يقصد بالدين الطاعة للنص الديني المقدس .. فالمتدينون هم الذين يطيعون النص المقدس ويمثلونه امام العامة . ويقصد بالنص هنا نفحة الروح عند الانسان .اما كلمة الاسلام فيقصد بها الاستسلام للحقيقة والطاعة للحق والعدل .وهذا يعني ان الحق بالنسبة للدين هو الوجود الموضوعي خارج الذات الانسانية ، وهو يحتوي على القوانين العامة الناظمة للوجود الموضوعي ولحركة تطور التاريخ..وليست العادات والتقاليد التي عفا عليها الزمن ..التي يمثلها رجل الدين .
ان الاستقامة في الدين تتمثل بتطبيق النص المقدس الذي لا يقبل الاعوجاج،أما الحنيف فهو الفهم الانساني النسبي المتغير.لذا قال النبي ابراهيم عندما حوصر من قبل اتباع الاصنام قال: “وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا وما انا من المشركين 79 الانعام “. اي انا من اتباع الاستقامة والتوحيد لله.أي انه مسلم وبما ان لاحد قبله تمثل بهذه الصفة فمنه بدأ الاسلام..حتى عرفت ديانته بالديانة المسلمة الأبراهيمية.
وتعاقبت الديانات بعد ابراهيم فمرت بادوار ذكرها القرآن مرورا ، وذكراً في انبيائها حتى استقرت في موسى ممثلاً للديانة اليهودية وعيسى ممثلاً للمسيحية واوصى الله نبي الاسلام محمد(ص) بالتعرف على الديانات السابقة لأستكمال رسالته الاخيرة للعالمين ،يقول الحق :”ويعلمهُ الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل آل عمران 48 “.لتكتمل عقيدة الدين ..”اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا المائدة آية 3.”
كل هذه الديانات بدأت تفكر في شئون الكون على اساس الفكر غير المقيد ، والعقل المتطلع المتعطش الى المعرفة ايضاً ،والتجربة التي مرت بها الشعوب التي أنضوت تحت ظل هذه الديانات الآلهية ..ولو استمرت هذه التجارب تتصاعد الى الحقيقة المطلقة لأذهلوا العقل الانساني وتنبهوا الى كل جديد لاسيما وان الانسان منذ عصر الحضارات الكبرى القديمة السومرية والفرعونية بدأ يتطلع الى عصور قادمة يسود فيها القانون أكثر وهو اصل الحضارة في الوجود..ولهذا لا زلنا الى اليوم نحس بأن علوم القدماء وقوانينهم موضع اعجاب العلماء المُحدثين ومؤرخي التاريخ القديم .لابل نستطيع ان نقول ان قوانينهم كانت تحوي من حقوق الانسان افضل من قوانين الحاليين ” شريعة السومرين وقوانين حمورابي البابليين والوثائق الاشورية التي احتوت الكثير..وعلوم المصريين في الطب والدواء والبناء والتحنيط التي لا زالت لم تفك رموزها الى اليوم..والقوانين ..وان كانت قسرية التطبيق.
من هنا بدأ العلماء يفكرون بدراسة القديم للتطلع الى كل جديد فقويت هذه النظرة واصبحت صادقة لفتت الانظار الى ضرورة معرفة اهمية العلم وما ينبغي ان تكون له من مكانة في مسيرة الفكر الانساني الجديد..لذا فالانفتاحية وحرية الرأي وابعاد التزمت الديني عن هذه المسيرة هي اصل كل ابتكار جديد.يقول الحق :” قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق ،العنكبوت 20″.أي كيف بدأ وتطور.
