رثاء صديق
جميل حسين الساعدي
الصديق الصحفي عصام الياسري
أرسل اليك هذه القصيدة الموسومة (رثاء صديق) التي كتبها منذ سنوات في رثاء صديق لي مواساة لكم في المصاب الجلل الذي ألمّ بكم بفقدان شقيقك المهندس المعماري شوذب الياسري … وتذكيرا بما يعانيه الإنسان من لوعة وحزن بفقدان الأحبة …….
أوفـــى الصحــــابةِ والارزاءُ تجتمـــعُ
همــا العجولانِ دمْــعُ العـيـنِ والفّزَعُ
نجري لننتزع َ الأثمارَ فــي عَجـَــــــلٍ
وثمَّ مِــنْ فوق هذي الأرضِ نُنتـــزعُ
ويقتلُ البعضُ منّــا البعضَ عـنْ طَمَـعٍ
فيستحيـــــــلُ تبابا ً ذلكَ الطمـَــــــــعُ(1)
يقتادنــــــا العيشُ في ركْبِ المنونِ فما
يصدّنـــــا عنهُ لا رَيْث ٌ ولا سَــــرعُ(2)
حتّــى إذا أدركَ الإنســانُ مـا اطّلعَــتْ
عليهِ عيْــنٌ (وما راءٍ كمنْ سَمِعــوا)(3)
راحتْ تُنسّيــهِ ذكرَ الموتِ تسليـــــــة ً
شتّــى صنوف ٍ مِن الإبداعِ تُبْتـــــدعُ
الأرضُ لمْ تكُ إلّا صخــــــــرةً عميتْ
لكنْ بنثّ خيـــالٍ وَجْهُهــــــا مَــــرِعُ(4)
كانتْ ظلامـــا ً فألقــى اللهُ شعلتــــــهُ
عقلا ً بأنوارهِ الظلمــــاءُ تنقشــــــــعُ
وقــالَ كُنْ سيّـــدَ الأشيــاء أجمعـــها
أنتَ القويّ وكلٌّ عاجــــــزٌ ضَــــرَعُ(5)
سبحــانَ مَنْ جعـــلَ الآفــاقَ هائمــة ً
فـي أفْقِ عقــلٍ على الأبصــارِ يمتنعُ
حواهُ جُـــرْمٌ صغيـــرٌ في لفائفـــــــهِ
خرْقٌ لهــــذا الوجودِ الرحْــبِ يتّسِـعُ
لكنّــهُ رغْمَ أنَّ الكــــونَ خادمـــــــــهُ
يكبــو فتركبـــهُ الأهــــــــواءُ والبِدَعُ
***
يــا راحلا ً عـنْ مغانينــــــا أراجعـةٌ
أيّــــأمُنا تلكَ أمْ وَلـــّتْ فلا مُتَـــــــــعُ
أقســـى السويعاتِ عندي مـا أصادفها
وقت الرحيـل ِ ففيـها الحُزنُ والجَزَعُ
إنّي ليؤلمنـــــي بُعْدُ الصديقِ فمــــــا
أنفكُّ فـــي جاحــمٍ بالجمْـرِ أنتجـــــــعُ
فكيفَ إنْ كانَ يومـــا ً مَــنْ نودّعُــــهُ
لا يُرتجــــــى منهُ عَوْدٌ حيث ُ نجتمعُ
مِمّـــا يُضاعفُ بلوانـــا تصوّرنــــــا
بأنَّ إرجاع َ شــئ ٍ فاتَ مُمْتنِــــــــــعُ
لكــنْ يُخفّفُ عنّــا بعضَ لوعتنــــــــا
أنّ الذي غابَ عنّـــا سوفَ يُرْتَجَــــعُ
أبــا علاءٍ وقلبـــــــي الآنَ مُعْتـَصـَـرٌ
يكادُ مِــنْ قَفَصِ الأضـلاعِ يُنْتَـــــزعُ
ماذا عسى واجدٌ في الحَرْفِ مِنْ سعةٍ
والجُرْحُ يخــرقُ أعمــــــاقي ويتّسـعُ
لئِنْ رمتَـــــكَ الليـــالي مِــنْ كنانتــها
فقـــدْ وقعـتُ أنـــا مِــنْ قبلمــــا تَقَـــــعُ
وافـــاكَ سهْمُـــكَ قتّالا ً علـــى عَجَلٍ
فحطّ عنكَ عنــــاءً ليسَ ينقطــــــــــــعُ
لكنَّ سهْمـــا ً رمانــي قدْ أضــافَ إلى
تلكَ الجراحـاتِ جرحــا ً فوقَ ما أسَــعُ
فمــا أنا بالذي تُرْجــى سلامتـــــــــهُ
ولا أنـــا ميّتٌ كيْ يذهــبَ الوَجَــــــــعُ
أنبيكَ أنّــي وقــــــدْ فارقْتَ ما هدأتْ
هواجســـي فهــــيَ كالثعبـــانِ تندفِـــعُ
تقتاتُ لحْمـي وتُسْقى مِن مسيلِ دمي
أنظرْ تجـِــدْ سحنــة ً كالورْسِ تمتقـــعُ(6)
أنظرْ تجدْ فــي عيونــي أيّ مُنتجَـــعٍ
يصطـــافهُ الحزنُ منْ دهــرٍ ويرتبـــعُ
عاقرتُ كاساتــــه أدري عواقبهــــــا
مثل السكــارى بحبّ الخمْرِ قد ولعــوا
أبا علاءٍ لماذا الأرضُ فــي نظـــري
سوداء لا جلوةٌ فيــــها ولا لمــَـــــــــعُ
أينَ الضيــاءُ أغارَ الضوءُ وانبجستْ
عيــــــنُ من الليلِ لا تُبْقـــــي ولا تَدَعُ
لمّا رأى الصَحْبُ أنّـــي تالفٌ أسفـــا ً
عليكَ والنفسُ فــي كفّ الأسى قِطـَـــعُ
قالوا تجلّدْ وكــنْ بالصبرِ مُعْتصمــــا ً
الصبْـــرُ درعٌ بــــــــه المفجوعُ يَدّرعُ
ألفيتُ نفســـي وقـدْ صبّرتُـــها سلفــــا ً
كمبصــــرٍ يدّعـــــــي جهلا ً بمــا يَقَعُ
وهلْ تبقّتْ ــ وأنتَ القصْـــدُ ــ أمنيـة ٌ
فكيفَ لِـــي بدواء الصبْـــرِ أنتفِــــــــعُ
قدْ هدَّ يومـــــكَ حَوْلـي رغم معرفتي
أنّ الليالــــي مُريعـــاتٌ بمـــــا تَضَــعُ
نمْ في الثرى يــا رفيقـي دونما شَجنٍ
وخلّني في خضــــــمّ اليأسِ أ ُبْتلــــــعُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هو استاذ الفيزياء حسين ( أبو علاء) الذي فارق الحياة منذ مدة طويلة جراء حادث اصطدام حافلة بالسيارة التي تقله هو وأربعة من زملائه
(1) تباب: خسران وهلاك
(2) سَرَع: عجلة وإسراع
(3) ( وما راءٍ كمن سمعوا) إشارة إلى بيت الشاعر العربي القديم
يا ابن الكرام ألا تدنو لتبصرَ ما
قد حدثوكَ فما راءٍ كمنْ سَمِعَــا
(4) مَرِع: خَصِب
(5) ضَرَع: ضعيف
(6) الورْس: بزر أصفر يجلب من اليمن ويدخل في البخورات