بين الاسلام كدين.. والأنسان كحضارة ..جدلية ؟
د.عبد الجبار العبيدي
الدين هو الطاعة ..وله معنيان دين ودَين .والدين نظام اعتقادي ايديولوجي تتمثل فيه الرؤية الكونية .. ثقافي سلوكي ممارس ..وهو امانة عند الأنسان كحياة وعدالة .. وهو حزمة من السلوكيات والممارسات الاخلاقية في المجتمعات البشرية ، ومجموعة نصوصه السماوية مقدسة ، ومنها أرضي كما يعتقدون وجد منذ القِدم..ومع ذلك لا يوجد اجماع علمي الى اليوم حول التعريف العلمي للدين..ولا زال الدين اللغز المحير للوجود..
ودَين ..ذمة من شخص لأخر مطلوب تسديده بوقت معين حسب التصديق والتوثيق الذي كتب فيه..العقد.
والانسان كحضارة وضع الله في ماضيه وحاضره ومستقبله درس عميق حين منحه الفكر في بحث مشاكله لاعادة النظر في كل ما قامت به الانسانية من تجارب الماضي ، ليفتح له ابواب التفكير والتغيير، ومهد له بثورة فكرية تجعله يعيش بامان واطمئنان وكفاية وعدل فعلام ظلم الاخرين ان كان الحاكم يعتقد ويخاف الله ، يقول الحق:”اما تخافون من ربكم يوما عبوسا قمطريرا (يوماً شديد البلاء)حتى اعد للظالمين عذابا اليما ..فافرد له سورة خاصة من قرآنه ليحذره من ظلم الانسان الأخر..
الأسلام كدين جاء موحداً كما يقول التاريخ..لأنبياءِ ورسل قدر عددهم ب24 نبياً ورسولاً ، بعقيدة واحدة هي الاسلام كما ذكر في النص المقدس . . رغم أختلاف النصوص المقدسة من كتاب لأخر ومن نبي لأخر ..وبازمان متباعدة .. أولهم ابراهيم الذي قال :”وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً ، الانعام 79″..أي مجانباًً للشرك مسلماً موحداً مستقيماً..وأخرهم محمد بن عبدالله :”اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً المائدة3 ” ..أي من نِعَم الله عليكم ان لا تحتاجون لاحد بعد ان دخلتم في الاستقامة والعدل (شرط التطبيق)..فأين انت ايها الانسان المكلف بالتطبيق من امر الله..تقتل وتنهب وتُفسد وتدعي الدين ، واين الدين من هذا الانسان الشرير..الذي يفرق بين الأديان استجابة للمذهبية الوهمية التي لا يعترف بها الدين ولماذا لا ينتقم الدين من مذاهب التفريق ضمانا لأزليته. ؟.
اراد الله بالدين تحقيق الحق والعدل بين البشرفلا ظلم ولا ظالم بين المؤمنين ..بتشريعات متعددة لكنها متساوية في التنفيذ ضمانا للعدل المطلق .. بوصايا واحدة في كل الديانات .. فهل يحق لنا ان نقسمه الى اديان بتشريعات مختلفة ..واراء فقهية متضاربة في التشريع ، وهي واحدة لاتفريق بينهم وبينها..وهل تم الالتزام بها .. ؟ لا ، فما فائدة دين نزل على من لم يؤمنوا به ،ولم يستجيبوا له. فأصبحنا مفرقين أكثر من الذين لا دين لهم به يعتقدون ..
فهل سنبقى نتعايش مع نظريات الوهم والتناقض مع الحقيقة “المهدي المنتظرمثلاً والوعد والوعيد “، ام تنفيذ ما يستحق منا له من تثبيت ….فهل تستحق السلطة ان تتخذ منه وسيلة للتفريق والأستيلاءعلى اموال الشعب بلا قانون..؟ وهل من قسموه الى مذهبين “شيعة وسُنة ” وتوابعهما جاؤونا بنص مكين ..أم كانوا مفرقين من اجل خدمة السلطة لا الدين ..لا بل اجزم انهم لم يؤمنوا به منذ بداية نزوله كدين بل تستروا به من اجل السلطة والمال ولا غير..كانوا انبياء الله مغفلين حينماعتقدوا انهم سيصنعون شعوبا تلتزم بشروط الدين ..ياليتنا بقينا بلا دين ليكون القانون هو البديل..؟ كما عند الحضارات القديمة حضارة حمورابي مثالاً.
