هل فرطت وزارة النفط بإنتاج 27 الف برميل يوميا لصالح
شركة توتال انرجيز الفرنسية!؟
ا
حمد موسى جياد
استشارية التنمية والأبحاث
تهدف هذه المداخلة الى تسليط الضوء على امر خطير للغاية مفاده احتمالية تخلي وزارة النفط عن أكثر من 31% من الطاقة الإنتاجية المتاحة لحقل ارطاوي/ رطاوي النفطي لصالح الشركة الفرنسية. يسبب هذا التخلي خسائر مالية للعراق تزيد على 817 مليون دولار سنويا، يصل مجموعها طيلة فترة الاتفاقية مع هذه الشركة الى ما يزيد على24.5 مليار دولار!
انا أتساءل ولا اتهم، وارى ان على المسؤولين الإجابة بكل وضوح وشامل وبشفافية كاملة عن مدى صحة هذا الامر وتبريره او عدمه!
سأتناول هذا الموضوع في هذه المداخلة بإيجاز شديد ومباشر، وسأتابع بقية ما يتعلق بتنفيذ الاتفاقية ومشاريعها الأربعة في مداخلات قادمة كلما توفرت معلومات جديدة موثوقة وادلة مادية ثبوتية.
أولا: اجتماعات واسعة مصورة ومتكررة، دون نشر اية معلومات
نشر الموقع الالكتروني لوزارة النفط بيانين عن اجتماعين للجنة المشتركة لتنفيذ المشاريع الاربعة التي تضمنها العقد الموقع مع الشركة الفرنسية. عقد الاجتماع الاول في 5 تشرين ثاني الماضي (1) والثاني في 14 كانون اول الحالي (2)
تضمن كل من البيانين صور لمن حضر الاجتماعين، يزيد عددهم عن عشرين في كل اجتماع بضمنهم ممثلي الشركة الفرنسية.
لم تتضمن بيانات الوزارة المنشورة اية معلومات او بيانات او تفاصيل عن أي من المشاريع والشروط التعاقدية على الاطلاق باستثناء ذكر اسماء المشاريع الاربعة التي تشملهم الاتفاقية مع الشركة.
هذا يدلل على وجود حالة انعدام الشفافية بشكل كامل ومطلق. يضاف الى ذلك انه ولغاية تاريخه لم تنشر وزارة النفط صيغة أي من العقود الاربعة (رغم التباين في نوعية وطبيعة تلك العقود) او الشروط التعاقدية الاساسية او تفاصيل النموذج الاقتصادي الذي يتم بموجبه احتساب حصص المشاركة بالأرباح وغيرها من الامور المحددة للكلف والعوائد. ويأتي انعدام الشفافية هذا متناقضا مع تكرار وزارة النفط الالتزام بمعايير الشفافية واخرها في 20 تشرين ثاني الماضي. (3)
ثانيا: اهمية تحديد مستوى انتاج خط الشروع Base Line Production
من الممارسات الدولية المعروفة انه في حالة التعاقد مع الشركات النفطية الدولية لتطوير حقل نفطي منتج فانه من المهم جدا تحديد انتاج خط الشروع قبل استلام الشركة الدولية مهمة تشغيل الحقل المعني. وإذا كان الانتاج من الحقل المعني قد بدأ قبل سنوات او عقود عديدة يتم تقدير معدل انخفاض الضغط المكمني الطبيعي السنوي اضافة الى تحديد مستوى انتاج خط الشروع.
في ضوء هذين المؤشرين يتم احتساب مساهمة الشركة الدولية في تحقيق الانتاج الاضافي وبالتالي تحديد مستحقاتها التعاقدية، سواء كانت في صيغة عقود الخدمة (كما هي عليه الحال في جميع عقود جولة التراخيص الاولى) او في صيغة عقود المشاركة في الانتاج او في عقود المشاركة في الارباح. وعادة ما يكون تحديد قيم هذين المؤشرين مجال تفاوض مكثف وبيانات فنية كثيرة كلما كان للحقل المعني تاريخ انتاجي طويل ومتواصل.
ولأن تطوير حقل ارطاوي النفطي لازال في مراحله الاولى فان تحديد انتاج خط الشروع يرتبط بشكل مباشر بمستوى الطاقة الانتاجية الفعلية المتاحة؛ أي بأعلى مستوى انتاج تحقق فعليا فقط، ولا توجد حاجة لاحتساب معدل انخفاض الضغط المكني عندما يكون تطوير الحقل في مراحله الاولى.
وفي هذا المجال فان من ضمن ما صرح به رئيس الشركة الفرنسية Patrick Pouyanné التي نشرت بتاريخ 18 تشرين اول الماضي ان الشركة الفرنسية استلمت حقل ارطاوي النفطي بصفتها المشغل وان انتاج الحقل “اليوم هو 60000 برميل يوميا”.(4)
ولكن قاعدة المعلومات التي احتفظ بها عن حقل ارطاوي النفطي تشير الى ان “الطاقة الانتاجية الفعلية المتاحة” كانت 75 الف برميل يوميا في شهر آب 2017 (5) وقد ارتفعت بعد ذلك لتصل الى 87 الف برميل يوميا.
