هل أنفقنا ما يزيد عن قرن نحرث البحر؟
حسن خضر
صار اسم وائل حلاّق (فلسطيني، كندي الجنسية، يشتغل في الأكاديميا الغربية) محط اهتمام بعد فوزه بجائزة سعودية للدراسات الإسلامية 2024 وبعدما تولى مركز للدراسات في الدوحة، القطرية، ترجمة كتابه “الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي” إلى العربية قبل سنوات. حاولت قراءة الطبعة الإنكليزية للكتاب، وألقيت بها جانباً بعدما اتضحت فرضياته الأساسية.
أهم الفرضيات أن الدولة الإسلامية، أي دولة الشريعة غير ممكنة لأنها لن تكون مقبولة بمفاهيم الحداثة الغربية، فهي تصدر عن منظومة مختلفة من التصورات والمفاهيم والقيم حول الفرد، والدولة، والمجتمع السلطة..الخ. يبدو التضاد بين مفاهيم الحداثة، والدولة الإسلامية، لحظة صدام مأساوية بين نظامين مختلفين للقيم، ولكن خلاصة كهذه تبدو غير مُقنعة في نظر الحلاّق، الذي يُلقي طوقاً للنجاة، نظرياً على الأقل، لدولة الشريعة، في صورة نقد للحداثة الغربية ومأزقها الأخلاقي.
ترجمة القطريين هي التي حرضتني على محاولة قراءة كتاب حلاّق، لا من باب البحث عن معرفة جديدة، بل من باب البحث عمّا جعل من كتاب كهذا “مغرياً” في نظر هؤلاء و”مستشاريهم” الثقافيين. بحثي عمّا سوّغ الكتاب في نظر ناشريه يندرج في باب العلاقة بين “المعرفة والسلطة والإنشاء” العنوان الفرعي الذي وضعه إدوارد سعيد للاستشراق، وبنى عليه كل مشروعه النقدي.
ولا يبدو من قبيل المصادفة أن يصبح سعيد هدفاً لنقد الحلاّق بدعوى عدم التخصص، وهي بالمناسبة التهمة نفسها التي ساقها برنارد لويس في نقدة “للاستشراق” لأسباب مختلفة بطبيعة الحال.
على أي حال، فلنعد إلى موضوعنا، ما الذي جعل الحلاّق مغرياً إلى هذا الحد (دعك من حكاية نشر التراث الفكري العربي، ونقله على العربية، فهناك “أطنان” من الإنتاج الذي يمقته هؤلاء، ودعك من حكاية محبة الإسلام وتشجيع الدراسات الإسلامية، فهناك، أيضاً، دراسات يمقتها هؤلاء) أين المفتاح، إذاً؟
أعتقد أن المفتاح يكمن في هندسته للتضاد بين منظومتين للقيم، وما يلحق بالمنظومة الإسلامية من غبن إذا ما قورنت بمفاهيم الحداثة الغربية، فما من مقارنة تنصف الأولى إلا إذا جاءت في صورة نقد للثانية (أي للحداثة الغربية).
وهذه هندسة مُلفقة ومدهشة، بالفعل، وأهم سماتها قابليتها العالية للتعميم. فنموذج الدولة الإبراهيمية (لا دستور، ولا أحزاب، ولا برلمان، ولا معارضة، ولا مساواة) الذي يتناقض مع نموذج الدولة القومية الحديثة، قد يجد ما يبرره في مشروع فكري لنقد الحداثة الغربية (ونموذج الدولة القومية الحديثة من بناتها)
وبهذا يتعادل نظامان للدولة على طرفي نقيض، بل وقد تبدو الدولة الإبراهيمية نفسها أكثر أصالة وتمثيلية وتطابقاً مع شرطها التاريخي، وموقعها الجغرافي، وهوية مواطنيها. وبهذا المعنى، تبدو المراكز الحضرية والحضارية للعالم العربي، المفتونة بالحداثة الغربية، والمجروحة بها، وكأنها أنفقت قرناً من الزمان تحرث البحر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعتقل ملك من ملوك العرب رجلاً من إحدى القبائل البعيدة ! فجاءت قبيلته بشيوخها و بأمرائها وفرسانها تسأل عنه وتفديه أو تشفع فيه فقال الملك لتلك الحشود الضخمة : من هذا الرجل الذي جئتم جميعآ لأجله وللشفاعة فيه ؟ فقالوا بصوت رجل واحد ☝️ هو ملكنا ⚜️ أيها المل…