نعم .. بعد وفاة صاحب الدعوة ، تشعب الفقه الاسلامي الى تداخل في التفسير والتاويل ، فظهرت المدارس المختلفة فكان من نتيجتها الانقسام الرأسي في الاسلام الذي استدعى ظهور المذهبين الرئيسيين اللذين نسبا الى الأمامين جعفر بن محمد الصادق (الشيعي) والامام ابو حنيفة النعمان (السني) تجاوزا على الحقيقة .. فالاختلاف اساسه القياس حول مسألة فقهية لا مبادىء دين . حتى تكاثرت المذاهب الفرعية .. في كل منهما ليحمل صفة احد هذين المذهبين حين نسبت المعتزلة للشيعة ، المالكية والشافعية للسنة وهكذا.. فكانت بداية الانقسام المدمر للعقيدة والمجتمع مما جر الى ظهور عشرات المذاهب فيما بعد التي ضيعت الاسلام والمجتمع معا ،هذا الاسلام الذي جاء وهماً لحكم السلطة لاغيروالذي دمر مستقبل العرب والمسلمين بعد ان تجاوزا مبادئه في التطبيق ..وسط هذا الضجيج الفقهي المتعارض كيف نفهم طبيعة العلاقة بين النهضة الفكرية للانسان وحكم الدين الذي به يعتقدون..ولا يعتقدون ؟ ..
من هنا بدات عملية الاجتهادات الفكرية المختلفة في النص التي اخذت طابع السياسة السلطوية لا الدين حتى اصبح للقرآن اكثر من مائة تفسير كل منها له رأي في نصه المكين ..حتى بدأ المتنورون اليوم يفكرون جديا ان يجدوا البديل عن العيش مع الدين. ..بعد ان ضاع المنهج التاريخي لانماط العلاقة بين الفقيه والسلطان وفق المنظور المنهجي الذي يتوخى الدقة ومقاربة الحقيقة الى افق التوحيد في الهدف والغاية .. بعد ان اصبح الدين امام الامتحان…؟ومن يقرأ ما كتبه الكليني والشيخ المفيد والطوسي من جهة ،وماكتبه الماوردي والغزالي من اخرى من أئمة المخرفين يجد ان ما توصف بحرية الاختيار عند المسلم قد انتهت واستبدلت بعصور التنكيل والملاحقة والاغتيال وضياع الحقوق كما نحن اليوم..فعن اي اسلام يتحدثون..؟ اسلام المنتظرين.. ام اسلام المتزمتين الفاسدين ..من اهداء الدين ؟
نقول لاصحاب المذاهب من المتزمتين ..ان علم الاصول يبحث في العقيدة بايراد الحجج المنطقية وليست الشخصية الافتراضية ، اي بضرورة استخدام الادلة العقلية المنطقية عند اصحاب المعرفة والطاعة ، والمعرفة هي الاصل والطاعة هي الفرع..من هنا بدات معركة الاختلاف الذي شق الدين الاسلامي الى مذهبين هما ” شيعي وسني ” فحصل التباعد بينهما وبداية الضعف العام في العقيدة والدولة والى اليوم…من يقل لك ممكن ردم الاختلاف لا تلتفت اليه بعد ان اصبح الاختلاف عقيدة سلطوية بينهما..فكانت نظريات التزوير في العقيدة والدين..أساسه السلطة لا الدين..فلادين ولامذاهب صحيحة يمكن الاعتماد عليها في فلسفة الاديان اليوم..بعد ان أختلف التفسير..فاصبح الاسلام اسلامين بما قدم كل منهم من ادلة فقهية باطلة امام وحدة المسلمين…؟لذا لم تتقدم حضارياً دولة اسلامية واحدة عبر التاريخ مثل دول الحضارة الاخرى..لمجهولية الاعتقاد في الدين .
نعم..ورغم حملات التزوير المنظمة التي قادتها دول تدعي الاسلام والمسلمين كذباً وزوراً كما عند الامويين والعباسيين ومن جاء من بعدهم ..لكن التراث النصي المقدس .. بقي وسيبقى اقوى عوداً من جميع أولئك المزورين الذين لا زلنا نعتقد بهم خطئا انهم من أئمة الحديث ..تراثنا الفكري الصحيح ينبع من عين صافية لا عشوة فيها ولا ظلام ..وسيبقى شوكة في عيون المزورين..الذين قالوا وصدقناهم ..ان الفكر الفلسفي في الاسلام صورة ظلية محنطة المعالم للفكر اليوناني القديم ومدارسه المختلفة ..وان الفلسفة العربية لا تمتلك جدة ولا ابتكار..لهذا يريدون تبديلها بعلم العقيدة ..عقيدتهم الوهمية …التي تتناقض وعقيدة الدين .