وبسبب ان تطوير حقل ارطاوي يتم بموجب الجهد الوطني فان الانتاج الفعلي في هذا الحقل وغيره من حقول الجهد الوطني يتم تقنينه بما يتلاءم مع متطلبات الالتزام بحصة انتاج العراق ضمن مجموعة “اوبك+”؛ فقد انخفض انتاجه بشكل كبير بسبب جائحة كورونا ثم ارتفع الى 85 الف برميل يوميا في ايلول 2021 (6) ثم تذبذب تناقصا كلما تم تخفيض حصة العراق ضمن مجموعة “اوبك+”.
هذا يعني ان مستويات الانتاج الفعلي كانت تتحدد لاعتبارات سياسيا موضوعية وليس على اسس فنية تقنية ذاتية خاصة بالحقل ذاته.
خلاصة القول ان الاعتبارات الفنية والقانونية والتعاقدية والاقتصادية تحتم ان ما يجب الاخذ به في تحديد مستوى انتاج خط الشروع لهذا الحقل ليس الانتاج الفعلي خلال فترة زمنية محددة قبل سريان تنفيذ عقد المشاركة في الارباح، بل الطاقة الانتاجية الفعلية المتاحة والتي يتم تحقيقها خلال فترة قصيرة للغاية دون اية استثمارات جديدة على الاطلاق؛ وهي في هذه الحالة 87 الف برميل يوميا كحد ادنى.
ان تصريح رئيس الشركة الفرنسية بان انتاج خط الشروع لحقل ارطاوي هو 60 الف برميل يوميا انما يعني تخلي وزارة النفط عن طاقة انتاجية قدرها 27 الف برميل يوميا لصالح الشركة الفرنسية. وهذا بنظري يمثل خسارة مالية كبيرة للغاية وخطأ جسيم يسبب اضرارا بالمصلحة الوطنية العراقية.
فلو اعتمدنا سعر تصدير النفط العراقي من الموانئ الجنوبية وحسب بيانات سومو لشهر تشرين ثاني 2023، فان الخسائر المالية التي يتحملها العراق تكون بمبلغ 817 مليون دولار سنويا، يصل الى حوالي 24.5 بليون دولار خلال فترة العقد البالغة 30 عاما. وتتضاخم خسائر العراق كلما ارتفعت اسعار تصدير النفط عن المعدل المعتمد في التقديرات اعلاه وهو 82.82 دولار للبرميل.
ثالثا: التحول من تشخيص المساوئ الى تقليل الاضرار
سبق لي ان تناولت بالتفصيل مساوئ الاتفاقية مع شركة توتال انرجيز، وكان الهدف الرئيسي هو محاولة مساعدة وزارة النفط وفريق التفاوض العراقي في تحسين شروط الاتفاقية بما يتوافق مع المصلحة العراقية، وعليه لا أجد ضرورة لتكرار ما نشرت بهذا الخصوص. (7)
اما وقد اصبحت الاتفاقية واقعا وبدء تنفيذها فان هدف متابعتي واهتمامي سيتركز عن مدى التنفيذ وتشخيص تبعاته الفعلية بهدف تقليل وتحديد الاثار السلبية/ الاضرار Damage limitation ، ولكن موضوع هذه المداخلة امر خطير جدا ويتعارض بالمطلق مع مصلحة العراق ويشكل خسارة مالية بالغة وممارسة غير مسبوقة على الاطلاق الى الحد الذي يمكن ان تنعت بالاتفاقية المقيتة Odious Agreement.
وعليه وفي ضوء ما تقدم ارى:
ان الواجب الاخلاقي والوظيفي والوطني يحتم على كل من رئيس مجلس الوزراء ووزير النفط بيان الموقف بشأن وحقيقة اعتماد خط انتاج الشروع لحقل ارطاوي الذي ذكره رئيس شركة توتال الفرنسية.
قيام ديوان الرقابة المالية الاتحادي وهيئة النزاهة المستقلة الاتحادية ولجنة النفط في مجلس النواب التحقيق في او اتخاذ ما يلزم لحماية حقوق ومصلحة العراق الناجمة عن تخلي وزارة النفط عن 27 الف برميل يوميا للشركة الفرنسية بدون أي مبرر على الاطلاق.
التزام وزارة النفط “الفعلي” بمعايير ومتطلبات الشفافية في الصناعة النفطية وذلك بنشر فورا نصوص الاتفاقية مع شركة توتال انرجيز ومنها نصوص العقود الخاصة بالمشاريع الاربعة التي تشملها هذه الاتفاقية، التقارير التفصيلية لاجتماعات اللجنة المشتركة والتطورات التنفيذية لعقود المشاريع الاربعة.
لأهمية وخطورة الموضوع ولتوسع المساهمة، ارجو نشر هذه المداخلة الى اوسع نطاق ممكن.
- النرويج