لم اكن متمردا او طفلاً متعباً كما اتذكر ، وكنت قليل الطلب وسريع القناعة ، اتذكر ان والدي رحمه الله كان يفضل تكليفي بامور معينة دون الاخرين من اخوتي ، وكنت اشعر بالغبطة والحماس وانا اقوم بتنفيذ ما اكلف به ، كنت في الصف الخامس ابتدائي عندما انتقل سكننا من الوزيرية الى المنصور وبالتحديد عام ١٩٥٥ ، كانت مدينة خالية الا من بعض البيوت التي هي اقل من عدد الاصابع ومنها ثلاث بيوت تعود للاميرات ، غير ذلك كانت هناك اعداد من بيوت الطين على شكل مجاميع تقطنها عوائل ريفية حيث فيها الاغنام والدواجن والتنور وبعض الكلاب ، والكثير من الاطفال وعدد من الحسناوات جميلات العيون وموشوقات القوام حيث كنت اعشق التربص لاغتنام فرصة التمتع بمشاهدة تقاسيم فتيات مبهرات في الرقة والاناقة القروية بعيون رسمتها الطبيعة وزادها الكحل رونقاً ولمعاناً وخدود تكاد تجعلني اقفز لنيل بوسة اعجاب ، انهن درر لم تمسها يد الصناع ، وتحف عراقية في منتهى الروعة والتألق ، هكذا كنت اشاهد التشكيلة البسيطة من الناس الذي يتمتعون بالطيبة والاحترام وبعض من السذاجة والنخوة … كانت احدى مشاكلي هي خوفي من الكلاب بشكل مخجل احيانا ، والسبب يعود الى تعرضي لهجوم مجموعة من الكلاب التافهة ارعبتني وكدت افقد قدرتي على التصدي لها ولكن باللحظة الحاسمة عثرت على حجر في يدي لوحت به على الكلاب الثلاثة المهاجمة التي هربت بسرعة وتعجبت وانا غير مصدق ذلك ! كيف انتصرت بهذه البساطة ؟ بقيت هذه اللوحة المفزعة سبباً في استمرار خوفي من الكلاب ، وكنت احذرها عند سيري في المنطقة ودائما ما احمل عصاً معي متأهباً لاي مفاجاة مما تفوت علي فرص كثيرة للتمعن بتلك الحسناء التي اسمع صوت راحتيها وهي تفتح العجين لتضعه في التنور الذي الهب خديها وجعل وجهها يزداد حيوية وجمالاً وهو يحمر ويقطر عرقاً ، كنت مغرم بمشاهدة هذه اللوحة المبهرة ، كنت اذهب لمدرستي المتوسطة وانا احمل معي رائحة الخبز وجمال عيون فاتنتي ورشاقتها وهي تميل على التنور ، والتنور يتوهج ليضئ وجهها المغري ، لقد سمعت احدى البنات تناديها ـ سجودة يالله ما خلصتي ؟ امي جوعانة) الله ما اجمل اسمها ، وانا ساجد لله كل يوم لاتمتع بمشاهدتها وان يبعد الكلاب من طريقي ، واليوم يبدو انها لاحظت اعجابي بها فقد ابتسمت باستحياء شديد وهي تتناول الخبز من التنور ، واصبحت انا داخل التنور من شدة لسعة ابتسامتها ، اه يالسعادتي فقد مرت المحاضرات في ذاك اليوم بدون اي زيادة في معلوماتي فقد كنت اسبح في فضاء جديد جداً ولا يهمني ان افهم شئ او لا فلدي ما يكفيني من الافكار . لقد اصبحت الان ولهان في درس الجبر وفي خبازة الخبز سجودة … اليوم سيكون يوماً حاسماً ، سافاتحها بشئ ما ،،، وعدلت حالي ولبست قميص البني المقلم بالاسود وصففت شعري بامعان ووضعت نظارتي الشمسية ذات الاطار الازرق ورشيت من العطر الذي سبق واهداني اياه والدي ولمعت حذائي الاسود الذي كنت اشتريته من زبلوق قبل اسبوعين ونزلت الدرج وانا اغني اغنية عبدالوهاب (خايف اقول اللي في قلبي) ، وكدت انزلق مرتين حيث سمعت والدتي الحنونة تصيح ( اسم الله ، اشبيك يمّه ؟ وانا اردد في داخلي : اخ يايمة لو تدرين ابنك شناوي اليوم؟ المسافة من البيت الى تنور سجودة بحدود ٣ دقائق مشي بدون كلاب ونصف ساعة اذا طلعت الوحوش ،،،، والحمد لله وصلت ، واستجمعت قواي وشجاعتي ورايتها تخرج الخبز من التنور ويدور وجهها الى ناحيتي لترمقني وتبتسم ،،، وكانت فرصتي العظيمة : – صباح الخير – صباح النور ياعيوني ، حضرت الك خبزة مگسبة – زحمة عليچ … – بالعكس رحمة والف عافية … تناولت من يدها ذات الوشم الازرق الملائكي ،،،اجمل واطيب خبزة تنور اكلتها في حياتي ،،،