أمضيتُ شهر شباط من هذا العام بأكمله ما بين بغداد ومدينة الحلة في محاولات شاقّة لمتابعة معاملات حقوقي التقاعدية وغيرها من الحقوق الواردة في نص القانون 24 لسنة 2005 الخاص بالمهاجرين قسراً والمفصولين السياسيين من أمثالي . كنتُ في أواخر عام 2011 قد بدأت هذه المتابعات المعقّدة والمُضنية فلم تتحرك أماماً إلاّ ببطء شديد قتّال نضج جزء يسير منها وتعطّلت باقي الأجزاء . قابلنا ـ بفضل وساطة نُخبة من الرجال الأخيار ـ بعض كبار المسؤولين في الحكومة العراقية تعاون معنا بعضهم ولم يتعاون البعض الآخر . مرّ عام وثلاثة أشهر ومعاملة التقاعد الخاصة بي ما زالت في وزارة الصناعة والمعادن تنتظر ترويجها لإرسالها إلى لجنة التحقق التابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء. ساعدني أحد المسؤولين في الوصول إلى أحد موظفي مكتب السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي [ لعله مدير المكتب ]… وصلتُ إليه فاستقبلني بود وبشاشة ثم قادني إلى الشعبة القانونية وتركني فيها مع مسؤولين إثنين جلس أحدهما خلف مكتب مَهيب بينما جلس الثاني على إحدى الأرائك كأنه ضيف أو موظفٌ زائد أو جديد لا مكانَ خاصاً له . شرحت لهما مطلبي باختصار من أني أُبعِدتُ في نيسان عام 1978 ( مع كثيرين غيري ) من جامعة بغداد لأسباب معروفة وبقرار من مجلس قيادة الثورة / مكتب أمانة السر . تمَّ نقلي إلى وزارة الصناعة والمعادن . سجّلتُ مباشرتي في هذه الوزارة وبعد شهرين فقط غادرتُ العراق بلا رجعة ولفترة جاوزت الثلاثة والثلاثين عاماً . كان طلبي واضحاً وكما يلي : إلغاء قرار مجلس قيادة الثورة ومكتب أمانة السر بقرار يصدر من وزير التعليم العالي والبحث العلمي أو من جهات أخرى وصدور قرار يتضمن رجوعي إلى جامعة بغداد / كلية العلوم . ” تناوشني ” الرجل الجالس على أريكة بدون طاولة أو مكتب وألقى عليَّ محاضرة تفتقر إلى أبسط قواعد وأصول المنطق والنقاش واستكثر عليَّ حتى 400 دولاراً كتقاعد شهري . سألته أما زالت قوانين صدام حسين نافذة المفعول تركب رؤوسنا ؟ أجاب الرجل الثاني الجالس خلف مكتبه نعم ، ما زالت . كان هذا موقف الدائرة القانونية التابعة لمكتب وزير التعليم العالي والبحث العلمي ! قلتُ له إنَّ قرارَ إبعادي عن جامعة بغداد قرارٌ سياسيٌّ إبطاله يتطلب قراراً سياسياً لا قانونياً . قبل أنْ أغادر سألت مَن أمطرني بمحاضرته التثقيفية القانونية عمّن يكون أجاب : أبو داريّا . ما موقعه في الدائرة القانونية ؟ لا أدري وما قيمة أنْ أدري . ما زال صدام حسين يحكم العراق بقوانينه وقرارات مجلس قيادة الثورة ولا مَنْ يفكّر بإزالة هذه الأوساخ ولطخات الدم عن وجه عراق اليوم .
