لهوّة بين قمة و أخرى
د. سناء شامي
مضى عام على قمة العرب في الجزائر… حينها كتبت هذا المقال:
الجزائر بلد عظيم و قد بذل جهود جبارة من أجل إنجاح القمة العربية. الكثير يهلل بنجاح القمة، و الكل أكد على المواقف الداعمة لفلسطين، و دور سوريا، و مساندة ليبيا و… لكن لم أقرأ عن برنامج عمل اتفقت عليه هذه القمة!
كل القمم الدولية تنتهي ببرنامج عمل يُتفق عليه من أجل بداية التطبيق فور انتهاء القمة.
١/ هل إتفق العرب على إزالة الحدود فيما بينهم؟
٢/ هل إتفق العرب على حرية التجارة فيما بينهم و الإعفاء الجمركي لبعض السلع الإستراتيجية؟
٣/ هل اتفق العرب على سياسة بترولية موحدة ؟
٤/ هل اتفقوا على خلق جيش موحد تشرف على إدارته وزارات الدفاع العربية؟
٥/ هل إتفقوا على خطوط سياسة خارجية موحدة؟
٦/ هل إتفقوا على برامج و مناهج تعليمية موحدة؟
٧/ هل العرب وضعوا مخطط لخلق بنك عربي على غرار البنك الدولي، يُقرض الأموال للدول العربية بفوائد رمزية؟
إذا لم تنتهي القمة بمخطط عمل (business plan) يحتوي هذه الأساسيات، إذاً أين القمة في هذا الإجتماع. و تبقى الجزائر مشكورة على دورها و محاولاتها. حان الوقت أن نعطي لكلامنا وزناً، و كفى ميجانا و أبو دلعونه، بالعنتريات لن نتخلص من كامبل، بلفور و سايكس بيكو، فهم صاهروا البعض منا، و صاروا مننا و فينا.
و قد عاد شهر نوفمبر لتلتقي العرب في قمة طارئة بالسعودية و لنعيد كرة طحن الهواء، و لكن بشكل أكثر مآساوية، لأنهم بينما ينددوا و يتمددوا و يتعانقوا، غزة تنزف و العدو مستمر في قصفها و القواعد العسكرية الآمريكية تحيط (بالأمة العربية) من كل صوب. الكل كان ينتظر من هذه القمة العربية الطارئة مواقف تدل على جدية الإجتماع، و ليس فقط قرارات نظرية: مثلاً
1/ لماذا لم يطالبوا الدول المطبّعة بتعليق (لا أقول, معاذ الله, بإلغاء، و إنما فقط بتعليق) معاهدات السلام إلى أن يجدون حل للقضية أو على الأقل إلى أن يتوقف قتل أبرياء غزة بالكامل؟
2/ لماذا لم يجمّدوا السفارات الإسرائيلية؟
٣/ لماذا الأردن بإسم الإتفاقية الأمنية مع إسرائيل منعت المظاهرات بالقوة من أمام السفارة الإسرائيلية؟ و أمن غزة أليس من مسؤلية الأردن أولاً و مسؤلية العرب ثانياً؟
لماذا الأردن أولاً؟ لأنه و حسب القوانين الدولية فأن الضفة الغربية و القدس ما تزال تحت عهدة الحكومة الأردنية، التي لا يحق لها التنصل من حماية الفلسطينيين قبل أن تعيد لهم القدس و الضفة الغربية، و لا ننسى بأن الضفة الشرقية للأردن محتلة من قِبل إسرائيل!
٤/ كذلك الأمر بالنسبة للحكومة المصرية، و حسب القوانين الدولية فأن غزة تحت عهدتها و تحت ظل الجيش المصري، إذاً لماذا لا تقوم بأي خطوة عملية تجبر العدو فيها على وقف وحشيته؟ لماذا لا تقفل قناة السويس، أو من تحت الطاولة تدفع عمّال القناة للقيام بإضرابات، يكفي بضعة أيام من الإضراب حتى تضرر تجارات الكثير من الدول و أولهم إسرائيل، و حينها تشاؤمهم على حل الإضراب مقابل وقف القصف على غزة؟
٥/ الحكومات العربية يعلموا بأن غزة تحت عهدة مصر، و القدس و الضفة الغربية تحت عهدة الأردن، إذاً لماذا لا يفعلون شيئاً كي يلزمون هاتين الدولتين أو يتفقون معهما على حل ينقذ المدنيين في غزة من الموت؟
٦/ المقاومة في العراق و اليمن قصفوا إيلات الحيوية بالنسبة لإسرائيل، لماذا السعودية و مصر فعّلوا شبكات الدفاع الجوي لإسقاط الطائرات و الصورايخ المنطلقة من اليمن، و الأردن فعّل شبكاته لإسقاط مثيلهم المنطلق من العراق؟
٦/ هل هناك تلاعب بالقانون الدولي؟ أن إنها خيانة الأمانه؟ مصر مؤتمنه على غزة و الأردن على القدس و الضفة الغربية، فكيف للمؤتمن أن يتجاهل مسؤوليته؟
٧/ وعد بلينكن السعودية و مصر و الأردن خلال زيارته الأخيرة لهم بأن يفعّلوا شبكات دفاعهم الجوية لحماية إسرائيل من صواريخ العراق و اليمن مقابل وعد بالهدنة، و عد و ليس هدنة فورية، لماذا وافقوا؟ أو لماذا لم يفرضوا على بلينكن هدنه فورية مقابل تشغيلهم لشبكات الدفاع الجوية؟ حتماً سنسمّي هذه الأفعال بالخيانة، و قد يكون للسياسيين وجهة نظر أخرى و مسمّيات مختلفة، لكن شخصياً لا أسميها خيانه، لأن للخيانة حكاية أخرى و ماضٍ بعيد، إنه الطاعة للأقوى و فقدان الحيلة أمام الأسياد، أو ربما إنه الإدراك بأن أساطيل آمريكا تحاصر عروشهم و مع إن العرب متفوقين في التجارة، إلا إنهم في هذه المرحلة فقدوا مرونتهم في الشراء و على ما يبدوا هم الآن في مرحلة أمّا البيع أو الإحتفاظ بما لديهم إلى أن يأتي موسم قطاف أفضل حظاً.