نصوص قرآنية فسرت خطئاً … فأوقعتنا في محنة التخلف
د.عبد الجبار العبيدي
يقصد بالنص الديني هو كل لفظ مفهوم المعنى من القرآن والسنة النبوية او نصاً عاماً..وهو الكلام الذي لا يحتمل التأويل ،أي ثابت المعنى لا يحتمل الا معنىً واحداً لا غير .
النص الديني يختلف عن بقية النصوص كونه هو أول وعي للانسان تم بموجبه اثبات الشيء الذي لا ينفي ما عداه..لذا فأن آيديولوجية الفقهاء المتعددة والمختلفة حسب مدارس الفقهاء الاسلاميين لم تعد مقبولة اليوم ،كونهم يقدمون انفسهم كممثلين لآيديولوجية آلهية غير قابلة للنقاش ، لذا فهم ضد صيرورة التاريخ المتحركة ..وهكذا ادرجوا حكم المرجعية الدينية بولاية الدولة التي حلت بنا الخراب ، في وقت ان المرجع الديني ليس من واجباته الاشراف على القوانين السياسية للدولة سوى النصيحة ولا غير ..
ادى هذا التصادم بين الحقيقة الدينية الثبت وما يعتقدون به باطلاً الى ايقاف التطور القانوني لحقوق الناس في الدولة ..بعد ان اعتمدت مؤسسة الدين على التفسير الاحادي للنص رافقته الخُرافة والماورائيات .. فوقعت الدولة في سجن قانوني رهيب انهى مستقبلها السياسي كما هو اليوم..في دستورنا الناقص في التطبيق..”لا يجوزسن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام المادة 2 الفقرة الأولى”.هنا اوقفوا تطور القانون لأن النص ثابت والقانون متطور حسب الحاجة التاريخية.
من هذا التوجه الخطير اصبح المفهوم الحركي للتاريخ ليس واضحا في موسوعاتنا الفكرية التي ورثناها من مؤسسة الفقهاء المختلفة الجامدة في تفسير النص الديني فوقعنا فريسة احكام عشوائية ناقصة لا ننفذ من خلالها الى طريق سوي يقودنا الى رأي سديد.
من يتعرض لدراسة اسباب عدم تكامل مؤسسات الدولة الاسلامية منذ البداية لتفسير النص والحكم بموجيه ،لابد ان يوطن نفسه على مواجهة حشد كبير من المشاكل والصعوبات قبل ان ينتهي الى رأي معين يمكن الاعتماد عليه في التحقيق..كون ان الاصول التي تبنى عليها دراسة النص الديني السليمة واسعة ومختلفة ومتضاربة تفتقر الى الاصالة والمنهجية التاريخية ..فبعضها يوصف بالزيف والبعض الاخر يدخلها الهوى من كل جانب.لكونه مبالغا فيه ولربما مخترعاً.. وهكذا وقعنا منذ البداية في خطأ التثبيت..فأنشئنا عقيدة جامدة لا تتطور كما في احاديث مسلم والبخاري وبحار الانوار..وغيرهم كثير.
لذا يعاني غالبية االفقهاء اليوم من هزالهم الفقهي وغلبة الكلام السياسي الوعظي على المتانة الفقهية المطلوبة .جتى انتبه بعضهم الى ضرورة اللجوء الى الفقه المقارن املا في النجاة من الورطة الكبيرة التي يعانون منها اليوم ، بعد ان اعتمدوا منطق القوة فأبقوا العالم الاسلامي والعربي في حالة ظلم دائم بعيد عن الاصلاح فتكشفت ارائهم الفقهيه وخاصة فقهاء الاخوان المسلمين سيد قطب في مصر والقرضاوي في الخليج العربي والغنوشي …في تونس ..هذا الفقه الميت المستمد من فقهاء البويهية والسلجوقية ومن جاء من بعدهم حتى حولوا العالم الاسلامي الى الخُرافة والتجهيل..كما في اللطم والزنجيل والزيارات الدينية المخترعة ، ونشر العتبات المقدسة الوهمية في كل الوطن العربي دون تحديد.
بالمقابل نحن نحتاج لى يقظة فكرية ، ومنهج علمي دقيق، يتيسرعن طريقهما الحكم بشكل ايجابي سليم.وحتى لا نطيل نحاول ان نعرف حقيقة النص الكريم وكيف تلاعبوا فيه فاوصلونا الى نظريات التخريف..ومن هذه النصوص..
اولا- نصوص الردة والرجم
——————————-
أعتاد الناس على الاعتقاد بأن حكم المرتد عن الدين الاسلامي هو القتل،بهذه الحجة قتل المرتدين في عهدالخلافة الاولى ، وفي الزنا هو الرجم ، وحين الرجوع الى الايات الكريمة نرى ان الامر غير ذلك تماماً.
