بعد عشرين عاما على احتلاله.. العراق بلد تحكمه المليشيات
تجمع نحو عراق جديد
قبل عشرين عاما قامت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بغزو العراق، بحجة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل. واتضح لاحقا بأن هذه الحجة كانت مفبركة من قبل المخابرات الأمريكية والبريطانية بالتعاون مع بعض الأشخاص والقوى السياسية العراقية. وبعد أن انفضحت هذه اللعبة، غيرت الولايات المتحدة أهداف الغزو مستعملة كحجة “بناء عراق ديمقراطي”.
وساهمت بالتحضير لغزو العراق بشكل فعال منذ عام 1991 أحزاب وشخصيات عراقية، وبالأخص أحزاب الإسلام السياسي التابعة لإيران والأحزاب القومية الكردية. ثم وصلت هذه الأحزاب إلى السلطة بوصاية أمريكية، وتمت صياغة دستور للعراق، هدفه الرئيسي إقامة نظام للمحاصصة الطائفية، من أجل توزيع خيرات العراق فيما بينها. ولا زال هذا الدستور العقبة الرئيسية أمام أي إصلاح أو تغيير جذري، هدفه مشاركة فعليه للشعب العراقي في السلطة. ومنذ ذلك الحين والسلطة في يد نفس المجموعات، التي أوصلتها الولايات المتحدة إلى الحكم، مع بعض التغيرات في ولاءاتها وتكتيكاتها. وهي لا زالت تدافع عن مصالحها بكل الوسائل، نذكر منها القمع الوحشي الذي جابهت بها انتفاضة تشرين 2019 السلمية، فقتلت أكثر من 800 من المتظاهرين وأكثر من 28 ألفا بين جريح ومعوق وغيبت المئات واعتقلت الآلاف من المواطنين.
ومن التداعيات المهمة للغزو الأمريكي للعراق نشوء الحركات الإرهابية الطائفية في كل من العراق وسوريا، مثل القاعدة وداعش. إذ أدى حل الجيش العراقي وقوات الأمن إلى تدفق عشرات الآلاف من “الإسلامويين” الطائفيين إلى العراق، مؤججين النعرات الطائفية. ولعبت كذلك سياسة الولايات المتحدة بعد الغزو مباشرة ومن ثم سياسة الحكومات العراقية الطائفية المتعاقبة دورا مهما في خلق الشعور بالغبن عند أبناء الطائفة السنية، مما أدى إلى توجه بعضهم الى بعضهم إلى التنظيمات الإرهابية.
كما تم تهجير الملايين من أبناء الشعب العراقي داخل العراق وخارجه، نتيجة للاحتلال والصراعات الطائفية وحروب داعش، دون أن يستطيعوا حتى الآن الرجوع إلى أماكن سكنهم الأصلية.
وساهم كل من الاحتلال ونظام المحاصصة الطائفية في خلق ثقافة مبرمجة لسرقة الأموال العامة، جعلت من العراق واحدة من أكثر الدول المتفشي فيها الفساد الإداري في العالم، في الوقت الذي لا يستطيع الملايين من أبناء الشعب العراقي الحصول على لقمة العيش ومياه الشرب النظيفة أو الطاقة الكهربائية أو الخدمات الصحية والاجتماعية.
ولا زال العراق يعاني من ظاهرة المليشيات المسلحة، التي تكون بعضها في إيران في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، والتي دخلت العراق أثناء الحكم الأمريكي، أما بعضها الآخر، فقد تشكل كجزء مما يسمى بالحشد الشعبي، بحجة محاربة داعش، والتي أصبحت دولة فوق الدولة الرسمية، تتحكم برقاب المواطنين العراقيين وتشارك في سرقة أموال الدولة وممتلكاتها بما فيها العقارات الخاصة والعامة ونهب الضرائب الجمركية على البضائع الأجنبية التي تمر عبر المعابر الحدودية، التي تسيطر عليها ميليشيات الأحزاب والسلاح المنفلت.
مر غزو العراق وتدميره بشكل شامل، من دون أن يحاسب أي من الذين قاموا بالتخطيط والتنفيذ له من أمريكيين أو بريطانيين أو مرتزقة عراقيين، بل بالعكس فنجد بلير رئيس الوزراء السابق يحصل على لقب نبيل، ولا زالت الولايات المتحدة الأمريكية تتفاخر بجرائمها في العراق، إذ أطلقت اسم الفلوجة، التي دارت فيها إحدى المعارك ضد الاحتلال الأمريكي، على إحدى سفنها البرمائية الحديثة. ونجد في نفس الوقت الأحزاب العراقية، التي شاركت في التخطيط لغزو العراق، متصدرة دفة الحكم ومتجاوزة بكل الوسائل على القانون ومعارضة أغلبية الشعب العراقي.
ولكن الشعب العراقي، الرافض للغزو الأمريكي ولما نتج عنه من نظام محاصصة طائفية، مصمم على إزالة آثار الاحتلال المتمثلة اليوم بالمليشيات المسلحة والقهر والاضطهاد وسرقات الأموال العامة والفساد الإداري.