هنا لابد من جديد في مفهوم العلم عند كتابنا في العصور الوسطى وحتى اليوم حين قرنوه بالنص الديني الذي لا يقبل التأويل ، حتى قالوا ان العلماء هم ورثة الانبياء ..فأدخلونا في قوقعة افكار التزمت التي لا علاقة لها في الدين في وقت دعا القرآن الى العلم الواسع في البحث والنظر والتأمل في الكون ودراسته لمعرفة حقائق التطور الكوني وفق قوانين مقدرة ..ولم يميز بين الانبياء كما هم يميزون اليوم حتى بين الانبياء والرسل حين يقولون ” محمد اشرف الانبياء” والنص يقول : كل من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احدٍ من رسله البقرة 285″ هنا علينا ان نكف عن السير وراء القطيع..من حقنا جميعا ان نسأل ونتسائل في كل شيء وأي شيء بلا ممنوعات ولا محظورات..فالفقهاء وحتى الانبياء جميعا ليسوا هم وكلاء الله في الارض ولا يملكون عصمة القدر والتقدير .
من هذا التوجه الفقهي الخاطىء فهم لا يخرجون في احاديثهم عن نطاق علوم الدين من قرآن وتفسير ترادفي خاطىء وحديث مزور، وفقه متضارب ، حتى قالوا : ان الانصراف الى دراسة ما سوى ذلك أنما هو مضيعة للوقت وصرف للانسان عن عبادة الله.فالعلوم الطبيعية التي يهتدي اليها الانسان بفكره هي العلوم الطبيعية وهي العلوم التي ترتبط بالحكمية الفلسفية التي يهتدي الانسان اليها بمداركه البشرية التي تتمخض عن فكره الحر دون المقيد ليتبين له الصحيح من الخطأ ..وهكذا تطورت النظريات..
اماعلومنا النقلية الوضعية هي كلها مستندة الى الخبر عن الواضع الشرعي ولا مجال فيها للعقل الا في الحاق الفروع من مسائلها بالاصول.واصل هذه العلوم النقلية كلها هي الشرعيات من الكتاب والسُنة التي هي مشروعة لنا من الله والرسول ،وما يتعلق بذلك من العلوم التي تهيئها للافادة وتتبعها علوم اللسان العربي الذي هو لسان الملة وبه نزل القرآن.
لذا ظلت العلوم الطبيعية عند المسلمين تسمى صناعات كالطب والهندسة والزراعة وغيرها، فادرجوها مع التجارة والحدادة فلم تكن ضمن العلوم البحتة ولا حتى المشتغلين بها من العلماء .نعم كل العلوم نجدها عندهم تندرج تحت اسم علوم الدين وهنا كان التوقف العلمي عند العرب والمسلمين ولا زالت مؤسسة الدين الى اليوم تنظر اليها بنفس المنظار ..بعد ان فقدوا واهملوا العلم الطبيعي قاعدة العلوم..حين اصبح العلم يقتصر على علوم الدين..كما جاءعند ابن النديم في الفهرست والفارابي في تصنيف العلوم..لدرجة ان مؤسسة الدين تعتقد ان علوم الدين افضل العلوم .
اوربا انتقلت من هذه المحنة :من العلم الارسطي الى منطق علمي جديد ، يقوم على العلم والتجربة .هذا التوجه ظهر عند جماعة اخوان الصفا وخلان الوفاء والمعتزلة لكنهم حوربوا من قبل السلطة الدينية ولم يتمكنوا من الانتقال الى قاعدة العلوم الطبيعية حتى كون الفقهاء سداً نحوهم في التقدم ..نعم ، ظهر عندنا العشرات من العلماء في الطب والهندسة والكيمياء من امثال ابو بكر الرازي وجابر بن حيان والزهراوي وغيرهم كثير ..هؤلاء الذين كان بامكانهم نقل مركز الثقل من الخيال النصي الى الواقع ، ومن النظري الى العملي…لكنهم جميعا وقعوا تحت رحمة فقهاء السلاطين الذين حالوا دون تقدم النظريات الفكرية عندهم كما في فقهاء البويهيين والسلاجقة ومن لف لفهم من الاخرين .