1 ـ زيارة كربلاء
تنفيذاً لوعد سابق قطعته للأستاذ حمّودي الكِناني .. أخذني بسيارته الصديق العزيز الأستاذ موسى فَرَج إلى كربلاء . توققّنا في قضاء المحاويل قليلاً للسلام على بعض أهلنا هناك ثم واصلنا السفر حتى توقفنا في مدينة المسيب للتعرّف والسلام على الأستاذ سلام كاظم فَرَج وعائلته الكريمة . فوجئتُ بأمرين أولهما أنَّ القاصّة السيدة ” سنيّة عبد عون رشّو ” هي قرينة سلام .. وثانيهما أنَّ السيّدة سنيّة تعرف عدنان الظاهر وتقرأ له وفاجأتني بقولها عنّي إني أبدو أصغر سنّاً مما في الصور ! أهدتني أم هشام مشكورةً مجموعتها القصصية ( غرّيد القصب ) . لسبب قاهر إعتذر سلام عن مرافقتنا لزيارة الأستاذ الكناني في كربلاء . واصل ركبنا السفر صوب كربلاء ومن خلال المكالمات عَبْرَ الموبايل عرفنا الطريق الذي يوصلنا إلى هدفنا المقصود حيث حي المعلمين / شارع المركز . وجدنا الكناني قريباً من مدخل داره وكانت فرحتنا به جميعاً فرحة كبيرة خاصةً وأنه اللقاء الأول بيننا . وجدنا لديه ضيوفاً من أدباء ومثقفي النجف فتمت بل وتضاعفت الفرحة بالتقاء كربلاء والنجف في بيتٍ كنانيٍّ كريم مضياف . كنتُ أود أنْ أتعرّفَ على السيدة أم علاء لأشاغب على زوجها وأفتعل الأقاصيص رداً على مشاغباته وما لفّقَ ضدي من عجيب قصص الخيال السندبادي والبوليسي ولكنْ لم أفلح إذْ لم أرَها ولم يرها أحدٌ غيري من باقي ضيوف الكناني ! بقيت حسرةً في نفسي أنْ لا أستطيع الثأر لنفسي وأعدّلَ ميزان الحق قسطاساً وصراطاً مستقيماً . حجب الكنانيُّ زوجه عن ضيوفه لكنَّ ابنتي جلست معهم وتناولت طعام الغداء سويّةً معهم مقرفصةً على الأرض بل وطلبت أنْ يُريها الكناني بندقية الصيد التي قال عنها ذات يوم جميل صاحٍ إنه يصيد بها الطير وظباء البريّة فإذا لم يجدْ شيئاً منها اصطاد النوق والجِمال أو الآراول وسحليات وجرابيع بادية كربلاء ! إلتقط صوراً لها وهي تحمل بندقيته ليُثبتَ لي ولباقي الضيوف أنه صيّاد ماهر وإنه يفعل ما يقول : رجلُ قولٍ وفعلٍ . لشديد الأسف لم نبقَ في ضيافة الأستاذ الكناني إلاّ وقتاً قصيراً فالسفر قبل غياب الشمس أمرٌ مرغوب فيه بل وإنه ضروري والوضع الأمني في العراق يتطلبُ ذلك .
نفّذتُ ما وعدتُ والفضل كل الفضل للصديق العزيز الأستاذ موسى فَرَج. وقد أزور هذا الكناني والدر المكين المكنون مرة أخرى شرطَ أنْ يتوقف وأنْ يتعففَ عن مشاكستي وعن الدس بالباطل لي فهل تقبل يا حمّودي هذا الشرط ؟ إشهدْ إذاً أبا ياسر يا موسى يا قريب الفَرَج !
2 ـ في الحلة
كمهاجرٍ قسراً ومفصولٍ سياسي خصصت لي وزارة الهجرة والمهجرين قطعة أرض ( 200 متراً مربّعاً ) في مدينة الحلة . لذا توجّهتُ إليها صباح يوم مشمس دافئ مثل باقي أيام شهر شباط من هذا العام . تعرّفت في السيارة الصغيرة التي كانت تُقلّني إلى الحلة على رجل كريم الطبع والنفس . وبعد السؤال والجواب ظهر أنه يمتُّ لي بصلة قرابة . حين عرف اسمي تناول تلفونه المحمول وتكلم مع شخص آخر في الحلة ثم سأله ألديكم ضيف هذا اليوم ؟ أجابه الطرف الآخر أجلْ ، إنه خالي عدنان ! قال له إن ضيفكم يشاركني نفس السيارة . تطوع الشاب الحلاّوي أنْ يستقبلنا بسيارته في مكان إتفقا عليه في مُدخل مدينة الحلة . كانت تلك مفاجآت سارّة غير متوقعة كما يحصل أحياناً في الحياة .
