الصابئة المندائيون يحتفلون بعيد البنجة ذكرى خلق وتكوين عالم الأنوار
حسين العامل
احتفل ابناء طائفة الصابئة المندائيين أمس الثلاثاء بعيد البنجة او (البرونايا)، ذكرى خلق وتكوين عوالم النور والأرواح الأثيرية الأولى والذي يعد من أهم الأعياد المندائية ويتواصل الاحتفال فيه على مدى خمسة ايام.
ومنذ ساعات الصباح الأولى توافد على المندي (مركز عبادة المندائيين) العشرات من ابناء الطائفة للاحتفال بعيد البنجة الذي يعد احتفالا دينيا أكثر مما هو عيد إذ تجري في ايامه الخمسة التي أخذت اسمها المحلي من اللغة الفارسية احتفالية تعميد على شواطئ الأنهر أو في المندي.
وعن الاحتفال بالعيد يقول رئيس مجلس أبناء الصائبة المندائيين في ذي قار، سامر نعيم، في حديث إلى (المدى)، إن “ابناء الطائفة المندائية يحتفلون بعيد البنجة وهو خمسة ايام مباركة ومقدسة عند المندائيين ففيها تجلت عظمة وصفات الخالق وحكمته بخلق عوالم النور والأرواح الأثيرية الأولى”.
وأضاف نعيم، أن “الاحتفال بالعيد يتضمن طقوس التعميد واقامة الصلوات ومأدبة طعام (لوفاني) كثواب لأرواح الموتى فضلا عن تبادل التهاني والزيارات”.
وأشار، إلى أن “عيد البنجة يمثل فرصة لتنقية النفوس وتطهير القلوب ومناسبة للتجمع والتآزر وإشاعة المحبة والتسامح والغفران والصفح وتنقية الأجواء بين أبناء الطائفة”.
وتعتبر ايام البنجة الخمسة أياما مقدسة ومضيئة كونها تمثل فجر الحياة المكتمل والخلق العظيم الأول، ولا تحتسب أيام الخلق الخمسة ضمن التقويم المندائي، وهي في العقيدة المندائية كيوم واحد لا فرق فيها ما بين الليل والنهار من حيث العبادة وممارسة الطقوس الدينية.
وتأتي البنجة بعد الثلاثين من شهر شمبلته المندائي وقبل اليوم الأول من شهر قينة وأيامها غير متطابقة مع التقويم الميلادي فهي تتغير كل أربعة أعوام كون أشهر التقويم المندائي تتكون من ثلاثين يوما فضلا عن أيام البنجة الخمسة.
والبنجة أو (البرونايا) كما يحب ان يسميها رجال الدين المندائيين من اسعد أيام السنة كونها أياماً نورانية لا يخالطها ظلام وأيامها كالآتي: اليوم الأول (ايلايا ربا – الرب العظيم) واليوم الثاني (مارا ادريوثا – رب العظمة) واليوم الثالث (مندا دهيي – عارف الحياة) واليوم الرابع (ادموث كشطا – رب الحق) واليوم الخامس (المياه الحية الجارية) وايام البنجة الخمسة بحسب اعتقاد المندائيين هي يوم واحد لا يداخله ظلام لذلك فإنها من حصة النفس المعرجة إلى أصلها الحياة الأولى.
وفي البنجة يرتدي الصابئة المندائيون ثياب التعميد الدينية المتمثلة بالرسته التي تتكون من خمس قطع بيض هي (الكسويا – القميص) و(الشروال – السروال) و(البرزنقا- العمامة) و(النصيفة – الوشاح) و(الهميانة – الحزام) وهذه الأخيرة عبارة عن حزام من الصوف يتكون من 61 خيطا وهو أقدس جزء في الرسته.
ويعد طقس التعميد (الارتماس بالماء) من اهم طقوس الاحتفال بالأعياد المندائية والمناسبات الدينية الاخرى، اذ يصور أحد شيوخ المندائيين طقس التعميد قائلا “الماء هو الذكر والارض هي الام والانسان حين ينزل الماء يصبح جنينا وبعد التعميد يولد الانسان من جديد، لان التعميد يغفر الاخطاء غير المقصودة اما المقصودة فغفرانها عند الله”.
وتقام في عيد البنجة وجبات طقسية على أرواح المتوفين يقدم خلالها اللحم والسمك حسب قدرة أهل المتوفى وكذلك تقدم الصدقات للمحتاجين في هذه المناسبة في حين يعد الزواج وممارسة الجنس وكل ما تحرمه الديانة المندائية من المحظورات في هذه الأيام الطاهرة.
ويحتفل الصابئة المندائيون الذين يبلغ تعدادهم نحو 60 ألف نسمة في جميع انحاء العالم سنويا بأربعة اعياد ومناسبات دينية رئيسة هي (البرونايا) عيد الخليقة و(الدهفة ديمانه) يوم التعميد الذهبي و(الدهفة ربة) العيد الكبير و(الدهفة حنينا) عيد الازدهار فضلا عن الاحتفال بثلاث مناسبات اخرى لا تقل اهمية عن الاعياد الرئيسة هي مناسبتا ابو الفل وابو الهريس وشيشان عيد.
ويقدر عدد أبناء الطائفة المندائية في محافظة ذي قار، بنحو ثلاثة آلاف نسمة، يتوزعون على مناطق الناصرية وسوق الشيوخ والشطرة وغيرها، ويعرف عنهم كباقي الأقليات في العراق بأنهم من الأشخاص المسالمين ويمتهنون التجارة، وتكرر تعرض أفراد ومسؤولين منهم إلى الاستهداف في السنوات الأخيرة.
وتعتبر الديانة المندائية من أقدم الديانات الحية في العراق، وأول ديانة موحِدة في تاريخ البشرية، وبحسب مصادر تاريخية مختلفة فإنها نشأت في جنوبي العراق، ومازال أتباعها يتواجدون في المحافظات الجنوبية، بالإضافة إلى إقليم الأحواز في إيران، كما يوجد الآلاف منهم في الولايات المتحدة ودول أوروبية أبرزها النرويج واستراليا والسويد وهولندا، حيث هاجروا إليها واستقروا فيها في غضون العقدين الماضيين.
وقد ورد ذكر (الصابئين) اتباع الديانة المندائية في عدد من الآيات القرآنية من بينها سورة البقرة {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.
وعرف عن الصابئة المندائيين عملهم في صياغة الذهب والفضة وتجارة المجوهرات، ولأبناء هذه الطائفة مركز مرموق في هذا المجال.