نظرية الناسخ والمنسوخ … وكتاب الايات الشيطانية لسلمان رشدي …؟
د.عبد الجبار العبيدي
بالعقل والمنطق جاء الاسلام..من نبي واحد آمن بوحي الرسالة الآلهية دون خوف او تحريف فأراد لها التطبيق في العالمين من بعده دون تغيير ،وبنظرة جديدة للوجود والمعرفة والتاريخ ..فقد سبقته ديانات لم تكتمل بالقانون والوجود فأراد له مكتملا نظرية وتطبيقا كما جاءت من الله العلي القديروفقاً للآية الكريمة”ان الدين عند الله الاسلام” .لوضع منهج جديد في اصول التشريع قائم على حرية التعبير والاختيار والحقوق والمساواة …ثابت الأركان تديره مؤسسة تؤمن به دون تغيير.كما في قوله (ص): “هذا دينكم وانتم به أعرف”.
هذا التوجه مع الاسف أنتهى بوفاة صاحب الدعوة في 11 للهجرة حين تحولت المبادىء التي اراد لها ان تُشرع وتنشربين الناس الى سلطة وحكم فردي بعيدا عن الشورى في اختيار الحاكم ..ولم يعد صالحا لكل زمان ومكان فالزمن يلعب دورا في التغيير..كما أخبرنا القرآن الكريم :”قل سيروا في الأرض فأنظروا كيف بدأ الخلق”..استمرت المسيرة الخاطئة بدين اخر سموه دين الفقهاء والمفسرين أضاعوا فيه الدين الأساس في التطبيق…حتى نكبت الامة به ولا زالت، وكما نراها اليوم اصبحت امة ذليلة بين الامم تستجدي من الأخرين القوة والمَنعة وليس كما أخبرنا القرآن بأنها “خير امة اخرجت للناس”..فهل سيظهرمن يتصدى لهذا الأنحراف الفقهي المتعمد من فقهاء السلطة لتصحيح المسار حتى ولو أعتبر خارجا عن الدين ؟ ..أمر في غاية الأهمية ولكن كيف ..والسلطة والقوة والمال والتبعية بأيدي الحاكمين…؟
تمثل الأنحراف بما لم يأتِ به صاحب الدعوة ولم يرضاه القرآن الكريم ،حين أبتدعوا المذهبية والأراء الفقهية المتناحرة والفرقة الناجية المفرقة للصفوف والتفسير المخالف للنص الذي حمل لنا التعقيدات الفكرية والفقهية والسياسية..فمن أين يبدأ الاصلاح..؟ اعتقد علينا ان نعود للتآويل بموجب الآية “7” من سورة آل عمران : وما يعلمُ تأويله الا الله والرسخون في العلم” لنؤول القرأن بما يتطابق مع العقل والمنطق بعيدا عن الميول الشخصية والعاطفية ،ولكن من يسمح لنا وسط هذا الضجيج من الفوضى الخلاقة لسلطة لا تعرف من حقوق الله الا النرجسية والكراهية والعصبية القبلية للأخرين..وكأننا نعيش عصر الجاهلية الأولى في التاريخ..، او نرحل لدين اخر يُسعفنا من الأنهيار والسقوط..أو نعيش بلادين كما في اليابان والصين..فهل الدين جاء من اجل التعصب وهضم الحقوق وتحكم مؤسسة الدين فينا وهي غير المعترف بها من القرآن ولا مخولة بحق الفتوى علينا..أم من اجل الحق والعدل وحفظ كرامة الأنسان.
واليوم نناقش واحدة من هفوات المفسرين الذين غلفوا كل باطل بغلاف الدين الا وهو الناسخ والمنسوخ وكأن الله كان غائب الوعي حين كان يوحي لنبيه بالتصديق..
ونتيجةً لجدل عقيم وقع بحضوري بين اثنين من الاخوة المسلمين حول الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم ، ايهما أقرب للحقيقة من الاخر، كتبت هذا الموضوع ارجو نشره للحقيقة والتاريخ.
لم يكن الكتاب الذي ألفه الكاتب الهندي سلمان رشدي “الآيات الشيطانية”مستمداً من بنات افكاره ، بل كان مستمدا مما كتبه مؤرخونا وكتابنا القدماء وما فكروا ان يوما ما سيأتي على ما يكتبون، من اشخاص يقرؤون ويفلسفون الكلمة ومنه يصنعون القصص والاباطيل ضد النص الديني الذي به يؤمنون.. وما نحن فيه مختلفون ، وكان سليما ن رشدي الهندي الأصل والبريطاني الجنسية واحدا منهم.