ما كان ينتظرني في الحلة الفيحاء ؟ زيارات كثيرة منوّعة بدايتها كانت زيارة مقر راديو صوت الشعب حيث اللقاء الذي طال انتظاره مع الأديب والإعلامي الأستاذ محمد علي محيي الدين . طلبتُ منه أنْ يأخذنا إلى بيت صديقي ورفيق العمر أخي الأستاذ فلاح أمين الرهيمي فاتصل به فوراً وأخبره أننا قادمون لزيارته . وكان لقاءً يصعب وصفه حيث الدموع والشم والقُبل . ثم تمّت الفرحة القصوى بمجئ الصديقين العزيزين الضابط الكبير المتقاعد السيد خزعل عبد جابك والرياضي السابق والمربي إبن الحلة الأبر الأخ عبد الأئمة هادي . دارت الأحاديث حول موضوعات شتّى قديمها وجديدها المٌشجي منها والسار . أصرّ الأستاذ فلاح أنْ نتناول طعام العشاء معه في بيته وكان كما يعرفه الجميع الكريم الرفيع النفس . تأهبنا للمغادرة فقدم لي كتاباً جديداً له مع مسبحة ثمينة قال عنها إنها من نوع النارجين . بالنسبة لي كان أمامي مشروعٌ آخر إذْ كان جمعٌ غفير من أقاربي الأقربين في إنتظار زيارتي لهم في دار الدكتور كريم الحاج فخري هلال حُمّادي السريراتي . إلتحقتُ بهذه النُخبة المباركة التي كانت زمنَ مغادرتي الحلة في آب 1962 ما زالت في عهد الطفولة أو أوائل الشباب المُبكّر . إتفقتُ والدكتور كريم أنْ أزوره في اليوم التالي في جامعة بابل وقد نفّذتُ الزيارة حيث كان هناك معرض للأجهزة الألكترونية نظّمه وأشرف عليه نجله السيد علي . إستضافني الدكتور كريم ( وكان برفقتي دوماً السيد رائد نوري محمود القيّم ) في مكتبه في مديرية مكتبات جامعة بابل حيث أنه يشغل منصب المدير العام . عرّفني على سكرتيرة مكتبه الشابّة فإذا بها سيّدة من آل وتوت المعروفين في الحلة .
ثم ما كان في إنتظاري ؟ زيارة مقهى الجندول على ضفة نهر الفرات حيث تجمّعِ النُخبة من شعراء ومثقفي الحلة ومربيها الأفاضل ورمزهم المعروف الشاعر السيد موفّق محمد أبو خمرة . أتحفني الشاعر موفق بكتاب جديد عنه من تأليف صديقه الكاتب الأديب الأستاذ ناجح المعموري بعنوان ” قبعة موفق مُحمّد ” .
وكان في خاطري مشروع قديم كالحلم أنْ أزورَ الأخ السيد صلاح السيّد حميد آل مجدّي ( البرّاك ) شقيق صديق طفولتي وشبابي الضابط المتقاعد السيد صباح . حدد لي الأستاذ صلاح الساعة الرابعة موعداً لزيارتهم في بيتهم في منطقة البكرلي فزرتهم مع قريبي السيد رائد وكان لقاءً ليس له مثيل . كان السيد أبو سعد في إستقبالنا مع كريمتيه السيدتين فائدة وليلى أم ليث وزوجها النجفي النبيل الرائع الدكتور جابر . لم أصدّق عيني إذْ ما سبق وأنْ إلتقيت السيد صلاح في الحلة خلال مراحل حياتي الأولى في هذه المدينة علماً أني رأيت أشقاءه الأربعة جميعاً سليم وعبد الكريم والمهندس علاء ثم صديقي صباح . لفت نظري أنَّ هذه العائلة الكريمة نَسَباً وخُلقاً لم