محمد شحرور…يحدد معالم الفشل …عند المسلمين في حكم الدولة
د.عبد الجبار العبيدي
قبل ان يبدأ المؤلف بكتابة فصول الكتاب، كتب مقدمته الرائعة التي بين فيها البراهين والادلة العلمية واللغوية للنتائج التي توصل اليها في خاتمة كتابه هذا، مبينا ان رغم دخولنا القرن الحادي والعشرين الميلادي ،لكن الادبيات الاسلامية لا زالت تطرح الاسلام عقيدةًًًً وسلوكا دون ان تدخل في العمق الفلسفي للعقيدة الاسلامية،معتمدة على مسلمات تراثية معينة حسبتها من الاسلام مثل الموقف من التراث المقدس، وقد نهانا القرآن الكريم عنه كما في قوله:(ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين،المؤمنون 24). وقال :(بل قالوا انا وجدنا آباءناعلى أمةٍ وانا على آثارهم مهتدون،الزخرف 22)، هذا الموقف يدعو الى ان نحترم تراثنا لا ان نقدسه ،لأن التراث من صنع الناس والاجيال والعقول والمعارف تتغير فعلينا أتباع كل جديد فيه.حتى لا نبقى ندور في حلقة مفرغة دون الوصول الى حل المعضلات الرئيسة للفكر الاسلامي التقليدي الذي ساقنا الى هذا البرود الثلجي، في اطروحة القضاء والقدر والحرية، ومشكلة المعرفة، ونظرية الدولة والمجتمع والاقتصاد والديمقراطية، وتفسير التاريخ، دون ان نخرج عن المقومات الاساسية للعقيدة الاسلامية في ابسط اشكالها وهي الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر.
ان الفكر العربي الاسلامي المعاصر عانى وما يزال يعاني من مشاكل كثيرة ومتعددة مستعصية، طارئة يصعب عليه الفكاك منها دون الدخول فيها بكل جرأة وأقدام دون حساب عواقبها المستقبلية، كما فعلت أوربا في نهاية القرون الوسطى فتحررت وخرجت من مرحلة الانحباس الفكري الى مرحلة الحرية الفكرية التي أنقذت المجتمع من براثن التخلف الحضاري أنذاك ومن هذه الاشكاليات هي:
عدم التقيد بمنهج البحث العلمي الموضوعي ، والعرض عن تفسير النص القدسي تفسيرا علميا ،لان اول شرط من شروط تفسير النص هو دراسته بلا عواطف جياشة والتي من شأنها ان توقع الدارس في الوهم فتأتي الدراسة خالية من العمق الفلسفي لها..هذا التوجه الميت الذي ساقنا اليه الفقه الديني المتخلف.
قمنا بأصدار الاحكام المسبقة قبل التوصل الى النتائج البحثية المعتمدة كما في بحوث المرأة في الاسلام فنحن لازلنا لا نعرف الا النزر القليل عن حقوقها في الاسلام حتى تبين لنا ان للمرأة وضعان في الاسلام، الاول في النص الديني المقدس والاخر في الفقه الاسلامي وشتان بين الاثنين.
– الابتعاد عن محاورة الفلسفة الانسانية وعدم التفاعل الاصيل معها بحجة ان فلسفتها و تفكيرها جاءت دون دليل ديني شرعي، وهذا نقص واضح في التصرف ،حيث لا يمكن ان نضع كل ما انتجه الفكر الانساني في هامش الخطأ او الباطل بحجة معاداته للأسلام. لذا فقد فشلنا حتى الان من أعطاء تعريف محدد للاسلام،فهل بمقدورنا ان نجيب على السؤال الصعب وهو:ما هو الاسلام؟ فضمن هذا المنطق لم يتم تعريف الاسلام الى اليوم. للاجابة على السؤال وجب علينا ان نمتلك ميزانا ًمرناً نستطيع ان نتفاعل به مع الاخرين،دون خوف وهذا ما نفتقده نحن الان.
– عدم وجود نظرية اسلامية في المعرفة الانسانية،مصاغة صياغة حديثة معاصرة ومستنبطة حصراً من القرآن الكريم لتعطينا ما يسمى بأسلامية المعرفة حتى نتمكن من معرفة المنهج العلمي في التفكير لنكتسب الثقة بالنفس والجراة على التعامل والحوار مع الاخرين بروح الموضوعية والحياد.ان غياب هذه النظرية عندنا أدى الى التفكك الفكري،والتعصب المذهبي،واللجوء الى مواقف فكرية او سياسية أو تراثية أكل عليها الزمن وشرب، ولم تعد صالحة اليوم ابدا ًوالتي افرزت لنا اتهامات الاخرين بالكفر والالحاد والزندقة والهرطقة والمعتزلية والجبرية والقدرية،فوقعنا في المأزق الفكري حين أعتبرنا ان كل شيء أنتجه الانسان غير المسلم هو عدو للاسلام بالضرورة،ساعتها غاب المنهج المعرفي لدينا وبقينا نتخبط في ميادين السذاجة والتشنج وضيق الافق والابتعاد عن جدلية الانسان، نحن اليوم في اشكالية بحاجة الى الحل وأعطاء البديل،فهل نحن قادرون؟..لا اعتقد وسط هذه التفرقة الفقهية المميتة.