لقد كتب الطبري في تاريخه الرسل والملوك ج2 ص337 وما بعدهاعن سورة النجم يقول الحق: (والنجم اذا هوى،ماضل صاحبكم وما غوى ،وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى) ،فلما انتهى الى قوله تعالى (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى – النجم 1-20) القى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به نفسه ، ويتمنى ان يأتي به قومه مكملا الاية كما كانوا يتصورون فقال :(تلك الغرانيق العُلا ،وان شفاعتهن لترتجى به)..والغرانيق هي الأصنام.
فلما سمعت بذلك قريش فرحت وسرت واعجبت بما قاله الرسول (ص)،حين ذكر آلهتهم بخير، لدرجة ان بعض المسلمين صدقوا ما سمعوا فلم يبقَ في المسجد من مسلم ولا مشرك الا وسجد للاسلام، الا الوليد بن المغيرة الذي كان كهلا لا يقوى على الوقوف والسجود .بعدها تفرق الناس من المسجد وقد خرجت قريش وسرها ما سمعت لمدح محمد آلهتهم وذكرها بخير وقيل في وقتها اسلمت قريش.
لكن مُبلغ الوحي جبريل(ع) لم يُمهل الرسول(ص) طويلا حين هبط عليه وقال له :”يا محمد ما صنعت ،لقد تلوت على الناس مالم آآتك به عن الله عزوجل ، وقلت مالم يقل الله ، فحزن الرسول حزنا شديد اوخاف من الله خوفا كبيرا، فنزلت الاية الكريمة :(وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله اياته والله عليم حكيم ،الحج 52).
وهنا ذهب الحزن عن رسول الله وعمه الفرح والسرور، لكن المشكلة وكل ما فيها ان ما قاله الرسول على لسانه تصور وليس حقيقة،وهذا ما لم يدركه الفقهاء الأوائل ، فبنوا على هذه الاية مسألة الناسخ والمنسوخ واتخذوا منه ذريعة لقلب احداث كثيرة واستبدالها بغيرها بحجة النسخ لبعض الايات القرآنية الشريفة كما في حجة الوداع. واخذ سلمان رشدي وغيره من ضعاف العقول والحاقدين على الاسلام هذه الذريعة ليبنوا عليها قصورا من الرمل بخرافاتهم واكاذيبهم وليهاجموا الرسول والقرآن فكتبوا الكتب وجيشوا الجيوش واقاموا الدنيا واقعدوها على الوهم والضلال.
علماً بأن لا آية نزلت ولا رسول قال، لكنه كان وهماً تردد على لسانه لا غير،لذا فأن الله لم ينسخ آية لانها لم تكن قد نزلت اصلاً بدلالة ان جبرائيل قد قال للرسول:( اني لم آاتك بها ،وقلت مالم يقل الله به ،انظر السيرةلابن هشام).
لكن الذي حدث ان هذه القضية وغيرها من القضايا الاخرى التي وقفت من الاسلام موقف التعارض لم تعالج من قبل كتابنا وفقهائنا معالجة عقلية فكرية هادئه ،بل معالجة عاطفية اثارت رجال الغرب واعداء الاسلام تطرفا لا يقبل الفكر الحر،كما في معارضة السيد الخميني لسلمان رشدي حين اصدر فتواه بقتله اينما وجد، وقامت الدنيا من قبل القاعدة والمتطرفين الباكستانيين ليخلقوا من هذا الصعلوك الذي اسمه سليمان رشدي مثالا للفكر والحرية في اوربا والعالم الاخر…كون ان العالم يؤمن بفلسفة الرأي والرأي الاخر دون تعنيف..
المهم لولا الطبري وغيره من مؤرخينا لما وجد اعداء الاسلام ذلك السبيل الذي به نالوا منا ومن الرسول والقرآن،كما كان في موقف السيد الخميني وغيره الذين زادوا من اهمية هذا الكاتب واعطوه بعدا اكبر مما يستحق.،وحتى نقف ويقف القارىء الكريم على حقيقة ما جرى لا بد لنا من ان نعرج على موضوع الناسخ والمنسوخ وحقيقته في القرأن فنقول:
الناسخ والمنسوخ ،حكاية وهم لا حقيقة….
وبانتصار مدرسة الترادف اللغوي التي ابتدعها الفقهاء نتيجة تفسيرهم الفقهي الناقص للقرأن بعد القرن الثاني للهجرة معتمدين على التفسير اللغوي لا التأويل العلمي ظهر الناسخ والمنسوخ لانهما ليس من علوم القرآن، أنما هو علم تاريخي دخيل ، فالناسخ والمنسوخ يأتيان على محور الزمن المستغرق للتحول من نوح الى محمد”أنا اوحينا اليك كما اوحينا الى نوح والنبيين من بعده….النساء 163″.ثم تلتها حالة التحول من حالة الى حالة والتي يمثلها علم الجدل والتناقض ،ثم اخضعوا النسخ لعلم الكينونة بموجب الاية الكريمة”ما ننسخ من آية اوننسها نأتِ بخيرٍمنها اومثلها …البقرة 106″.
