الحضارات القديمة ….. هي اساس الاديان
د.عبد الجبارالعبيدي
لم تكن الاديان السماوية الا نموذجا لفكرة الأديان في الاساطير القديمة نتيجة الحالة الأيمانية بالقوة الخفية ..وقد وجدت منذ عصر الانسان الاول حينما بدأ العقل الفعال يفكر بدرء الخطر عن حياته في الغابة والصحراء وهو يعيش بلا حماية ولا قانون..حتى تحولت هذه الاساطير القديمة الى حالة ايمانية ..وبمرور الزمن ظهر لها التنظير من الكهنة الذين حولوها الى واقع ايماني او معتقد ديني لا يناقش في احكامه ونواهيهِ..من هنا تعددت المظاهر حتى أرتبطت بالاطار الثقافي للشعوب فاصبحت عقيدة دين.
وحتى تجد لها المسوغ الذي يمكنها من السيطرة على العقول راحوا ينسبونها الى قوى خفية آلهية بعيدة عن الوجود متمثلة باشارات او تماثيل صنعت من وحي الخيال لا الوجود..حتى اصبح الانسان القديم اسيرا للعواطف الدينية التي صنعوها فخضعت للترغيب والترهيب والثواب والعقاب ..وبمرو ر الزمن اصبحت ديانات لا يجوزالشك فيها او محاربتها لانها خلقت من وحي الهي يمثل وحي الوجود.
كانت ديانات المدن العراقية القديمة منبعها في العهد السومري من سلسلة اراء الكهنة والمتفيهقين …..ثم ازدهرت بعد ذلك وتوسعت عند البابليين والاشوريين حتى اصبحت عقيدة لا يجوز التجاوز عليها دون تحقيق.لكن المهم عند العراقيين منها اشتقت القوانين كشريعة آور نمو وحمورابي والآشوريين ..ومنها انتقلت الى الدول المجاورة في بلاد فارس وصولا لحضارة اليونان والفينيقيين ومصر الفرعونية .فكان البحر المتوسط وسيطة الانتقال ..من هنا اعتمدت على تلاصق المعتمد الديني بالاسطورة ..التي منها انطلقت الاديان السماوية الثلاثة وما قبلها من اديان واساطير فاقت كل تصور حتى تحولت الىحقائق عند اصحاب الدين الحقيقي الى واقع صحيح …فلم يعد احد الا واعتقد بها دون اختيار من رأي او قانون. وحين اصبحت اديان سماوية يصعب رفضها باعتبارها من آله مقدس خالق للكون وما فيه..من هنا كانت نقطة التحول من الاساطير الى الديانة الواقعية عن طريق الرسل والانبياء بنظر معتنقيها وان اختلفوا في التفاصيل.
كل الاساطير التي وردت في المعتقدات القديمة نقلت للاديان الآلهية باعتبارهاجديدة ومبتكرة من الله حلت في عقول معتنقيها دون تغيير ..كأسطورة الطوفان واسطورة الخلق وعليهما تأسست الديانات السماوية التي الحقت بهما كل التفاصيل الاخرى من عقاب وثواب ، وكيفية التكوين في الموت والخلق والخلود والبعث والجنة والنار والحساب والعقاب التي تجسدت في قوانين الخلق والدين..تجسدت في ثلاث ديانات هي اليهودية متمثلة بموسى والمسيحية بعيسى والاسلامية بمحمد بن عبد الله…فكانت ديانته أخر الديانات.
هنا في الديانات الثلاث تطورت فكرة الخلود والروح والنفس.. والجنة والنار ..وفكرة العقاب والثواب ..ولا زال العلماء والفلاسفة الى اليوم يبحثون فيما غُمض من مراسيم الاديان وارتباطها بالحياة..ليحولوا النصوص الى قوانين..بعد ظهور الرجل المقدس الذي يأمر فيجب ان يطاع وهي كلها من وحي اللا وجود..كأسطورة الطوفان الطبيعية واسطورة الخلق والوجود.
وحين استطاعت الشعوب القديمة تثبيت هذه الاساطير في معتقداتها..جاءت الاديان السماوية لتتلقفها وتحولها الى حقائق دينية ربانية مقدسة لا يجوز الشك فيها او محاورتها وهي كلها من صنع العقل القديم لا الوجود فكانت ..الطوفان والخلق وطقوس التطهير والاحتفالات والنذور والدعاء وغيرها كثير ..كلها وضعت في طقوس الديانات حتى جعلوها تثبيت وتأكيد. فكانت الاستجابة لها دون دليل .