توجّه لي طوال فترة مكوثي بينهم أي سؤال وأنا بدوري لم أوجّه . أخذت أحاديثنا مآخذَ شتّى حول مواضيع عامة . تناولتُ الكثير من الشاي الجيد الإعداد من تجهيز السيدة فائدة فما كان يفرغ كأسٌ منه حتى تملأه بالمزيد حاراً حيناً ودافئاً أحيانا وبقيتُ أطلب المزيد . لمجالسة نبلاء الناس نكهة خاصة وجو خاص متميّز فتنفتح النفس على أفضل ما فيها وتسمو . دنت الساعة من السادسة فنهضتُ لتوديع هذه العائلة النجيبة في الأصل والفصل وفي النفس حاجة قوية للبقاء معهم لفترة أطول . قدّم لي أخي أبو سعد كيساً كبيراً من تمر نخيل حديقتهم مكبوساً فحملته معي إلى ألمانيا . لم أمسسه لأنه يحمل لي ذكرى ما أعزّها على نفسي . تمَّ الإتفاق فيما بعدُ على أنْ أزور معهد بابل التكنيكي الواقع على الطريق بين الحلة وقضاء الهندية ( طويريج ) للتعرف عليه والإلتقاء هناك مع الدكتور جابر الأستاذ في هذا المعهد وبالسيدتين ليلى وفائدة الأستاذتين في بعض أقسامه . تمَّ اللقاء وكانت السيدة الوفيّة المخلصة فائدة في إستقبالي وقريبي السيد رائد نوري في مُدخل بنايات المعهد المخصص للموظفين . سرّتني رؤية أقسام هذا المعهد ودقّة تنظيم حدائقه والشوارع والممرات التي تخترق هذه الحدائق العامرة بنوافير الماء الدافق . أخبرتني السيدتان أنَّ هذه المياه مياه جوفية تُسحب من باطن الأرض بمضخات خاصة . تمشينا وسط حشود الطلبة والطالبات فعادت بي الذكرى إلى عهود الدراسة الجامعية والعلاقات الحميمة بين بعض الطلبة وبعض الطالبات فتمنيتُ لو أعود لتلكم الأيام والعهود ولكنْ هيهاتَ هيهات فالزمن ليس مركبة تسير للأمام حيناً وتستطيع السير إلى الخلف حيناً آخر حسب الحاجة والمزاج ! للزمان إتجاه واحد لا يتغير ولا محيصَ عنه فارضخْ له ولمشيئته يا إنسان . شربنا الشاي في مُدرّج حسن التأثيث والتنظيم مخصص للندوات والمحاضرات ثم حان أوان الوداع وكان وداعاً مؤثّراً خالطه شعورٌ لديَّ أنْ لا من لقاء آخر مع هذه الوجوه الكريمة ولا من فُرص أخرى تتيحُ لي رؤيتها . إبتعدتُ عن المعهد وأنا أردد بيت الرصافي الشعري الذي قال فيه :
وإني جبانٌ في فراقِ أحبّتي
وإنْ كنتُ في غيرِ الفراقِ شجاعا
لقاء آخر مع الصديق الإعلامي الأستاذ محمد علي محيي الدين /
فارقتُ أعزّةً لكنَّ العزيز محمد علي يأبى أنْ يفارقني ! نظّمَ لي برنامجاً خاصاً لإذاعته في راديو صوت الشعب وكلّف الشاب الشاعر السيد كاظم خنجر بإدارة هذا اللقاء . أعدَّ قائمة بحلقات ثلاث فيها أسئلة يود توجيهها لي على أنْ تستغرق كل حلقة ساعةً كاملة ! إستكثرتُ الأمر واقترحت إختزال الزمن وجعله يتراوح بين 15 ـ 20 دقيقة لكل حلقة فوافق السيد خنجر كاظماً غيظه . تم تسجيل البرنامج على أنْ يُذاع لاحقاً كما قام بتصويري بأجهزته الخاصة السيد رائد .
