عشرون سنةً على الأكثر، يدعو فحول السياسة إلى الوحدة الوطنية، والإتلاف الاجتماعي ومحاربة الطائفية وتخييط الشق الصف الوطني بمخيط العراق، ورفع الظلم عن العراقيين وانصهار العداوة والبغضاء ما بين الأديان والى ما هنالك مما هو من هذا القبيل من الأمور التي نراها ونتناولها ونعمل بها دائماً بالمقلوب. هل السياسيون مختصون حتى في قراراتهم؟.. هل سيبقون أعداء حتى الفناء؟. سؤالان يمرّان في العقل بقوة ولا جواب لهما يشفي الغليل.. كلما اتفقوا على ما يجمع صفوفهم المتنافرة المتقاتلة، نراهم انفسهم “غاطسين” حد اللعنة في تحقيق ما يفرّق ويباعد ويفتّت الصف الوطني والوطنية والدين. ويقولون عكس ما يفعلون، أي أن أيديهم وأرجلهم تسير عكس ما تعلنه ألسنتهم.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، لأن في بعض الحصر ضررا.. منذ تحرر العراق من سطوة ـ هدام – وحزبه الأوحد، وهمجية السلطة الدموية، نسمع من أفواه السياسيين : بأن لا طائفية بين العراقيين، وأن تعايش المذاهب والأديان المتعددة في العراق هو ميزة وطنية للعراق. ولكن ومنذ سقوط الطاغية وأعوانه، والعراقيون يرون التناحر والخلاف والتوتر والتآمر، والتكاذب والتقاذف والتكفير والتفسيق، والتفسيد، والتجريم، ونصب المكائد، وفتح ملفات فساد مخزية وتسقيط الشريف، ورفع الواطي والمتخلف، كلها مناهج داخلية بين المتحزبين والمتكتلين والمتجمعين والمتمذهبين والمتدينين وحتى المدنيين.. وهي حقائق ما تنطوي عليه نفوسهم .
وكل هذه المقلوبات والتقلبات في السياسة العراقية.. كان الرجل الحكيم والوحيد الذي يعدل انحرافهم وانحراف الآخرين، ويذكّرهم إن نفعت الذكرى هو ” السيد علي السيستاني”، وحين زادت بلواهم وكبر فتق الخلافات بينهم ودخل (داعش) يمزق على راحته الوطن والمواطن، جاءت الفتوى المقدسة التي لا تزال تعمل في حفظ دماء العراقيين بالتساوي، وتحمي العرض والأرض والمقدسات، وترسم حدود السلام رغم الأبواق والأقنعة والازدواجية والمصالح التي تثير الفتن. والعجاج العاصف على تشويه حكمة السيستاني.
ولأن سيد علي السيستاني رجل له كلمة واحدة وخط ديني واحد، اليوم يقف العالم كله له بإجلال، والكل يتمنى لقاءه والتحدّث إليه وفك سره العظيم عند الله.. اليوم قد أغلقت كل الأفواه وفتحت كل العيون والآذان تنظر وتسمع ماذا سيطلب البابا فرانسيس؟. وبماذا سينصحه السيد السيستاني ؟. من أجل الإسلام والعراق. ولمرة واحدة في حياة السياسي العراقي، مرة واحدة عليه أن يبدأ سياسة جديدة وان يعتمد عن قصد هذه المرة الى الاستماع للسيد السيستاني. ونحن المواطنين المختلفين على كل شيء مذاهبنا متناقضة، أدياننا متناقضة، وليس لدينا ما نجتمع حوله سوى المؤامرات وطرائق الموت… عليهم بعد هذه الزيارة العملاقة لأعظم شخصية إسلامية تقود المسلمين، أن يجتمعوا حول الإمام السيستاني ولا يسيروا عكس الاتجاه.. فكل الذي مرّ على العراقيين من سياسييهم حول الوطن والوحدة والدين وغيره “كذب”.. والشيء الحقيقي الوحيد ما يقوله السيد السيستاني، هو الخط واضح المعالم في بناء الإنسان العراقي بكل مذاهبه وطوائفه، أن يعيشوا في سلام في بلد عريق اسمه ” العراق”.
هذه التجربة العالمية والعملية في لقاء الأب الروحي للعراقيين والبابا فرانسيس.. اذا لم يسر السياسيون وغيرهم بالاتجاه الصحيح والثابت وحاولوا ان يقفوا بالمقلوب سيبقى الوضع على ما عليه من ألم وفاقة وحرمان وفساد.. الخ، ويفني احدهم الآخر في طرائق الموت المستوردة حسب أجنداتهم.. وأملهم أن لا يبقى في العراق من يقول أنا من أصل عراقي.