رئيس مجلس الوزراء يتبنى عقود جولة التراخيص الخامسة غير الدستورية،
فإلى أي منزلق يتجه القطاع النفطي
احمد موسى جياد
استشارية التنمية والأبحاث
النرويج
شعرت بخيبة امل مرعبة وانا اتابع الايجاز الصحفي لرئيس مجلس الوزراء الأخ محمد السوداني مساء يوم 7 شباط، واكاد لا اصدق ما اسمع على قدر ما يتعلق بالشان النفطي. ويبدو ان رئيس السلطة التنفيذية مصر على “احياء وتدوير” مقترحات المشاريع السابقة دون تقديم وبكل شفافية ما يؤيد جدواها الاقتصادية المستندة على الأدلة الثبوتية والدراسات المحدثة الرصينة ودون ان يتأكد من عدم تعارضها مع الدستور. بل يردد الطروحات التي تنهار بسهولة وبسرعة امام أي تحليل منطقي ومقارن ومسند بالبيانات وبالادلة وبالشواهد من تجربة القطاع النفطي خلال السنوات الأخيرة. ويبدو ان رئيس مجلس الوزراء مواكب على “دبلوماسية الترضيات الكارثية“؛ كلما ينوي القيام بزيارة خارجية، يطرح مقدما مشروع، يهم ويخدم، مصلحة وشركات الدولة التي سيزورها: الاتفاقية مع توتال انرجيز قبل زيارة فرنسا، وانبوب النفط بصرة-عقبة قبل زيارة الاردن، وأخيرا تفعيل عقود جولة التراخيص الخامسة السيئة قبل زيارته اليوم الى الامارات. وفي هذا السياق استقبل وزير النفط الأخ حيان في اليومين الماضيين كل من وفد شركة توتال انرجيز والسفير الأردني ….
قبل البدء اود ان اعتذر مقدما للاخوان رئيس مجلس الوزراء ووزير النفط والمسؤولين المعنيين وللقراء الكرام عن صراحتي الشديدة هذه المرة، حيث سأضع الكثير من النقاط على العديد من الحروف، آملا في التنبيه الى والتحذير من الاتجاهات الخطرة والخطوات غير المدروسة والاولويات المغلوطة/المقلوبة والتي ستؤدي بمجملها الى مزيد من التخبط في القطاع النفطي والاضرار بالمصلحة الاقتصادية للعراق. فالحقائق قاسية على من يجهلها وتدين من يتجاهلها.
تنقسم هذه المتابعة الموجزة الى جزئين: الأول، يعالج لماذا تعتبر جولة التراخيص الخامسة سيئة وتتعارض مع المصلحة الاقتصادي للعراق بينما يتضمن القسم الثاني الرد على ما ورد في خطاب رئيس مجلس الوزراء وتفنيد ما طرحه والوزارة بالحقائق والشواهد والوقائع.
أولا: لماذا تعتبر جولة التراخيص الخامسة سيئة وغير دستورية ويجب عدم البدء بتنفيذ أي من عقودها
لقد كان لي العديد من المتابعات والحوارات المباشرة والمنشورة حول مساوئ تلك الجولة والتي يمكن تلخيصها بما يلي:
لقد اشاب مرحلة اعداد وعقد جولة التراخيص تلك الكثير من الغموض والشكوك والتصرفات غير الاعتيادية التي أدت بمجملها الى التحقيق في مشروعيتها ومصداقيتها واسسها القانونية. لم ينشر لغاية تاريخه نص أي تقرير نهائي للتحقيق المتعلق بهذا الموضوع رغم الإشارة اليه من قبل رئيس مجلس الوزراء ووزارة النفط!! فلماذا هذا التعتيم؟
ان العقد المعتمد لتلك الجولة هو من نوع “المشاركة في الأرباح”، ومن النواحي التحليلية والقانونية والتنفيذية فان عقود المشاركة في الأرباح هي الجانب “النقدي” لعقود المشاركة في الإنتاج “العيني”؛ وكلا الجانبين، النقدي والعيني، يعنيان ضمنيا “ملكية” الشركة الأجنبية للربح او الإنتاج المستقبلي حسب النسب المحددة تعاقديا. وهذه الملكية تتعارض مع الدستور العراقي الذي يؤكد على ملكية الشعب العراقي للنفط والغاز، مما يعني عدم دستورية عقود “المشاركة في الأرباح”.