سفرة قصيرة لقضاء الكفل
إغتنمتُ فُرصة زيارتي للحلة ففكّرتُ في مسألة إضافة سنوات خدمتي الثلاث مُدرّساً في التعليم الثانوي . قصدتُ بديل المدرسة التي مارستُ فيها التعليم زمانَ عبد الكريم قاسم في الحلة . قابلت السيد المدير وطلبت منه البحث في سجلاّت مدرسته عن جدول خدماتي للعامين الدراسيين أيلول 1960 ـ أيلول 1962 . كلّف معاونه وتطوع للبحث معه أحد المدرسين وعاونتهم مجموعة من طلبة المدرسة . بعد بحث طويل مُتعب لم يعثروا على السجل الخاص بتلك الفترة . طلبت من السيد رائد أنْ يتجه بسيارته صوب مدينة الكفل للبحث في مدرستها الثانوية عن سجل خدمتي فيها حيث كنت أول مدير لهذه المدرسة . بعد ترحيب السيد المدير وباقي أعضاء الهيئة التدريسية كلّفَ رجلاً للبحث في المخزن … بعد فترة قصيرة عاد هذا الرجل حاملاً الملف الخاص بخدمتي في العام الدراسي أيلول 1959 ـ أيلول 1960 . حرر المدير كتاباً يتضمن ما وجد في صفحتي الخاصة من معلومات وأرقام أوامر إدارية وتواريخ ثم ختمه ووقعه وسلّمه مشكوراً لي . هل أنقل نص هذا الكتاب ؟ لا من بأس ! لا أجد في ذلك ضرراً أو مساساً بأحد ، فيه جزء من تأريخي وسيرتي في سلك التعليم .
ملاحظة : لديَّ نسخة مصوّرة من أصل هذا الكتاب ضاع منها السطر الأول وبعض الحروف لشديد الأسف /
إعدادية الكفل
( الكفل المُختلطة سابقاً ) التاريخ 19/2/ 2013
إلى / المديرية العامة لتربية بابل / الموارد البشرية / الثانوي
م / تأييد
نؤيد لكم بأنَّ السيد عدنان عبد الكريم ظاهر الظاهر كان أحد مدرسي مدرستنا للعام الدراسي 59 ـ 1960 حيث باشر في المدرسة بتاريخ 21/9/1959 وجاء نقلاً من ثانوية المسيب حسب الأمر الإداري 76188 في 21/9/1959 ثم شغل منصب الإدارة وكالةً حسب الأمر س / 13887 في 30/9/1959 وبناءً على طلبه زُوّدَ بهذا التأييد مع التقدير .
ختم دائري فيه :
المديرية العامة لتربية بابل
إدارة مدير إعدادية الكفل للبنين
إعدادية الكفل للبنين عبّاس مرزوك سعد
19 / 2 / 2013
إنتهى نص الكتاب .
النتيجة / بخصوص العام الأول في الكفل : رفض الموظف المسؤول في مديرية تربية بابل الإعتراف بهذا الكتاب طالباً السجل الأصل !
وفيما يتعلق بالعامين الآخرين اللذين قضيّتهما مُدرّساً في متوسطة الحلة للبنين حيث لم نعثر على السجل الخاص بهذين العامين فقد أخبرني أحد العارفين بأسرار ودهاليز دوائر الحكومة العراقية أنَّ شاهدين كافيان لإثبات خدمتي شرط أنْ يكونا إمّا من بين مّنْ درّستُ من التلاميذ ممن يمارس التعليم اليوم أو أنْ يكونا من الزملاء المدرسين الذين خدموا معي في المدرسة لنفس فترة خدمتي ! تبرّع الشاعر موفق محمد أحمد أبو خمرة بالشهادة إذْ كان أحد الطلبة الذين درّستُ زمان قاسم في متوسطة الحلة للبنين وإنه ما زال قائماً بالتدريس . كما شهد لي الدكتور وهاب عبد الرزاق إبراهيم الجبوري وكان هو الآخر أحد طلبتي . والنتيجة ؟ رفض المسؤولون في مديرية تربية بابل هاتين الشهادتين مصرّين على أنْ لا بديل من السجلاّت التي لا وجودَ لها ولا من أثر ! ضيّعوا عليَّ خدمة ثلاث سنوات في التعليم الثانوي فهل من حل يا وزارة التربية ويا حكومة العراق ؟ غادرتُ مديرية تربية محافظة بابل مردداً أغنية ياس خضر (( واردْ للناصرية ردود مخنوق بالف عبرةْ )) .