ومع هذه الحملة النكراء ورسوخ افكارها في اذهان الاغلبية من المسلمين .الا اننا لانفقد الامل في وجود من يستطيع القيام بالبحث والتدقيق في اصول التاريخ الاسلامي والمنهج الصحيح ، لتصحيح ما يحتاج الى تصحيح ، وتصفية ما يحتاج الى تصفية مما شابه من عدم الدقة ، ومن سوق الاخبار على عواهنها مما أساء الى أمة الاسلام ووضعها في حرج التاريخ.
نقول ودون الخوض في متاهات الخطأ للفقه والفقهاء ..ان النقد العلمي لمسيراتهم الوهمية التي تجنبت قيام الدليل لما يقولون في اثبات الحجة والنقيض ..ان اثباتهما يعتمد على اظهار جوانب القوة والضعف في النص بحيث لا يعوز الباحثين سلامة الدليل عليه..والثانية تنهض على الفحص الخارجي ..اي باثبات الاصل ببطلان النقيض ، وهذا لم يحصل في تاريخنا الفلسفي المعد للتطبيق.
كيف لا والسنة النبوية كتبت بخمسة اقلام كل منها يخالف الاخر في النص والتفسير وهي : ..السيرة النبوية لمحمد بن اسحاق ( 150ت هج) ،ومغازي الرسول وسيرته لمحمد بن عمر الواقدي (ت207 هج ) ، سيرة الرسول لابن سعد( 230 هج)، سيرة الرسول لابن هشام (ت218 هج )،وسيرة الرسول لموسى بن عقبة (ت141 هج ) وسيرة الرسول لعبدالله الانصاري (ت 481)..وغالبيتهم مطعون بما كتبواوغير مرضي على عروضهم ..لذا ادرجوا جميعاً تحت “نظرية الجرح والتعديل” ، اي بيان العيوب والمديح جسب رأي الخلافة لا الدين..ولو قرأت لابن حجر العسقلاني الناقد الكبير(ت852 هج ) وغيره من الفقهاء لدهشت لتلك القسوة والعنف الذي هوجم به كتاب السير ووصفهم بالمزورين …وهكذا لم يأتينا من النظرية الفقهية بكل توجهاتها الا… الضرر.
نعود لصلب الموضوع فنقول هل ان التشيع جاء بنص مقدس او برأي من الامام جعفر الصادق .. والتسنن جاء برأي من الأمام ابي حنيفة النعمان..نتحداكم ان كتبتوا لنا نصا بذلك هم كتبوه بايديهم ..مجرد نصوص نقلت عنهم بلا دليل..والتي خلفت لنا مشاكل الدين التي أنهت مجتمعاتنا الى ابد الابدين..
مدرسة الامام الصادق (ت148 هج) اول مدرسة اسلامية فقهية ولم تكن مدرسة خاصة بالمذهبية بل علمية ولاغير..ومن تلامذته المجتهدين هو ابو حنيفة النعمان (ت150 هج) .. والخلاف بينهما كان على نظرية القياس التي ايدها ابا حنيفة النعمان ورفضها الامام الصادق لكنهما لم يكونا مختلفين في الدين ابدا.. يقول الامام الصادق:”يشرفنا ان يكون ابوحنيفة النعمان منا أهل البيت”انظر فقه الصادق ..
اما الاختلاف في الخلاف الديني لم يكن ابدأ له من أصل..فالخلافة كانت ابتكارا منذ البداية ، لكنها كانت بحاجة الى دراسة وتنظيم..كونها رئاسة الامة لذا كان الاختلاف عليها منذ البداية لانها كانت مسئولية كبرى تركت دون تحديد مدة او مدى سلطة ..وهذاالشرط لم يُعمل به طيلة عهد الخلافة الاسلامية حتى السقوط عام 656 هج..ان هذه التجربة لا تتفق وطبيعة الاسلام وتقع كامل المسئولية على الفقهاء الذين اهملوا شرط تحديد شروطها طواعية للسلطة لا الدين – اين المنهج الدراسي الجديد الذي كتبته السلطة – وترك الخلافة دون شروط هي المصيبة الكبرى التي حالت دون ضبط نظام الحكم في الاسلام ..لذا كل ما نقرؤه لمفكري الاسلام في الموضوعات السياسية عائم وغامض وغير مضبوط..
