التنمية وحقوق الإنسان
عبد الحسين شعبان
تمهيدًا للاحتفال بالذكرى اﻟ 75 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نظّم المعهد العربي لحقوق الإنسان وجامعة الدول العربية، ندوة إقليمية في القاهرة، تحت عنوان “تعزيز المشاركة والتعاون للتمتّع بالحق في التنمية وضمان حقوق الإنسان”. وكانت مناسبة لتسليط الضوء على التقدّم المُحرز في هذا المجال، بشأن تحقيق أهداف التنمية المستدامة للارتباط الوثيق بمنظومة حقوق الإنسان.
فما هو مفهوم التنمية وما هي فلسفتها؟ وكيف السبيل لضمان حقوق الإنسان؟ وبقدر ما يبدو التفريعان منفصلان، إلّا أنهما مترابطان بشكل عضوي، وقد اتّسع النقاش بشأنهما بعد انتهاء الحرب الباردة، بتأكيد أن لا تنمية حقيقية دون مشاركة فاعلة من المجتمع المدني ومن القطاعات غير الحكومية، إضافة إلى القطاع الخاص.
والتنمية مثلّث متساوي الأضلاع، ويُعبّر كلّ ضلع منه عن الأبعاد الثلاثية، نظرًا لتداخلها وترابطها، وهذه الأبعاد هي: اقتصادية واجتماعية وثقافية، ويمكن إضافة البعد البيئي نظرًا لأهميته وخصوصيته.
ويُمكن القول أن هناك مفهومين للتنمية؛
الأول – المفهوم الضيّق، وهو المفهوم التقليدي المتداول، والمقصود به “النمو الاقتصادي” أو “التنمية الاقتصادية”، وهو ما عكسته الثقافة الاقتصادية، التي تكرّست منذ آدم سميث وريكاردو وصولًا إلى كارل ماركس.
الثاني – المفهوم الواسع، الذي يستند إلى فكرة التنمية الإنسانية بأبعادها الشاملة، وابتدأ هذا المفهوم يتعزّز، خصوصًا بعد الأزمات الاقتصادية العالمية، سواء أزمة 1929 – 1933 أو أزمة السبعينيات، وصولًا إلى أزمة الرهن العقاري، وانهيار مؤسسات مصرفية عملاقة العام 2008 وما بعدها.
وتوسّع هذا المفهوم ليشمل التنمية البشرية المستدامة بجميع جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والصحية والتعليمية والدينية والقانونية وغيرها، لاسيّما بإدخال مفهوم الحكم الصالح. وقد عالج مفهوم التنمية الإنسانية الشاملة والمستدامة مسألة الحكم ودرجة التمثيل والمساءلة والحكم الصالح والشرعية والمشروعية، إضافة إلى المشاركة.
وإذا كانت الشرعية تعني رضا الناس، وتقديم منجز حقيقي لهم، فإن المشروعية تستند إلى حكم القانون، الذي يتجسّد بالعلوية الدستورية، حيث تندرج فيها الإدارة العامة الرشيدة (الحوكمة)، كما تذهب إلى ذلك تقارير التنمية الإنسانية المستدامة. ومنذ العام 1977، دخل مفهوم الحق في التنمية في جدول أعمال لجنة حقوق الإنسان.
والتنمية تعني باختصار، “عملية توسيع خيارات الناس”، الذين لهم حق أصيل في العيش الكريم ماديًا ومعنويًا، جسدًا وروحًا، ويترتّب على ذلك، شموله على مبدأ المساواة، وعدم التمييز، فضلًا عن الحريّة واحترام الكرامة الإنسانية والمشترك الإنساني وغير ذلك من الجوانب المعنوية.
وركّزت تقارير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة منذ العام 1990 على مفهوم نوعية الحياة ومحورية الإنسان في التنمية، فالنمو الاقتصادي ليس غاية، بل وسيلة لتحقيق التنمية، والتنمية لا تعني تنمية الموارد البشرية، بل بناء قدرات الناس لتحقيق الرفاه والانتقال إلى رأس المال البشري.
وبصدور “إعلان الحق في التنمية” عن الأمم المتحدة في ديسمبر / كانون الأول 1986، اعتُبرت عملية التنمية حقًا من حقوق الإنسان، وليست مجرّد مطالبات للأفراد والجماعات للحكومات، التي قد تستجيب أو لا تستجيب لتلبية هذه المطالب “الحقوق”، وبمجرّد الموافقة على الإعلان، وفيما بعد على خطط التنمية المستدامة 2000 – 2015، و 2020 – 2030، أصبحت الدول مسؤولة أمام شعوبها عن ضمان الحق بالتنمية وحقوق الإنسان، وذلك ما يهيئ أرضية مناسبة لإبرام اتفاقية دولية لتأكيد الحق في التنمية.
وقد جعل الإعلان من القضاء على الفقر وتدعيم كرامة الإنسان وإعمال حقوقه وتوفير فرصة متساوية، أساسًا في ذلك. ومن المفارقات، معارضة الولايات المتحدة الإعلان، لأنه تناول حقوق الإنسان للشعوب، كما تغيّبت عن التصويت “إسرائيل” وبريطانيا.
يتألف الإعلان، بعد الديباجة الطويلة، من 10 مواد، ركّزت على أن التنمية حق للإنسان وحق للشعوب؛ والإنسان الموضوع الرئيسي للتنمية؛ وحق التنمية يقتضي احترام مبادئ القانون الدولي، وضرورة تعزيز تنمية البلدان النامية، وارتباط التنمية بالسلام؛ وضرورة تحقيق تكافؤ الفرص؛ وتأكيد مبدأ عدم قابلية الحقوق للتجزئة؛ وصياغة وتبنّي وإعمال تدابير سياسية وتشريعية لتطبيقه.
ولا شك في أن تطبيق هذه القواعد يحتاج إلى بيئة ثقافية وحقوقية حاضنة، ومستوى وعي قادر على تفعيل جوانب التنمية، لاسيّما عبر مشاركة القطاع الخاص، إضافة إلى المجتمع المدني، الذي يمكن أن يكون قوّة اقتراح، لتقديم مشاريع قوانين ولوائح وأنظمة، من خلال آليات وطنية جامعة، تقود في نهاية المطاف إلى عقد اجتماعي جديد، يأخذ بنظر الاعتبار المستجدات والمتغيّرات العالمية، فعالم اليوم هو غير عالم الأمس، وعالم الغد سيكون مختلفًا تمامًا بفعل الطور الرابع للثورة الصناعية، إذْ لا يمكن إنجاز أهداف التنمية، دون ثقة وشراكة لبناء معرفة نقدية، من خلال القوانين والسياسات وتبادل المعلومات، بما يوسّع الأفق، ويجعل الحكومات والقطاع خاص والمجتمع المدني وجميع الفاعلين يعملون على ذات الاهداف بتناغم إيقاعاتهم. لأن هو الإنسان محور التنمية، وحسب الفيلسوف الإغريقي بروتوغوراس، فالإنسان مقياس كلّ شيء.