ان صيغة عقود هذه الجولة تعطي للشركة الأجنبية نسبة من “العوائد” اكثر بكثير جدا مما تعطيه عقود الخدمة لجولات التراخيص الأربعة الأولى؛ وهذا بالتحليل الاقتصادي المقارن انما يعني ان عقود المشاركة بالارباح “لا تحقق اعلى مصلحة للشعب العراقي“، أي انها تتعارض هنا ايضا مع ما ورد في الدستور- أي عدم دستورية هذه العقود.
حصلت شركة “الهلال” الإماراتية على ثلاثة حقول رغم انها كانت مدرجة في القائمة السوداء بسبب عقودها مع حكومة الإقليم. وبما ان قرار المحكمة الاتحادية العليا المتضمن عدم قانونية عقود الإقليم وعدم دستورية قانون النفط والغاز للإقليم، وبما ان عقود شركة الهلال مع الإقليم استندت على ذلك القانون غير الدستوري، فان عقودها في الإقليم تصبح غير دستورية. وعليه لا يجوز التعاقد مع شركة لها عقود غير دستورية ضمن الحدود السيادية للعراق.
وفي حالة إصرار الحكومة الحالية على التعاقد مع شركة الهلال، يصبح من الضروري والمبرر جدا اللجوء الى المحكمة الاتحادية لإيقاف وإلغاء هذا التعاقد.
اما الشركتين الصينيتين فهما جيو جيد وهي ليست من الشركات النفطية المعروفة والرصينة، ويحتمل ان تكون شركة استثمارية حديثة التاسيس. اما شركة يو أي جي فهي مسجلة في هونك كونك وسبق ان اشترت حقوق تطوير حقل الفيحاء من شركة كويت انرجي في محافظة البصرة، وهي المشغلة للحقل لغاية تاريخه.
اضافة الى ما تقدم، فقد بينتُ بالتفصيل العديد من نواقص ومساوئ مسودة العقد الجولة الخامسة، وقد تحاورت مع المسؤولين في دائرة العقود والتراخيص في وزارة النفط بشانها في حينه، وجميعها منشورة في مواقع عديدة ويمكن الاطلاع عليها بسهولة، ولذا لا اجد مبرر لذكرها بالتفصيل الان.
ثانيا: الرد على ما طرحه رئيس مجلس الوزراء ووزير النفط ووزارة النفط
قال رئيس مجلس الوزراء “ هذه من المشاريع المهمة ضمن الجولة الخامسة المعطلة منذ أربع سنوات بسبب شكوى في صحة الإجراءات وبعد أن ذهب هذا الملف للرقابة المالية والنزاهة تبين أخيراً أن الإجراءات سليمة وتم حسم الموضوع.“
الرد: لم ينشر لغاية تاريخه “النص النهائي” لاي من تقرير “الرقابة المالية” و”النزاهة”، وما هي الحقائق التي وردت في كلا التقريرين، والإجراءات التي تم التحقق بشانها، وما هي النتائج النهائية: فهناك تفسيرات عديدة لعبارة “تم حسم الموضوع”، فكيف تم حسم الموضوع. ويبدو ان التحقيق تركز على “صحة الإجراءات” ولم يتم ذكر مدى توافق او تعارض نصوص العقود الموقعة بالأحرف الاولى مع الدستور النافذ. اطلب من رئيس مجلس الوزراء التأكد فورا من دستورية ومشروعية هذه العقود، لانني أرى انها تتعارض مع الدستور، كما اشرت الى ذلك أعلاه.
2- قال رئيس مجلس الوزراء “احدى الشركات العاملة في المشروع ممكن أن توفر ربع كمية الغاز المستورد خلال 15 شهرا “
الرد: يقع رئيس مجلس الوزراء في فخ قبول وترديد ما تدعيه الشركات الأجنبية دون ان يتعظ من التجارب العديدة والكثيرة السابقة التي اثبتت بطلان هكذا وعود. على رئيس مجلس الوزراء مراجعة تصريحات شركة شل، مثلا، وممثلها في ذلك الوقت منير بوعزيزي، بشان العوائد المعجلة التي سيحصل عليها العراق من عقد شركة غاز البصرة والذي وقعت الاتفاقية الاطارية له في شباط 2008 ولغاية تاريخه لم يتجاوز انتاج الشركة 50% من الطاقة المتعاقد عليها.