– بروز الازمة الفقهية القاتلة اليوم، والتي لا تحل الا بفقه جديد معاصر،وفهم معاصر للسُنة النبوية قائمة على الاحاديث النبوية الثابتة لا التي أعتراها التزوير وما اكثرها حين صنعتها الفرق والمذاهب لتأتي موائمة لما تريد وتبغي،ويعتقد المفكرون ان لا حل لنا الا بأعادة النظرفي فقه الفقهاء الخمسة في التمحيص والتدقيق،فهو ليس قرآناً لا يبدل،وأنما هو نتاجاً بشرياً قابلاً للصح والخطأ ،لأعطاء البديل لما أعتراه من نقصٍ في التفصيل بحاجة الى مراجعة وتقنين،وهذا ما تطرق اليه الباحث؟ لكن السؤال المحير من سيجرأ على القيام بالمهمة الصعبة في هذه الظروف المتزمتة التي يسيطر فيها التوجه الديني على كل مفاصل الحياة العامة للمجتمعات العربية والاسلامية دون منازع، و ماذا سنصنع بكتب التراث الحالية التي ملأنا الدنيا بها وهي تدرس على انها الاسلام؟وهي والاسلام على طرفي نقيض، وبالفضائيات العربية والاسلامية التي تنشر التخريف والتخلف والابتعاد عن المنهج العلمي الصحيح.
علينا اليوم ان ناتي بنظرية جديدة لنظرية جدل الكون والانسان حسب التفسير الفقهي لها، لنخرج الى آفاق العلوم الرحبة التي طرحها القرآن وتناساها المفسرين عمداً أوجهلاً كما وردت في النص القدسي ، والذي سينتج عنه بالضرورة الحل الفقهي الجديد،وهذه معضلة كبرى في مجتمع تسيطر عليه الافكار الدينية المتزمتة اليوم، والفِرقة المذهبية القاتلة التي لا يعترف بها الاسلام والتي أدت بالمسلمين الى الضعف العام وابعدتهم عن الحرية والتقدم وحقوق الانسان حتى جعلتهم ارقاماً يتلقفها الغرب والشرق على حدٍ سواء ،واصبح الهروب من المجتمع الاسلامي مطلب حياتي لهم دون تمييز.. ونحن كما ترون لا زلنا نطبع الملايين منها دون جدوى،ولو استبدلنا اموالها في بناء المدارس والجامعات لبنينا اليوم آلف مدرسة وجامعة بأموالها المهدورة،نعم أنها معضلة العرب والمسلمين اليوم؟ فأين الحل؟ ولا حل في مجتمع أكلته آفة التفريق.
وتبقى نقطة هامة جدا بحاجة الى المعالجة الجريئة لها وهي:حل أشكالية التراث والمعاصرة والاصالة. ..فالتراث حلهُ سهل اذا وقفنا منه موقفا بعيداًعن الانصياع الاعمى والتقديس كما وقفت منه الامم الاخرى وخرجت من المآزق القاتل وبنت لها حضارات قائمة على العلم والتكنولوجيا والصين واليابان مثالاً،وأبعدنا النظرة السلفية عنه بأتباع خطوة الغاء الدعوة الى تتبع خطى السلف المتخلف التي تدعوالى التقليد الاعمى للتراث وأهمال الزمان والمكان واغتيال التاريخ وأسقاط نظرية العقل كما عند الغزالي وابن ماجة وابن تيمية والكافي وابن بابويه وغيرهم كثير يريدون. وبأختصار فان السلفية ما هي الا هروب مقنع من مواجهة تحديات العصر الحديث.وهنا علينا ان نطرح السؤال التالي وهو :هل ان الكتاب الذي جاء به محمد(ص)هو من التراث أم لا يدخل في التراث؟ هم صامتون صمت القبور لا يجيبون..؟
فأن كان من التراث فهذا يعني انه من تأليف محمد لأن محمداً هو من الناس،والناس هم الذين يصنعون التراث،وفي هذه الحالة سيصنف محمدا من العظماء العباقرة لا مع الانبياء والرسل،وهذا ما جاء به الكاتب الامريكي (مايك هارت) أذ صنف محمداً اول عظيم في التاريخ وانطلت الخدعة القاتلة علينا واعتبرناها مكسبا للاسلام…لأننا لا نقرأ الا سطحيات الامور..
اما اذا كان القرآن من عند الله فيجب ان يحتوي على كامل المعرفة ولا يتصف بطابع النسبية انطلاقاً من المطلقية الالهية. من هنا فأن المحتوى النسبي للفهم القرآني يأتي من ان النص القدسي ثابت في النص ومتحرك في المحتوى ، لذا فأن تأويله يجب ان يستمر على مر العصور دون توقف وعلى يد العلماء مجتمعين لا الفقهاء متفرقين،كما جاء في سورة آل عمران(وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم، الآية 7 )ليكون صالحاً لكل زمان ومكان وفي هذه الحالة لا يعتبر القرآن تراثا،وهذا هو عين الصحيح.
وتطرقنا في مقالات سابقة الى امور جوهرية اخرى جاءت في الكتاب مثل:علوم الرسالة المحمدية والاحكام،والايات المحكمات والمتشابهات والحدية والحدودية والاجتهاد في باب الاحكام والاعجاز القرآني وازمة الفقه الاسلامي والناسخ والمنسوخ ودستور المدينة في الحقوق والواجبات، وخلصنا الى الهدف الذي من أجله أٌلف الكاتب الكتاب ولمن موجه.أنه بحق ثروة علمية وفكرية رائعة سنحاول نشرها ما وسعنا الجهد ومن الله نستمد العون.