كنت في مقالٍ سابق لي ” توثيق فوتوغرافي للحرامي ” قد توقعت أسباب مواجهة المطلق السراح بجريمة ما سميت ” سرقة القرن 2.5 مليار يتيمة ” نور زهير, زوم الكاميرات بأريحية تامة, بدون أدنى مشاعر الحرج او الندم بل كانت ” بوزاته ” تحدي مطلق !
تساءلت في المقال هل هو تحدي وقح للعراقيين المسروقين او هي نظرة تهديد لمن يقفون وراءه, ويفكرون التضحية به ككبش فداء لينعموا بما جاد به من أموال ونفوذ وتمكين. أو هي ربما ثقة تامة بإفلاته من السجن سالماً غانماً, بشكل من الأشكال..
تبين لاحقاً أنه كان قد هدد وأنذر, من سجنه الفاره, ولاة الأمور : ” أطلع قبل 1 / 12 لو أگـلب الطبگ عالطابگـ “*. هذا نقلاً عن خطيب جامع ومن على منبره.
وكان له ما أراد, وأخلي سبيله بكفالة مالية ( ربما من نفس المال المسروق ) يوم 25 / 11 تشرين الثاني 2022.
اليوم قرأت خبراً, أنه أنهى فترة كفالته القانونية المتفق عليها مع القضاء, فهل يا ترى جرى استدعاؤه, مرة أخرى, أمام الجهات القضائية المسؤولة ؟
يعود فضل الكشف عن عملية سرقة صندوق الأمانات الضريبية. حقيقة, لمصطفى الكاظمي رئيس الوزراء السابق الذي قدم أوليات عملية الفساد إلى القضاء قبل أشهر من خروجه من موقع المسؤولية.. وما تبع القبض على شبكة سارقي أموال الضرائب بعد تسنم رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني, ما هو الا تحصيل حاصل.
يُحتمل أن يكون لرئيس الوزراء السابق الكاظمي, دوراً في دحرجة الأمر للحكومة الجديدة وقدّم لهم هذه الهدية الإشكالية, في إطار التغالب السياسي المحتدم ؟ أراد بها أحراج الجهات التي تقف وراء نور زهير وسرقة الودائع, بعد أن ” غسل إيده ” وتيقن بعدم وجود أي أمل لتمديد فترة حكمه.
ويُحتمل أيضاً, أن الصراعات بين أجنحة الإطار التنسيقي الشيعي على المراكز والغنائم, دفعت طرف منها إلى كشف المستور والتضحية بفاسد من الدرجة الأدنى لإحراج غرمائه الآخرين, ووضعهم أمام محكمة الرأي العام النابذة لهم أصلاً, وجني المحصول منفرداً, لكنه تفاجأ بفداحة العاقبة التي ستطال الجميع, فعملوا على تدارك الأمر ب ” صفقة القرن ” كما أطلق عليها البعض, بإرجاعه لجزء من البوگة.. القابضون على السلطة هم بالنهاية أصحاب النهايات السائبة في كل قضايا الفساد والسرقات ولجانها التحقيقية السابقة والواردة, وبالخصوص المتعلقة بقوت المواطن وسلامة البلاد وحريتها, فكيف بهم لا يبذلون الجهد الجهيد لتسويف وتمييع فضيحة سرقة طالت خدّامهم الذين يديرون شبكات فسادهم, والتي قد تصل نيرانها إلى أقدامهم وتكشفهم عراة امام الرأي العام…
لابد أن أعترف للسارق نور زهير بحدة الذكاء وحتى العبقرية أو أنه على الأقل ” مفتح باللبن “, ولم يكن ساذجاً ! لأنه يبدو قد إتخذ كل الاحتياطات اللازمة من احتمالات غدره وخيانته من الأطراف التي يخدمها, بمواجهتهم مرة بهيئته الواثقة في الصور ثم بتهديده الحاسم القاطع : حديث قلب ” الطبگ عالطابگـ ” وكشف الحقائق والشخصيات السياسية التي تتعامل معه, فيما لو أبقوه في السجن…
وأسقط كل احتمالات مساعدته في انتحار ذاتي في زنزانته كما حدث للمسؤول الكوري في ميناء الفاو, أو تدبير ذبحة قلبية او جلطة دماغية تودي بحياته.. فربما لم يُبق أسراره حبيسة قلبه, بل سربها إلى أشخاص موثوقين آخرين أو دونّها على أوراق محفوظة في مكان آمن ما, وهو بتهديده قد أوصل هذه الإشارات إلى ذوي الشأن, لوأد خططهم ومؤامراتهم..