واذكر رئيس مجلس الوزراء ايضا كيف ان الشركات الأجنبية تعاقدت في جولتي التراخيص الاولى والثانية على وصول انتاج الذرة في العراق الى 12.5 مليون برميل يوميا بنهاية 2017، والعراق ينتج الان بحدود 5 مليون برميل يوميا، الأمثلة كثيرة ان رغب رئيس مجلس الوزراء بتذكيره بها، فانا مستعد!!
لا أتوقع ان يكون رئيس مجلس الوزراء ملما بتفاصيل عقد الجولة الخامسة، ولكنني أتوقع منه ان يتاكد من صحة المعلومة التي وردته قبل قبولها والتصريح بها علنا؛ هنا اقترح على رئيس مجلس الوزراء قراءة المادة 11.1 من عقد الجولة الخامسة ليعرف التوقيت الزمني الذي يستغرق عدة سنوات للتمكن من الوصول الى مرحلة الإنتاج التجاري، وليس 15 شهرا!!.
لم يذكر رئيس مجلس الوزراء اسم تلك الشركة ولا اسم الحقل/ الحقول الغازية التي ستنتج تلك الكميات وبهذه السرعة غير المعقولة. انا اذكره باسم الشركة، وهي شركة الهلال الإماراتية (المدرجة في القائمة السوداء، كما ذكر اعلاه) واما الحقول التي يحتمل ان تنتج الغاز (الحر والمصاحب) فهي كل من حقول كلابات – قمر وحقول الخشم الاحمر-انجانة وكلها في محافظة ديالى.
الا تعلم يا رئيس مجلس الوزراء ان الاوضاع الأمنية في هذه المحافظة دفعت تحالف الشركات الأجنبية الانسحاب من عقد تطوير حقل المنصورية الغازي الذي يحتوي احتاطي غاز حر ثابت وإنتاج ذروة لانتاج الغاز الحر اكثر بكثير من مجموع ما يمكن ان تنتجه جميع حقول الجولة الخامسة؛ وألا تعلم ان الشركة الباكستانية المتعاقدة على الرقعة الاستكشافية رقم 8 في نفس المحافظة قد تعثر نشاطها بسبب الوضاع الأمنية التي لا زالت مؤثرة في تلك المحافظة. فلمذا تتجاهل هذه الحقيقة وتردد طروحات غير واقعية غير ممكنة وبالتاكيد مضللة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ فان كنت تعلم فهذه مصيبة وان كنت لا تعلم فهذه كارثة!!!
3- يذكر المكتب الإعلامي لوزارة النفط يوم 8 شباط ان “معدلات الإنتاج اليومية المتوقعة من عقود الجولة تصل الى (1000) مليون قدم مكعب قياسي باليوم من الغاز المصاحب مضافا اليها كميات من النفط الخام بحدود (175) ألف برميل باليوم”.
الرد: لا يمكن ان يحقق انتاج نفط بحدود (175) ألف برميل باليوم انتاج غاز مصاحب يصل الى 1000 مقمق يوميا، إلا اذا كانت نسبة الغاز الى النفطGOR عالية للغاية. على وزارة النفط التأكد من صحة ومصداقية هذه البيانات واعلانها بكل شفافية.
4- قال رئيس مجلس الوزراء “ العراق يجب أن يدخل سوق الغاز ويكون بلداً مصدّراً ومجهزاً لكل احتياجاته وهو مكسب على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية “.
الرد: هذا موضوع معقد وفي ضوء البيانات المتوفرة حاليا لا توجد كميات من الغاز التي يمكن تصديرها، لان تصدير الغاز، سواء عن طريق الانابيب او الغاز المسال LNG يجب ان تستند على اعتبارات عديدة تتعلق بمدى وفرة الغاز والكلف الاستثمارية العالية لاي من البديلين وضرورة التوصل مع المستوردين الى اتفاقيات بعيدة المدى التي تتسم بها أسواق تصدير الغاز. فتصدير الغاز يختلف كثيرا جدا عن تصدير النفط الخام، فهل يعلم رئيس مجلس الوزراء بذلك!! ام…
الغريب جدا ان رئيس مجلس الوزراء لم يأت على ذكر ضرورة انهاء حرق الغاز المصاحب، والذي بنظري يعتبر من اهم مؤشرات فشل وزارة النفط والحكومات المتعاقبة. وهنا لابد ان اذكر رئيس مجلس الوزراء ووزارة النفط بالحقائق المؤلمة التالية:
(1) خلال الفترة الممتدة بين شهر آب 2008 وأب 2018 بلغ معدل نسبة الغاز المصاحب المحروق حوالي 63.5% من اجمالي الغاز المصاحب المنتج في الحقول الجنوبية. وقد كانت اعلى نسبة وهي 77% في شهر تموز 2013 واوطأ نسبة وهي 52.13% في شهر آب 2020. فلماذا تجاهل هذه الممارسة الكارثية المؤثرة للغاية والتي تعني تبذير مصدر مهم للطاقة اضافة الى تلويث البيئة وما يترتب عن ذلك من اثار مدمرة.
