلآ عن ذلك العزوف المحتمل جدآ من قبل القراء عن تداوله في الزمن القريب ،والأمر ذاته ينسحب على المنجز الشعري المعاصر المسمى بقصيدة النثر ذلك المنجز الوهمي الذي روجت له المهرجانات غير الخاضعة للجهات الرسمية فضلآ عن دور النشر السابقة الذكر.
إن غالبية هؤلاء الجدد يفتقرون كما تفتقر نتاجاتهم السقيمة الى بواعث الإبداع والألق والتوهج تلك التقانات التي تمنح النتاج هويته الأدبية الحقيقية فضلآ عن منحه سمة التأثير الحقيقي في المتلقي،وكذلك مد جسر من العلائق الإيجابية بين المبدع وذلك المتلقي،لذا فالمطلع على مثل تلك النتاجات ليس له أن يعثر إلا على الحشو الكلامي العائم في فضاء واسع من الصفحات الخالية من كل روح إبداعية حقيقية فضلآ عن خلوها من عنصر الخيال الخلاق ،فإذا ما اجتمعت مثل تلك الأمور في نتاجات هؤلاء الجدد فإنها دونما أدنى شك ستترك انطباعآ سلبيآ في نفس المتلقي يؤثر لاحقآ في نفسيته التي ستؤول في النهاية الى ان تكون نفسية سيئة ونظرة سوداوية ستطال حتمآ حتى الأعمال الإبداعية الحقيقية بسبب عمومية الأحكام التي سيطلقها المتلقي بسبب تلك النتاجات السيئة.
إن الغياب الحقيقي للحس الروائي وكذا الشعري في أعمال هؤلاء اللصوص فرض على مخيلتنا كقراء أن تنتهج منهج القراءة السطحية والحكم القاسي،لذا كان لا بد من حصول هذه القطيعة بين القارئ وبين هؤلاء المعاصرين الجدد.
إن ختام هذه القراءة يحتم على ذوي الشأن من الأدباء والنقاد الحقيقيين الذين يشهد لهم المجتمع عمومآ وميدان الأدب خصوصآ بالخيرية أن يحاولوا إيجاد الحلول الناجعة لعلاج مثل هذه الظواهر السيئة التي ستودي حتمآ بالحياة الأدبية المعاصرة على الصعيدين العربي والعراقي على السواء.