يذكر السيوطي في شرحه نقلاً عن سنن النسائي ج7 ص104 حديثا نبويا ما نصه :”لا يحل دم أمريءٍ مسلم الا بأحدى ثلاث : “رجل زنى بعد احصانه فعليه الرجم،أو قتل عمداً فعليه القود” أي قتل القاتل مقابل قتيله” ،أو أرتدعن الدين فعليه “القتل” .
وحين نستعرض ايات الردة في سورة البقرة آية 217 ،109 وفي سورة آل عمران آية 149،100 ،وفي سورة المائدة آية 54 لا نجد تطابقاً مع نص الحديث النبوي ..لا بل من أكثر الآيات الكريمة تحديدا ووضوحا ما جاء في الآية 217 من سورة البقرة والتي تقول :”ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا ،ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون”. ولم تذكر الاية “يُقتل”.
اما كلمة الرجم فلم تأتِ الا في ثلاث أيات هي سورة الشعراء آية 116 ، وسورة ياسين آية 18 ،وسورة هود آية 9 ..,كلها جاءت بمقاصد اخرى وليس لها علاقة بالقصد … أنظر التفسير القرآني..
نصوص الحرية
———————-
الحرية في الاديان مقدسة ، وهي اسمى ما في الوجود ،لذا فقد منحت الكتب السماوية للانسان حرية الاختيار في الفعل والعمل الذي يريده ، حين أمره بفعل الواجب ولم يجبره عليه ، بل ترك الامر اختيارا لادراته ، لكنه حذره من المعصية وأوعده بالعقاب والثواب..نجد هذا واضحا في سورة الكهف اية 29 يقول الحق :”وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر انا اعتدنا للظالمين نارا..ولم يقل للكافرين نارا.هنا الاية الكريمة اقامت علاقة جدلية بين الكفر والايمان ، وبما ان الكفر ظلم للنفس البشرية من الناحية العقائدية ، وقد يرتكب من غير الكافرايضاً فقد وسع القرآن العقوبة فحولها للظالمين ،لأن الظلم يرتكب من الاثنين معا..والقرآن وكلماته المقدسة لا تقبل الترادف اللغوي.هنا حرية التصرف مكفولة باختيار العقل وليس بألاجبار كما يدعي فقهاء الدين..في شريعتهم لا شريعة الله .
نصوص احاديث الغيب
————————–
كثرت احاديث الغيب بعد وفاة الرسول(ص) وخاصة في العقاب والثواب وعذابات القبر الخرفة وغيرها كثير،تداولتها جهات فقهية عديدة دون حصر .لكن هذه الاحاديث موضوعة جملة وتفصيلا بدلالة الاية الكريمة : “لو كنت أعرف الغيب لأستكثرت من الخير وما مسني السوء،الاعراف 188 لذالا داعي للدخول في محاورتها بعد ان حسمها القرآن الكريم ..ان كل ما جاء في كتب الفقه هو موضوع ومجرد وَهَم .
نصوص الآرث والوصية
————————–
الوصية شكل من اشكال توزيع المال لثروة معينة بوصية المالك لها توزع بعد وفاته بنسبمعينة حسب وصيته لها.والوصية في النص الديني مفضلة على الارث لقدرتها في تحقيق العدالة .فالتماثل في الحقوق غير موجود في الوصية بينما موجود في الارث .الوصية والارث يمثلان جدلية التماثل والاختلاف لكون المجتمعالانساني قائما على على التنوع والاختلاف. وحتى في القرآن هناك سبعايات للوصية وثلاثة للارث وتمثل الاية 180 من سورة البقرة وضح قيمة الوصية :”كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين”. الاية هنا حدية واجبةالالتزام .اما ماقيل بان لا وصية لوارث فهو حديث مقطوع من صنع فقهاء الفهلوة الذين لا يركن اليهم في صدق .
في القرآن جاءت كلمة الحظ والنصيب ،كما في سورة النساء آية 7،واية 11 “للرجال نصيب مما ترك الوالدان وللنساء نصيب ..”واية 11 تقول :” يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين “. النصيب هنا هو حصة الانسانفي الوصية ،اما الحظ فهو مايصيب الانسان من الموروث .لكن الفقهاء قليلة خبرة التفسير دمجوا الوصية بالارث خطئا تجاوزا على النص.
والحل يجب ان تفسر الايات من قبل علماء التفسير اللغويين وليس الفقهاء جهلاء اللغة في التفسير..هنا لابد من فصل السياسة عن الدين وتحجيم المرجعيات الدينية ومنع نشر التجهيل منهم لابعادهم عنها ولابقاء القانون بيد المدنيين ضمانا لعدالة التوزيع. وبدون هذا التوجه سيبقى العربي والمسلم غارقاً في التجهيل.