(2) وبدلا من انهاء ممارسات حرق الغاز المصاحب من الحقول المنتجة حاليا واستثماره في توليد الطاقة الكهربائية تلجا الحكومة والوزارة الى تعميق وتكثيف هذه الممارسة المدمرة من خلال سلسلة من الإجراءات منها: تطوير حقول نفطية جديدة مما يعني زيادة في حرق الغاز المصاحب، استيراد الغاز من ايران، الركض وراء الربط الكهربائي المكلف مع دول الخليج العربي والاردن … الخ. عليك يا رئيس مجلس الوزراء ان تضع أولويات حكومتك في القطاع النفطي بشكل صحيح ومنطقي ويخدم مصلحة العراق، وإيقاف حرق الغاز المصاحب على راس هذه الاولويات.
(3) توقفت وزارة النفط عن نشر المعلومات الإحصائية عن انتاج وحرق الغاز المصاحب خلال الأشهر الستة الاولى من فترة استيزار جبار لعيبي، ثم توقفت الوزارة تماما عن نشر هذه المعلومات منذ شهر أيلول 2021 في عهد وزير النفط السابق احسان وتستمر ولغاية تاريخه. فلماذا هذا الإصرار على إخفاء الحقائق بعدم نشر المعلومات وما هو حجم الغاز المصاحب الذي يزداد حرقه باستمرار.
(4) للتذكير، انه سبق للعراق ان التزم بمبادرة “صفر حرق الغاز المصاحب” التي اعتمدها البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة منذ عدة سنوات. فلماذا كل هذا الصمت عن عدم التزام العراق بتعهداته الدولية. على رئيس مجلس الوزراء ووزارة النفط معالجة حرق الغاز المصاحب واستثماره بالكامل، وخاصة لتوليد الطاقة الكهربائية، كأولوية ملحة قبل التفكير المتخبط غير العقلاني وغير الواقعي الذي لا زالت تنتهجه الوزارة.
في ضوء ما تقدم واضافةً اليه فإنني ادعو الاخوات والاخوة أعضاء مجلس النواب الحاليين والسابقين وكافة المعنيين بالشان النفطي وحماية حقوق العراق الاقتصادية الى:
التهيئة لإقامة دعوى قضائية امام المحكمة الاتحادية العليا للطعن بعدم دستورية عقود جولة التراخيص الخامسة ومنع وزارة النفط من تفعيل أي من هذه العقود. هذا موضوع مهم وعلينا التحرك بشانه فورا.
قيام مجلس النواب بإصدار قرار يلزم وزارة النفط بتنفيذ كافة البنود التعاقدية المتعلقة بالغاز المصاحب في عقود جولة التراخيص الثانية مع الشركات النفطية الدولية المتعاقد معها في تلك الحقول.
قيام مجلس النواب بإصدار قرار يلزم وزارة النفط وشركة غاز البصرة باستثمار جميع الغاز المصاحب المنتج من حقول جولة التراخيص الأولى بفترة زمنية معينة يحددها مجلس النواب بالتشاور مع وزارة النفط، على ان لا تتجاوز 2025.
قيام مجلس النواب بإصدار قرار يلزم وزارة النفط بالشفافية وذلك بنشر التفاصيل الشهرية الكاملة عن النفط الخام (انتاج، استهلاك داخلي، تصدير) والغاز المصاحب (انتاج، استخدام، حرق) بنفس الطريقة التي كانت تنشرها الوزارة قبل الغائها في وقت جبار لعيبي.
ارجو نشر وتوزيع هذه المداخلة لاوسع نطاق ممكن تعميما للفائدة وللمشاركة نظرا لأهمية الموضوع ومستعجليته.