عندما تفقد السلطة, أية سلطة ثقة الشعب, يصبح إنحدارها نحو الهاوية محققاً.. هذا ما أكدته تجارب الشعوب.
تحاول أحزاب الإسلام السياسي الحاكمة انقاذ مايمكن انقاذه بترشيحها للسيد محمد شياع السوداني لأشغال موقع رئاسة مجلس الوزراء بسبب سجاياه الشخصية وتجربته… لكن الهاجس الشعبي من الأطراف التي رشحته ودعمته يضعه في موقف حرج أمام الشعب, يستدعي تبرؤه من التبعية لهذه الجهات, لينزع عنه الاتهام بأن مهمته تجميل الصورة الكالحة لها وتحسين سمعتها.
يرى الكثيرون أن الإطار التنسيقي الشيعي الذي رشحه وصل إلى نتيجة أن استمرار تسيير أمور الحكم بنفس الأساليب السابقة بالقسر المسلح, أصبحت عقيمة, لا سيما بعد انتفاضة تشرين الشعبية المجيدة ضد نهجهم, التي أغرقوها بالدم, وهو ما فاقم من فرص استمرارهم في السلطة, لذا كان لابد من البحث عن مخرج, بعد تنامي الغضب الشعبي من أساليبهم الدكتاتورية في الحكم والاستئثار بثروات البلاد.. المخرج الذي وقعوا عليه لمقاومة رياح التغيير القادمة لا محالة, هو ليس بناء مصدات رياح بترشيح نوري المالكي القوي صاحب الأصوات الانتخابية الأكثر من بينهم, الممقوت شعبياً, بل ببناء طواحين هواء, تسرب هذه الرياح فكان ترشيح محمد شياع السوداني كرئيس لمجلس الوزراء الغير معروف شعبياً.
ولا ينبغي اغفال ظهور عامل مؤثر جديد في الواقع السياسي العراقي وهو دور السفيرة الامريكية في بغداد السيدة ألينا رومانسكي في إملاء قراراتها على المنظومة الحاكمة.
أكثر ما يُثاب ويُمتدح عليه السيد رئيس مجلس الوزراء هو الاستقرار الأمني وتوقف استهداف السفارات الأجنبية واغتيال المواطنين وغيرها من مظاهر الانفلات الأمني والعنف التي كانت سائدة أيام سابقه السيد مصطفى الكاظمي. وفي حقيقة الأمر فإن القوى التي جاءت به ورشحته هي نفسها التي كانت تعبث بالأمن, وهي بذلك تحرص اليوم على تسليك أمور حكومته أي حكومتها لعكس صورة إيجابية للمواطن الذي أصبح يبغض شخوصها ومسمياتها الحزبية وقبلهما نهج المحاصصة النهبوي الذي اعتمدوه كأساس نظام فشل طوال عشرين سنة بادراتهم من دفع العراق نحو التعافي والنهوض في دوره.
ينظر المواطن العراقي بعدم الثقة في حقيقة الاستقرار الأمني, ويعتبره شكلياً وهو يشهد الإجراء الحكومي بزيادة أعداد منتسبي الحشد الشعبي وزيادة تخصيصاته في الميزانية المقترحة, رغم أن الحاجة إلى وجود هذه الحشود قد انتفت أغراضها بعد القضاء على داعش, وأصبحت عالة على الأقتصاد الوطني, كما أن فتوى السيد السيستاني كانت مشروطة بقتال داعش وليس التمدد في الجغرافية العراقية.
حتى السيد نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء الأسبق طالب بحلها.
كما أن الزوبعة المُثارة حول تمسك السيد السوداني بشروطه للاطار التنسيقي وصلاحية إقالته الوزراء الفاشلين في أداء مهامهم خلال ستة أشهر, وتقديم أسمائهم لمجلس النواب لاستبدالهم, الذي لاقى معارضة من السيد نوري المالكي الذي يُتوقع إقالة وزرائه…لا تنطلي على العراقيين… الأكثرية البرلمانية ستجهض مساعي السوداني وسيكون مجبراً على التعايش مع وزراء فاشلين… وذاك الطاس وذاك الحمّام, كما يقول المثل العراقي.
ولأن عشرين سنة من الغش والخداع, كانت كافية لينظر العراقيون إلى ما يحدث بعين الشك والريبة, وأن ما يدور هو مجرد محاولة للقفز على نباهتهم, واستغفال الوعي الشعبي, بدعوى نتائج التصويت الحر لنواب الشعب !!!
نواب شعب الذين يهرعون كالقطط نحو وليمة من السمك حين تطأ قدم سيدهم أرض البرلمان, ليسوا ممثلين للشعب بل اتباع لأسيادهم.
التعويل على مثل هؤلاء غباء !
المعروف أن المعارضات السياسية في النظم الديمقراطية والاستبدادية هي التي تناكف الحكومات وتحاول إسقاطها, بينما عندنا فإن الإطار الشيعي التنسيقي الحاكم هو الذي يضع العصي في عجلة حكومته ويعرقل خطوات رئيس مجلس الوزراء الذي جاء به, عندما يستشعر بوجود مساس بمصالحه, ولهذا لم يرَ المواطن تحقيقاً لوعوده ولا انجازاً يسجل له.
حتى الاستجابة إلى مطالب الخريجين العاطلين, التي برغم ظاهرها الإيجابي فإنها في ظل ترهل جهاز الدولة واستيعابهم القسري بدون تخطيط, فسره البعض بكونه محاولة لتوظيف ذلك لأهداف انتخابية لصالح الجهات المهيمنة او على الأقل اسكات الأصوات المنادية بحقوقها ولو مؤقتاً, بسبب مستوى العجز في الميزانية العامة والديون الداخلية والخارجية وتذبذب أسعار النفط التي تهدد بعدم قدرة الحكومة, لاحقاً, الوفاء بالتزاماتها إزاء من عينتهم !
إشارة أخيرة للسيد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني :