على المقاومة التفاوض مع الاحتلال مباشرة
د. إبراهيم حمامي
- حتى قبل أن ينجلي غبار المعركة الأخيرة وتضع أوزارها بدأ تجار الدماء والحروب بسن أسنانهم والتجهيز لحصد النتائج كما فعلوا كل مرة
- هؤلاء نوعان: الأول إقليمي حاقد يتستر بغطاء الحرص على وقف العدوان ليمنع تحقيق أي نصر سياسي للمقاومة من أي نوع ويعمل كسمسار للاحتلال، أما الثاني فهو فلسطيني متمثلاً بسلطة رام الله التي لا يخفى على أحد أن مصلحتها العليا هي تجريد المقاومة من كل إنجازاتها
- في معركة عام 2014 سلمت المقاومة دفة التفاوض مع الاحتلال لعزام الأحمد برعاية مصرية فكان ما كان من نتائج سياسية أجهضت كل الإنجاز العسكري في صد وهزيمة العدوان على قطاع غزة
- خلال الساعات ال 24 الماضية خرجت عدة تصريحات من رموز سلطة رام الله تتحدث أنها الجهة الشرعية الوحيدة المخولة بتلقي أموال إعادة الإعمار والإشراف على صرفها، كما صرح عباس أنه مستعد للجلوس على طاولة المفاوضات من جديد، وعادت حليمة لعادتها القديمة
- بل وصل الأمر لتخوينهم كل من يرفض شرعيتهم المزعومة وكل من يرفض إشرافهم على التفاوض واستلام وتوزيع أموال إعادة الإعمار حتى قبل أن تصل!
- ما حدث في الأسبوعين الأخيرين أسقط آخر ورقة توت عن سلطة رام الله ودورها في حماية المحتل وتمسكها بالتنسيق الأمني المرفوض شعبياً ووطنياً
- هذه السلطة التي ألغت الانتخابات المفترضة بحجة القدس ووقفت لشهر كامل تراقب القدس والأقصى وما يحدث فيها من جرائم وانتهاكات دون أن تحرك ساكناً
- في الوقت ذاته ما زالت الأطراف الفلسطينية الأخرى ترفض مواجهة سلطة رام الله ومحاسبتها تحت حجج وأعذار واهية من نوعية أننا في بيت واحد وهؤلاء إخوتنا وعلينا القبول بهم
- أما الراعي الإقليمي لاتفاق وقف النار وكما يرشح الآن فهو معني تماماً بألا تخرج المقاومة منتصرة من هذه الجولة ولهذا يعيد تجربة الماضي بالحديث عن مفاوضات “غير مباشرة” تعقب الهدنة المؤقتة المقترحة
- ولا ننسى أن الطرف المصري الذي يفترض أنه وسيط نزيه يتعامل مع غزة من منظور الملف الأمني، الوفود من الاستخبارات واللقاءات في مصر برعاية المخابرات، ولا وجود لأي دور سياسي كوزير خارجية يتصل أو يتواصل مع فصائل المقاومة كما تفعل الدول الأخرى
وعليه فإني أدعو وبوضوح أن يكون التفاوض مع الاحتلال مباشراً دون وسطاء ولا عملاء
مع التأكيد أنه لا موانع شرعية ولا أخلاقية لهذا الأمر، لكن ضمن المحاذير والضوابط التالية:
- التفاوض يكون فقط على شروط المقاومة وما يرتبط بها: وقف العدوان، المعابر، الأمور الحياتية، الأسرى
- لا تفاوض على الحقوق والثوابت تحت أي ظرف أو ذريعة
- التفاوض يكون على الطريقة الفيتنامية – الأفغانية وليس على الطريقة العرفاتية – العباسية، بمعنى أنها تتم في غرفة التفاوض فقط وبمسافة كبيرة فاصلة بين الطرفين، لا تحية ولا سلام ولا مصافحة ولا تصوير ولا ابتسامات ولا مأدبات طعام ولا زيارات ولا عناق ولا غيرها من المظاهر المخزية التي شهدناها في مفاوضات أوسلو وما تلاها
- التفاوض يتم دون شروط أو أثمان مسبقة، أي يبقى الإصبع على الزناد ويكون التفاوض من فوهة البندقية وعلى قاعدة حقنا في المقاومة قائم وباق، وإن عدتم عدنا
- الرد على أي اعتداء أو استفزاز من الطرف الآخر مهما كان، لقطع الطريق عليه من استغلال التفاوض لتحقيق مكاسب ميدانية
- عدم الانزلاق لأي اقتراحات أو مغريات بنقل التفاوض لأماكن مثل المنتجعات أو الفنادق الفارهة أو المنازل مما يُسقط الحاجز النفسي بين الأطراف
- الاستعانة بالخبراء كل في مجاله، وعدم الاعتماد على “فهلوة القائد الرمز” كما حدث في اتفاق أوسلو الكارثي
- الشفافية المطلقة والصراحة التام مع الجمهور والشعب الفلسطيني في كل المراحل، أي حديث عن السرية واتفاقات غير معلنة يعني بداية الانحدار والوقوع في الفخ، الأصل أنه لا يوجد لدى المقاومة ما تخفيه عن شعبها
- أن يشمل الفريق التفاوضي أطراف عدة تعكس الفسيفساء الفلسطينية وتدعم موقف المقاومة لكن بانسجام تام وتفاهم مسبق على الضوابط والمحاذير