من الملاحظ أن إجراءات التحقيق معه أنجزت بسرعة البرق وبدون أي محاولات ضغط أو تعذيب أو فرض اعترافات, عكس ما نالوه شباب انتفاضة تشرين الوطنيين النزيهين من معاملة مهينة وتعذيب وحشي… فهو حقيقة, لا يحتاج لذلك, ليس لأن هناك من أوصى به, بل استعداده الذاتي للبوح بما لديه من معلومات, برحابة صدر. و أكاد أكون واثقاً أنه مستعد لفضح كل ما لديه من معلومات إلى الإعلام, فيما لو تعرض لأدنى حالات الامتهان, ولهذا استنفرت كل قوى السلطة جهودها لتلافي المحظور لضمان سكوته.
وهذا يعني أن ما جرى من إخراجه من مسرحيات بطولية بالإعلان عن اعتقال شبكة فاسدين, أُريد منها تسويق نجاح باهر لحكومة محمد شياع السوداني في ظهوره التلفزيوني مع أكداس الأموال المسترجعة وأحبطها نور زهير نفسه ذلك بتهديداته, فلا يمكن الدوس على ذيله, كما يقال, ويبقى ساكتاً, ومن ثمة جاء قرار إخلاء سبيله !
ويُحسب لنور زهير إنه أول عراقي استطاع إذلال طغمة الفساد واخضعها لإرادته, وهو من إفرازاتها.
الخطاب الإعلامي الجديد للمتحدثين باسم الأحزاب الإسلامية لخداع الجماهير ” المفتحة باللبن ” أخذ يدعي بأن ليس هناك أحزاب فاسدة بل أفراد فاسدين في هذه الأحزاب.
نتساءل إذاً : لمن تتبع ” المكاتب الاقتصادية التابعة للأحزاب ” وماذا كانت تفعل طوال كل هذه السنين ؟ هل ذهبت ملياراتها لعموم العراقيين أم للأطراف السياسية المتحاصصة على تقسيم الكعكة فقط ؟ ومن أين لكم كل هذا الثراء الاسطوري المفاجيء ؟ أليس ذلك دليل على فساد أحزابكم, بقادتها, بتركيبتها التنظيمية, بأذرعها المسلحة, بشيوخ تدليسها وقنواتها الفضائية…
وأحد دلائل فسادها, انها لا تجرؤ الكشف عن مصادر تمويلها ومن أين لها قصور قادتها ومقرات أحزابها وتمويل ميليشياتها وكذلك الصرف الباذخ على قنواتها الفضائية.. ؟ بالتأكيد هذه الأموال مسروقة من ثروات العراقيين ولقمة عيشهم..
العلة ليست فقط في سارقي المال, افراداً وكيانات, بل بالنظام الذي هيأ لهم الظروف المناسبة لارتكاب جرائمهم, وهو نظام المحاصصة النهبوي وتوزيع الكعكة الذي يتمسكون به بمخالبهم وأنيابهم, لأن مصيرهم من مصيره !
إنهم يستثمرون في قصر ذاكرة بعض المواطنين واستغباء البعض وشراء ذمم آخرين, لتسويق أحزابهم واظهارها بمظهر ورع تقي نظيف, وهو إدعاء أصبح يُضحك العراقيين.