مسك الختام في الحلة الفيحاء
ـ أدار الصديق والأخ العزيز الأستاذ عبد الأئمة هادي ندوةً أو لقاء لنُخبة من مثقفي ومربي الحلة في مقهى ومطعم الجنائن على ضفة نهر الفرات ودعاني هو والأستاذ محمد علي محيي الدين لأقولَ أمام الحضور شيئاً من ذكرياتي المنشورة الخاصة بحملتي إنتخابات نقابة المعلمين للعامين 1961 ـ 1962 . ما كان الوقت كافياً للإلمام بالموضوع بشكل وافٍ مُرضٍ خاصة وكانت فيه مواقف مؤثّرة أجد نفسي فيها ضعيفاً شديد الحساسية رغم مرور أكثر من نصف قرن على تلك الأحداث .
قبل مغادرة الحلة زرت الحبيب الرائع عبد الأئمة هادي في بيته فالتُقطت لنا الصور الملوّنة الزاهية وأهداني بعض صوره التذكارية القديمة من بينها صورة نادرة له بملابس الرياضة يقف فيها أمام الملك فيصل الثاني ليستلم منه كأس إحدى البطولات وبطولات عبد الأئمة كثيرة متعددة تبلغ الأربع وربما أكثر . كما وضع أمامي كيساً من المسابح الجميلة الثمينة لأختار منها ما أشاء فغلبني الطمع والإنسان هلوع طمّاع فاخترت منها أربعاً سأحتفظ بها في عينيَّ بين أجفاني إعتزازاً بشخص هذا الإنسان الكبير النبيل وبذكرى لقائي به في داره وقبل ذلك في دار أخينا المُشترك الأستاذ فلاح أمين الرهيمي فهل يُنسيني الزمان مدينة الحلة وكيف أنساها ولي فيها ذكريات وعمر وأخوة أصدقاء ؟
ـ سافرتُ ، مع السيد رائد ووالدته فريدة ، نهار يوم الجمعة الموافق الثاني والعشرين من شباط إلى مدينة النجف لزيارة الراحلين من عائلتنا وكان الجو حارّاً والزحام في المدينة كبيراً . زيارة قبور الأحبّة شأن غير عادي إذْ تنسحب النفس إلى حيث الزمان الذي مضى فيشخص الأهل أمام العيون وفي الخواطر كأنهم ما زالوا أحياءً أراهم بعيانهم أتحدث إليهم بعضهم يردُّ وبعضهم لا يردُّ يظلُّ ملتزماً الصمت الغريب . الفاتحة .
ـ رجعت إلى بغداد يوم السبت بسيارة السيد رائد وكنا نسمع ونحن في الطريق تسجيل راديو صوت الشعب الخاص بمقابلتي على قرص أهداه لرائد الصديق محمد علي محيي الدين مشكوراً . وفجأة أمطرت السماء بغزارة ثم خفَّ المطرُ حتى توقف .
ـ في بغداد وبمجهود إبن أخي الصحافي والإعلامي الأستاذ محمد فيصل الظاهر أجرى معي الأستاذ خالد الوادي لقاءً في فضائية المسار إستغرق أكثر من ساعة . سيُعرض هذا اللقاء مساء الأربعاء القادم الساعة العاشرة حسب توقيت بغداد .
ـ هنا لا بدَّ لي من تسجيل شكري وتقديري للنائب عن الحلة الأستاذ السيد حسين منصور السيد حُسين الصافي الذي بذل جهوداً كثيرة مشكورة في متابعة وتمشية معاملاتي ومعاملات أم أولادي في مختلف الوزارات والدوائر الحكومية . كما أقدّم لحضرته جزيل شكري على دعوتي وإبنتي على الغداء في شقته الخاصة الكائنة في المنطقة الخضراء حيث هيّأ كافة مستلزمات الدخول لهذه المنطقة الحصينة المنيعة . كنتُ كذلك مسروراً إذْ اكتشفتُ أنَّ زوجه سيّدة حلاوية هي كريمة الصديق المحامي الأستاذ كريم كربل . زارتهم قبلي عائلتي فهذه هي الزيارة الثانية .
إذاً … كنتُ ذات يوم في المنطقة الخضراء … لكنَّ معاملاتي ما زالت تتعثر أو تُرفض فبِمَ أفادتني خُضرة الجنات العالية المُعلّقة ؟