تغريد أحمد.. كاظم غيلان .. حول كتاب عبد الحسين شعبان
عن مظفر النواب
الكتابة عن تجربة استثنائية في عالم الإبداع جمعت الصوت بالصورة، والقول بالفعل لم تكن باليسيرة أبداً، انها تستدعي الإحاطة بكل ما خاضها صاحبها وعبر سنوات التجربة بكل ما
فيها.
فكيف إن كانت تلك تجربة شاعر كمظفر النواب، الذي يسجل له الفتح الأول لما حصل من انعطافة عدت خلقاً ابداعياً في شعر العامية العراقية منذ أول إصدار له (للريل وحمد).
وما حققه في شعره المكتوب بالفصحى الذي انطلق به منذ إقامته الأولى في منفاه، الذي اختاره قسراً وكانت بيروت أولى محطاته في العام 1969، فكانت قصيدته التي انحازت للقضية الفلسطينية (وتريات ليلية) الصدى والحضور المستمر ليومنا هذا.
الكاتب والباحث د. عبد الحسين شعبان، في اصداره الجديد ( مظفر النواب.. رحلة البنفسج) الصادر عن (دار النهار) البيروتية وبواقع (240) صفحة من القطع الوسط كشف العديد من خفايا وأعماق هذه التجربة، وعبر العديد من المحاور، فضلا عن اضمامة عزز بها جهده، وهي مقالة للكاتب الراحل جاسم المطير كان قد نشرها على صفحته الشخصية في فيسبوك ضمن سلسلة مقالات عن النواب.
خاض شعبان في تفاصيل المتنين الحياتي والابداعي للشاعر، وبهذا يكون من الأهمية في هذا التفرد كثالث لكتابين سبقاه هما ( مظفر النواب – حياته وشعره) لباقر ياسين و( مظفر النواب.. في أعالي الشجن) لحسين الهنداوي – الذي أضاف الأكثر، من خلال رفقته للنواب في تجربة سياسية جمعتهما، كشف لنا بعض المخبوء من الوقائع.
في اصدار شعبان هذا نقرأ عن الشعرية والشاعر/ المبدع والمكان/ المحكي والفصيح والاغتراب.
وبعض هكذا محاور مرت على القارئ لهذه التجربة، ولكن ليس بالتفاصيل الدقيقة كما يوردها شعبان، إذ عززت حوارات له مع النواب بحكم عامل الصداقة الكثير مما لم نطلع عليه سابقاً.
(شاعر التجديد والحواس المتأهبة) هذا محور تناول خلاله المؤلف عن تجربة مظفر في شعر العامية، وما حققه لهذا اللون الإبداعي من كشوفات جمالية لم يكن مألوفاً لدى من سبقوه من شعرائه، وبهذا عد فتحاً ومغايرة عن كل ما هو
مألوف.
يكشف المؤلف زهد مظفر عن النشر وتردده الدائم وما حصل لقصائده من تشوه عبر إصدارات حملت اسمه لأغراض تجارية كما في أعماله الشعرية الكاملة، التي راجت في سوق الكتاب العراقي والعربي دون علمه، ولا حتى الأخذ بموافقته بيد أن الشاعر وباعترافه عبر عدة حوارات لم يصدر من شعره المكتوب بالفصحى سوى مجموعتين هما (وتريات ليلية) و(قراءة في دفتر المطر)، أما ما صدر له في شعره المكتوب بالعامية العراقية فليس سوى (للريل وحمد) و(حجام البريس).
عدا ذلك جمعت بعض دور النشر دونما وازع أخلاقي مهني قصائد له عبر المتوفر من تسجيلات صوتية للشاعر، في فعاليات كان يحييها في العديد من العواصم العربية والعالمية، ولم تكلف هذه الدور نفسها سوى تفريغها على الورق، ولربما هي حالة سائدة في انتهاك الملكية الفردية للكاتب العربي في ظل العديد من أنظمة تجاهلت حقوق الإنسان أصلاً.
في واحدة من محاور الكتاب يكشف شعبان عن تقاسم النواب جمهور الشعر مع تجارب أخرى مثل ابو كاطع، محمود درويش، نزار قباني؟
ولكل من هذه التجارب مميزاتها بين سخرية غلبت موضوعاتها وجماليات خطابات عانقت العشاق، حتى كادت تصبح رسائل متبادلة، أما النواب فقد جمعها كلها عبر إلقاء شعري مسرح هادئ تارة وأخرى غاضباً.
فضلا عن ما توفر في تجربته من مواهب أخرى غير الشعر، ولعل أبرزها تجربته في الفن التشكيلي، حيث كان أحد جماعة الانطباعيين حيث يرى في شخص رائد هذا اللون (حافظ الدروبي)، استاذه الذي نهل منه اللون وفلسفته.
شهدت تجربة النواب تصدياً وحظراً رسمياً من قبل الحكومات وبعض أحزابها الحليفة، ويكشف المؤلف عن الموقف الشجاع النادر الذي تبناه المثقف والشخصية الوطنية العراقية ( د. صلاح خالص) عبر مجلته العريقة (الثقافة)، إذ تبنى نشر العديد من دراسات تناولت النواب كاسراً جدار الحصار الإعلامي الذي فرض على اسم الشاعر في ظل التحالف بين الشيوعي وحزب السلطة عند سبعينيات القرن الماضي، ولربما كشف عنه شعبان في هذا الإصدار بعد أن قرأنا تلميحات خجولة هنا وهناك قبله.
ألحق الكتاب بالعديد من قصائد النواب بالعامية والفصحى مثل (وتريات ليلية، المساورة أمام الباب الثاني، الرباعيات، المنفى كالحب)، يبقى هذا الكتاب من الأهمية بمكان لأن يكون واحداً من مصادر البحث عن تجربة مظفر النواب شاعراً ومناضلاً وطنياً منحازاً لقضايا الإنسان والحرية والعدالة.