ومن وجهة نظري الشخصية اننا لم نعرف الفكر السياسي المقنن المنظم الا بعد ظهوره في الغرب واخذنا منه مع ان القرآن كان فيه الكثير من التجارب التي تعتبر اسساً كبيرة وسليمة جدا لوضع نظام قانوني سياسي محكم ..لكن السلطة الحاكمة قد وقفت ضد النظام القانوني منذ البداية لحصر السلطة بيدها والى اليوم فوقعنا في منزلق الخطأ الذي اعتبره الفقها دين..وهوليس بقانون ولادين…وهذا الذي تطور الى الصراع السياسي بين بني امية وبني هاشم الذي منه انبثق الخلاف الديني الباطل الي سموه بخلاف السنة والشيعة في الدين والى اليوم .
واذاكانت الخلافة منذ البداية هي اساس الخلاف فمعنى ذلك ان الدين نحي جانبا من اجل السلطة ولم تكن للكفاءة نصيب فيها ابداً ..وهكذا تطور الخلاف اليوم الى هذا الخلاف العميق السرمدي الذي شطر المسلمين الى شطرين ما كانت ان تقع لو التزم الجميع في النص دون تحريف..والا كيف تنال الخلافة بالوراثة وهي التي حددتها الشورى بمسئولية رئيسية من مسئوليات الحكم في الاسلام.اما ان الرسول حددها في بني هاشم -كما تقول الشيعة – فتلك احاديث موضوعة من اجل فرقة المسلمين ، فالرسول لا يحق له ترك الشورى التي جاءت بنص غير قابل للتغيير..وهكذا حصدنا ثمارها الباطل اليوم.
نحن نمراليوم بازمة سياسية قاتلة فعلا لاننا لم نعتمد على رجال العلم من المدونيين للروايات بصدق الصادقين ..حتى اننا التزمنا بالحديث المبهم الذي يقول : ” يحل دم المسلم اذا كفر بعد اسلامه فيقتل.. او رجل زنى بعد احصانه فيرجم.. او رجل قتل نفسا بغير نفسٍ ففيما أقتل…انظر الطبري ج4 ص378.,هنا نسوا ايات وماملكت ايمانهم كلها ،وتزوجوا النساء الاسيرات بدون عقد احصان وباعوهن في الاسواق خلافا لانسانية الانسان ، وقتلوا واسروا اهل البلاد المفتوحة دون قانون لكنهم امام الحقيقة يصمتون ، فأين الدين الذي به يتحججون …واخيرا اقول:
ان الفقهاء كلهم دون تمييز نسوا او تناسوا ان يضعوا شروطهم في الخلافة والسلطة والدين وهي :
ان الامة هي التي تختار رئيس السلطة وهي التي تعزله اذا لم ترضَ عنه.
ان تحدد الخلافة او الرئاسة بمدة معينة لا تتخطى الخمس سنوات ثم يعود الامر للامة.
لم تحدد سلطة الرئاسة شروط الحكم بعد اهمالهم لشرعيته الدينية ، وعدم استطاعة الخلافة ان تحكم في كل القضايا او في بعضها لقصر نظرها في الفقه ..وكيف يتم اختيار موظفيها الكبار وفق شرط الحق والعدل..وهنا كان مقتلنا عندما اهمل الفقهاء هذه التنظيمات الشورية التي ذكرت في النصوص.
ولازال حكامنا الى اليوم يخالفون.
نحن المخالفون.. اما اصحاب الديانات الاخرى نعدهم من الكافرين كما ندعي خطئاً لا انهم هم الملتزمون..هكذا هي المقاييس عندنا ..قصدنا في الحقيقة هو ان يعرف القارىء والمسلم حقيقة ما كتبه الفقهاء من تدليس ومفتريات والى اليوم ، وهم يحكمون بالباطل ، لكنهم ينتظرون المهدي المنتظر ليملأ الارض عدلا وهم الحاكمون الفاسدون فلم لا يعدلون ان كانوا من المؤمنين به حقا وحقيقة .. نعم.. انهم هم اللاحقيقة في السياسة والدين …وهم ينادون بوحدة الامة فكيف تتحقق بمجرد شروط غير قابلة للتحقيق…اين العلماء اليوم والمتفيهقين ليقولوا لنا حقيقة نظام الحكم في الدين ؟ ويستدركوا ترهات المذاهب الوهمية التي لا اصل لها في دين هم لا يعتقدون به..كفاية ضحكاً وتدليساً باسم الاسلام والمسلمين..
نحن نحترم شجاعة من يقول الحقيقة أو بعضها..عليك ان تطلب الحق وان قل. ؟على الكُتاب والمؤرخين ترك الروتين والانتقال لواقع الحال.. الذي يقتضي كشف الحقائق تمهيدا للتغيير.