مغترب يصف حاله
جميل حسين الساعدي
هذه القصيدة هي لسان حال الكثيرين ممن دفعتهم الظروف القاسية إلى مغادرة أوطانهم من أجل عيشٍ كريم، لكنهم فوجئوا بقسوة من نوع آخر. وهكذا تستمرُّ المعاناة إلى ما لا نهاية .ألقيت القصيدة في الحفل، الذي أقامته الجامعة العربية في برلين بتاريخ 20.11.2006 تحت شعار (يوم المغترب العربي)، والذي حضره سفراء الدول العربية المعتمدون في ألمانيا، وقد وجهت لي الدعوة من الجامعة العربية كممثل للشعراء العرب في المهجر
……………
عُمُـــرٌ مــــرّ ولمْ يبلغْ مَرامـــــــــهْ
وجـــــــرتْ أعوامهُ جرْي َ الغمـامـهْ
وشــبابٌ قدْ قضـــاهُ مُرغمـــــــــــا ً
في بلادِ الثلْج ِ حزنــــــا ً وندامــــــهْ
حيرةٌ كالظــلّ تمشــــــــــــي مَعَــهُ
أرّقتـــــــهُ سلبتْ منـــــهُ مَنــــــــــامَهْ
كلُّ شــئ ٍ حـــولــهُ يرفضـــــــــــهُ
فغـــدا يضـــرمُ للوهـــم ِ هيــــــــامَهْ
أمـــــــــــلٌ عاشَ لـــــــهُ مُغتربـــا ً
هــا هوَ الآن هنـــــا ينعــــى حُطامَـهْ
عـــالمٌ يقطرُ ليلا ً لمْ يَعُـــــــــــــــدْ
لضيـــــاءٍ فــي سَمـــاهُ مِنْ علامــــهْ
فهْوَ مــــــــا عاشَ هنــا مُتّـــــــــهمٌ
مُذنـبٌ ، لا بدَّ مِـــــــــنْ دفْعِ الغرامهْ
سعْيـــهُ أضحى ســــرابا ً لمْ يَجِــــدْ
غُصْـــن َ زيتون ٍ ولمْ يلق َ حَمامــهْ
حالمٌ بالخيْرِ ضاقتْ أرضـــــــــــهُ
برؤاهُ فمضى يبغـــــــي مرامــــــهْ
سَخَـــــــرت منه ُ الأمــــانيُّ وفــي
كلِّ صوْبٍ نَصَب َ اليأسُ خيامَـــهْ
هَجَــــرَ الأوطــانَ كي ينجو من الـ
ــظلْم ِ لكـــــنْ وَجَـــدَ الظلْمَ أمامهْ
****
أيّـــها الشــاكي أنـــا مثْلـــكَ قــــد
ضِقْـــتُ بالمنْفـــى وقاسيتُ سَقامَـهْ
زمــــنٌ عانيتَ مِـــــن قســــــوتهِ
نفســهُ خلّــفَ في صدري سهـــامهْ
إنّــــــهُ الهمُّ الذي أسكرنــــــــــي
يا صديقـي لا أباريقُ المُــــدامهْ(1)
مرّة ً حدّثنـــي مُسْتفْســـــــــــــرا ً
صاحـبٌ ثبّــت َ في نفسي احترامهْ
ســـاءهُ حــــالي فأبدى دهشـــــة ً
وأنـــا أذكرُ ــ ما عِشْــتُ ــ كلامــهْ
أنتَ موهــــوبٌ مُجِـــــدّ ٌ عاقـــلٌ
لكَ مِنْ طَبْعِــــــك َ حصنٌ ودعامـهْ
والشهادات التي قـــــــد نلتَـــــها
تنفــــعُ الإنســــانَ لا تخفــي مقامهْ
قلتُ قــد علّقتُـــــــــها فـي حائـط ٍ
وتمنيّـــتُ لهـــا طُـــولَ الإقــــــامهْ
مـــــرّة َ حاولــتُ أن أحرقــــــها
غير أنّـــي خفتُ مِــنْ أهْلِ الملامـهْ
فتركتُ الأمْــرَ وانســــابتْ علـى
شفتـــي سخريــــــة ً شِبْهُ ابتسامــهْ
قُلـــــتُ فـــي نفســي إذا مُتّ غدا ً
ربّـــــما تنفعنــــــــي يومَ القيامــــهْ
………………
(1) المُدامـــــةُ: الخمر