اسطورة الطوفان : بدأت في بلاد ما بين النهرين عند السومريين والبابليين..وانتقلت بمرور الزمن الى الهنود والاغريق والفرس والمصريين..تلقفتها الديانات السماوية لتضفي عليها المنطق القدسي الكبير..ولتعطي منها دروسا في العدل والحقوق وعدم الاعتداء على الاخرين.
واسطورة الخلق ومنها تفرعت بقيت الاساطير.ومازال العلماء والفلاسفة يبحثون الى اليوم عن هذه الالغاز الاسطورية لتفيسير الكثير من المعتقدات الدينية وما غمض من مراسيم الحياة الاخرى .
فاسطورة الطوفان وجدت في الالواح السومرية السبعة،ومسلة حمورابي البابلية ،وفي الحضارة الهندية مرتبطا بالسمكة الكبيرة (فاسكو) التي انقذتهم من الطوفان ،وعند الاغريق تنبئوا بضرورة بناء السفينة املامن طوفان جديد .وعند الفرس والمصريين تعددت الاملاءات المتشابهة في قصة الطوفان عند نوح وغرق العالم .
اما قصص الخلق فقد أختلط فيها السحر بالخيال فأنتج قصصا كلها تدعو الى الخلق واسراره المتعددة ..كما في اسطورة الخلق عند السومريين والبابليين والفرس والفراعنة وكل منهم له نظريته في الوجود تمثلت باراء بيضة ازوريس وتوالدها كرمزا للخلود ..واستمرت الاراء تطرح في الحضارة الهندية والصينية وكل له وجهة نظر مخالفة لكن الجميع يصرون على وجود النظرية في زمانهم وجدت ..والكتب السماوية والمخطوطات والبرديات المصرية تقف الى جانب هذا التفسير التاريخي الرصين ..لكن قصة الخلق بدأت بآدم وحواء عند المسلمين .
اما التطهير والطواف والشعائر والطقوس والنذور والادعية والتعميد..فقد نقشوها على جدران المعابد لكي تكون طقوسا معبودة عند العامة ..فياتت تقاليد دينية مقدسة عندهم يحتذى بها حتى يومنا هذا.
وهكذا تأثرت الديانة اليهودية بحضارة وتقاليد حضارة مابين النهرين والفارسية والفرعونية كشريعة اور نمو وشريعة حمورابي .اما المسيحية فقدتأثرت بالفلسفات اليونانية والرومانية وانتقلت منها الى الشرق. اماالاسلامية فقد تاثرت بديانة العرب قبل الاسلام مثل طقوس مناسك الحج والصوم والنذور وزيارات المعابد والادعية فيها .
وهكذا بمرور الزمن اصبحت الاساطيروطقوسها دلالات مصدرا ايمانيا بعقيدة الله الواحد الاحد للتمسك بالعقيدة الواحدة وتجنب الفوضى.
ومع هذا لم تسلم الدياناتات الثلاثة من هَناتٍ التي ادخل عليها الفقهاء من ابتكاراتهم العقلية التي حولوها الى تقديس.
فالديانات الثلاثة استحدثت من وحي الاساطير الاولية تحولت الى اديان سماوية بفعل خالقها العظيم ..لذا فان نظريات التزوير الفقهية لعبت دورا في التفريق ،هذا التفريق الذي لا يزال يحتل الكثير من التعقيدات الفكرية والفقهية السياسية التي دخلت المجتمعات فمزقتها الى فرق واديان ما انزل الله بها من سلطان .
وتبقى الديانات السماوية الثلاث لهاصفة التكريم والتقديس شرط ان يلتزم اصحابها بوحدة الهدف لا التفريق ما دامت كلها منزلة من الله للعالمين ، وما دامت تهدف الى وحدة الهدف في الحق والعدل وصانة المجتمع دون استغلال وتفريق..والتخلي عن التعصب،,الاعتراف بان الحقيقة الدينية تتغير وتتطورعبر الزمن وهي ليست مطلقة منقوشة فوق حجر.
واخيرا نقول :اذا أردت ان تتحكم في جاهل عليك ان تغلف كل باطل بغلف الدين.