سنبقى هكذا ما دامت الفلسفة التي هي ام العلوم محرمة ليحل محلها علم العقيدة المحدود ،وقوة العلماء في البحث محددة بشروط الحلال والحرام التي لم تستطع ان تُنشأ الوعي العلمي والخلقي لايجاد قوانين جديدة تتماشى مع التطور التاريخي في التطبيق ..وترتقي بالصناعات والفنون والعلوم التطبيقية ليتحسن شكل الحياة ويسود التفاءل والتقدم سائر نواحي النشاط الانساني ، وهنا يصبح التفكير الحر عقيدة في التغيير.
ناهيك عن الاستبداد الديني المطلق الذي لا يعرف قيودا او حدودا او يعترف بحقوق احد..لابل عمدت الحكومات السلطوية الى اليوم من ابعاد العلماء والمفكرين وقتلهم احيانا خوفا على السلطة لا الدين.وحتى لوكنا نملك نظاما استبداديا لكنه مصحوبا بالانضباطية او محكوما بنظم وقوانين ، وعقودا على المصالح المتبادلة لتقدمنا مثل الاخرين ، ولجتزنا المعوقات على طريقة النظام الاوربي القديم في حين ان نظم الشرق العربي والاسلامي لم يخرج منها شيء على الاطلاق..لان النظام الديني المتبع عندنا البارحة واليوم نظام عقيم أجرد لا يمكن ان تنبت فيه شجرة العلم..لأعتقاده بضروة كسب المال والسلطة والجنس.
انظروا الى وطننا في العراق كيف يُحكم بقوانين الدين وجعل التشريع هو اصل القوانين انظر الى المادة الثانية من الدستورالعراقي الجديد التي لا تسمح باصدار القوانين التي تتعارض مع التشريع “لا يجوز سن اي قانون يتعارض مع الشريعة” هنا تحدد التطور والتغيير الا على هواهم ..وفرقوا بين الرجل والمرأة في الحقوق والاوقاف “الوقف الشيعي والوقف السني” ليتمكنوا من تجذير المذهبية والطائفية بين المواطنين ..وتلتزم بفقهاء الدين والمرجعيات جامدة الفكر والتفكير وتبعد العلما ء والمفكرين وتعمد الى تصفيتهم كما نراهم اليوم دون وازع من ضمير..وتلغي العلوم الفلسفية لتحل محلها علوم العقيدة جامدة التغيير ،من هؤلاء يرتجى التغيير ..مستحيل ..ففاقد الشيء لا يعطيه
نعم حان الوقت – ونقول كفاية – للتخلي عن التعصب الديني والطائفي المقيت ..ويجب الاعتراف بان الحقيقة الدينية تتغير وتتطور وليست هي مطلقة ومنقوشة فوق حجر..فمتى نتحرر ؟ نقول : لا داعي لتكرارتقاليد الماضي السحيق والتعلق بالمرجعيات الدينية والاوصياء فقد جاؤا لعصر قديم نهتدي بهديهم دون التزام في التطبيق ..ونلغي شعائر التخلف والتخريف والادعية والتوسل بالصالحين ونحل بدلها نظريات التحدي في التحقيق كما في مناسبات الطوائف المقيتة المكررة التي تأخذ منا كل تفكير جديد ..ونكتب منهجا دراسيا جديدا يتماشى مع الزمن في التغييركما حصل عند الأوربيين .
الشعوب يجب ان تحرر نفسها بأيديها من كل الغاصبين السلطويين ومحبي المال الحرام الذين يدعون ان مال الدولة مجهول المالك وهم احق فيه كما هو اليوم في عراق المظلومين تطبقه مؤسسة الدين ، والاسلام بريء منهم ابداً.ويقف الشعب العراقي في المقدمة بحاجة التغيير…؟ نحن نحترم شجاعة من يقول الحقيقة او بعضها..لا اعتقد ان هناك من يحترم الحقيقة بعد ان اصبحت الخيانة ..والمال والمنصب وانهيار قيم الحياة المقدسة..وشيوع نظرية الفساد والتعامل معه شطارة على المواطنين …عقيدة.