ان مثل هذا النسخ لا يأتي في آيات التنزيل بل يأتي في الرسالات لانه يقع في سلم التطور الزمني التاريخي للمجتمعات الانسانية،فرسالة عيسى نسخت رسالة موسى ورسالة محمد نسخت الرسالتين ،لان تراكم المعلومات والرقي الحضاري يؤدي الى تطور التشريع..كما هو في القوانين التي تبدل عبر الزمن نتيجة تحول الصيرورة الزمنية في القبول.
لذا فان الناسخ والمنسوخ بحاجة الى مراجعة ودراسة علمية متأنية لكونه جاء مشوها عند الفقهاء،وحتى الفقهاء لم يستوعبوا أن الزمن يعلب دورا في عملية التغيير التاريخي، فحسبوا ان تفسيرهم للقران لامرد له ولا معارض لان عصرهم عصر ديني بحت وعقليتهم مقولبة بقالب التفسير الديني الثابت الذي لا يخضع للتغير او الاجتهاد..وهذه علتنا اليوم.
ويبدو ان المؤرخين اساؤا الينا بدون قصد،لان المنهجية في الكتابة لم تكن واضحة بعد في اذهانهم وما كانوا يتصورون انه سياتي يوما يظهر فيه اعداء لدودون للاسلام والمسلمين ليضعوا من التصوروالوهم حكاية اشبه بالحقيقة..والحقيقة ان المؤرخين والفقهاء هم أول من اساء للاسلام والمسلمين وأدخلوا الفُرقة بينهم ولا زالت.
واذا كان الله جلت قدرته قد وقف من الرسول(ص) الذي سمح للاعراب بالاختيار بين الالتحاق بجيش المسلمين من عدمه لدرء خطر الروم شمال جزيرة العرب موقف التعنيف والرد القاسي، بآيتين صريحتين في سورة التوبة أية 120،43 ،فكيف يسوغ لنفسه جلت قدرته، ان ينزل على رسوله الكريم مثل هذه الايات وهو المعصوم من اي خطأ يرتكب. هنا يتداخل التفسير والتأويل الواحد بالاخرعند الفقهاء فولد لنا من الاخطاء الكثير والتي بنيت عليها مواقف شوهت من الاسلام والمسلمين،هذا الدين القيم الذي لايدخله الباطل والتحريف ..فأستطاعوا تحويله الى مذاهب وفِرق ..قسمت المسلمين ونزعت من الناس وحدتهم في الدين ..وكما ترون اليوم..
لذا علينا توقي الدقة المتناهية في ايات النسخ في النجم والجهاد والعصمة والتوصية بالخلافة ..ومواقف اخرى فسرت تفسيراً متناقضا في القراءة والتفسير حتى لانقع في خطأ التقدير المستقبلي.وان نرفع من رؤوسنا بأن المقدس لا يناقش، فبعض آيات القرآن الكريم بحاجة الى مراجعة اليوم كآيات ملك اليمين ومعرفة الجنين في بطن امه والكثير التي جاءت في قوانين الحضارات القديمة وذكرها القرآن على سبيل العضة والأعتبار :أما في أية :”السن بالسن والعين بالعين والجروح قصاص حين ذكرت في قانون حمورابي البابلي القديم بالنص.
هذا كان مذهب الاقدمين والقرآن يقر بعملية التطور العلمي :”قل سيروا في الأرض فأنظروا كيف بدأ الخلق” ،واليوم قد تطور الفكر وزادت العلوم ،ومن يستطيع ان يثبت وجوده الفكري هو الذي يناقش ويجادل بلغة العلم لا بلغة العاطفة والتقديس ليصل الى معرفة الحقيقة.والحكماء قالوا” العقل هو الحجة.”
فهل سيفيق علماؤنا من خطأ التفسيرويعودوا لتأويل القرآن لا تفسيره.ليضعونا مع الشعوب المتقدمة والتطور التاريخي الحديث ؟ فالوحي لا يناقض العقل،ولا يناقض الحقيقة ،فلماذا نحمل النص فوق طاقته لفظاً ومعنىً…
وها ترون اليوم الى اين اوصلتنا مرجعيات الدين الراقدة على الحصيرة والصامتة صمت القبورلا رأي لها حتى في احداث الساعة..الا فيما يخص المال والسلطة وفتاوى الوهم بعد ان اعتقدنا انها جزء من الدين..وبأعتقادي ان أديان الأرض كلها لا تصنع عدلا في ظل مؤسسات دينية متفرقة ومتقاتلة دون ثبت يقين.