- أن يكون التفاوض في مكان محايد تماماً ودون تدخل أو ضغط من المضيف
الأهم هو إخلاص النية ووضع الله ورضاه أمام أعين الجميع
والسؤال: ما الذي ستجنيه المقاومة من مثل هكذا تفاوض مباشر؟
هذه بعض الإيجابيات الهامة جداً وهي ليست قائمة كاملة:
- قطع الطريق على السماسرة والمتاجرين من خلال التفاوض غير المباشر – ولنا فيما حدث عام 2014 مثالاً
- إعلان غير مباشر أن من يمثل الشعب الفلسطيني اليوم هو من يدافع عن حقوقه لا من يفرط بها ومن يقف ويواجه الاحتلال لا من ينسق معه
- التأكيد أن من يحقق النتائج السياسية هو من دفع ثمنها وانتصر ميدانياً لا المتربص لحصد الثما، أو من قاعس وربما تآمر
- التأكد من ترجمة النصر الميداني لإنجاز سياسي واضح
- سحب البساط نهائياً من تحت سلطة رام الله وادعاءها بالشرعية الوهمية دون الدخول في مواجهة معها، ولتستمر كما تشاء باللقاءات وفتح السفارات والتصريحات، لكن عندما يتعلق الأمر بالمعركة ونتائجها فهم خارجها تماماً، كما أنه لم يكن لهم دور فيها، لا يجب أن يكون لهم دورها بعدها
- إصباغ شرعية مستحقة للمقاومة بأنها العنوان ولا اتفاق دونها
- تصحيح بوصلة التفاوض ضمن الضوابط الشرعية والوطنية بدلاً من نهج التفريط والعبث
- إعادة الاعتبار للنهج المقاوم والالتفاف حوله من خلال إشراك الجميع في القرار ضمن مبادئ الشفافية والوضوح والصراحة
- حرمان الاحتلال من التنصل من أي اتفاق بحجة أنه لم يعد ولم يقل وأن هناك خطأ في النقل، أو إنكار وجود اتفاقات غير معلنة من الأساس
لكن أليس هذا سيراً على نهج فتح الذي بدأته، شبراً بشبر وذراعاً بذراع؟
مطلقاً شرط أن يتم ضمن المحاذير والضوابط الشرعية والوطنية
وبالعكس لأنه يجب الاستفادة من حقيقة أن النهج الفردي العبثي الذي بدا قبل عقود لا يُثمر ولا يُنجز وأن كل تنازل يتلوه مطالب بتنازل أكبر
والأهم أن البديل هو جولات أخرى من التضحيات والدماء وتحقيق إنجازات ميدانية تتم سرقتها وتجريدها من الهدف السياسي المطلوب
نهج فتح يجب أن يشكل حصانة تلقائية لعدم تكراره وتجريبه من جديد، بل الاستفادة من كوارث هذا النهج
كيف يمكن تحقيق ذلك خاصة أن العالم ربما لن يقبل إلا برام الله طرفاً؟
اليوم ليس كالأمس، ولأول مرة يُقر الاحتلال وقفاً للنار من طرف واحد دون تحقيق أي إنجاز، وهذا بكل المقاييس هزيمة سياسية ونفسية ومعنوية هي الأولى على الإطلاق في تاريخه…
- ما حدث في 11 يوماً من المواجهة قلب كل المعادلات والموازين وفرض واقعاً جديداً
- لم يعد الاحتلال في وضع يسمح له بفرض أجندته أو اختيار من يُفاوضه بعد اهتزاز صورته بشكل غير مسبوق
- بل أن العالم بدأ بالفعل بالتعاطي مع قيادات المقاومة من خلال اتصالات لمسؤولين دوليين وأمميين لبحث وقف إطلاق النار أو الهدنة المؤقتة
- إن أعلنت فصائل المقاومة أنها غير معنية باي مفاوضات تجري إلا إن كانت من خلالها فلن يجد العالم مفراً من ذلك
- عالمياً وبسبب أداء المقاومة أصبحت الأطراف الفاعلة دولياً أكثر تقبلاً من قبل لهذا الأمر
- ولا ننسى حجم الدعم والتعاطف ليس الشعبي فقط بل حتى شبه الرسمي بما فيه في الدول الغربية، وهذا عامل ضاغط لا يمكن الاستهانة به
- من الضرورة بمكان وجود داعم إقليمي قوي يسند ظهر المقاومة في فرض نفسها طرفاً اصيلاً في المعادلة السياسية بعد إنجازها العسكري
أعتقد جازماً أن ذلك واقعي وممكن وقابل للتحقيق شريطة اقتناع الأطراف المعنية، وأعني هنا المقاومة التي عليها الإصرار أنه لا تفاهمات ولا هدن إلا من خلالها مباشرة…
وأخشى ما أخشاه أنه دون ذلك سنعيد تكرار تجارب المواجهات السابقة لنبقى رهائن مزاج الاحتلال ومن يدعمه فلسطينياً وعربياً، ولتضيع التضحيات هباء دون تحقيق الإنجاز السياسي الذي يليق بتلك التضحيات وحجمها.
ليس من المقبول حدوث ذلك، وليس من المعقول تضييع إنجازات المقاومة خلال المواجهة التي ما زالت مستمرة، وما يحققه الإنجاز الميداني يضيع إن لم يُترجم سياسياً
آمل بصدق أن تتم دراسة هذا الأمر وبأسرع وقت ممكن
اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد
20/05/2021