التعويل على حكومة السوداني كمن يطلب من الحنظل عسلاً !
احسان جواد كاظم
بعد أن كتبت هذا العنوان على الفيس بوك, متعللاً بطريقة اختيار السيد محمد شياع السوداني والقوى التي دعمته ومنهجها المحاصصي الذي اعتمدته في تشكيل حكومته, الذي أثبت الواقع والتاريخ فشله وعقمه, والتي تصرّ على فرضه على الشعب الذي رفضه بانتفاضة شعبية عارمة, تشرين الأول 2019, قدم فيها مئات الشهداء وآلاف الجرحى والكثير من المغيبين من أبناءه, باعتباره نظام حكم ونهج نهب وقتل وتدمير وتبعية…
تداخل مواطن وكتب, بحسن نيّة عراقي يجنح للسلام : ” دعه يعمل… دعه يمرّ ! ” العبارة التي أطلقها آدم سميث مع بداية بزوغ الثورة الصناعية في أوروبا, لإطلاق يد طبقة الرأسماليين الصاعدة مقابل الإقطاعية الآيلة للزوال… الا أن الأمر لا يستقيم مع وضعنا المعاصر في وطننا العراقي.. فالأمور لا تتجه نحو إنتاج وتطور ما, يمكن أن يتيح فرص عمل وإمكانات نمو وآفاق حرّة, لنتركه يمرّ ويعمل, بل هو مواصلة ما درجت عليه الطغمة الحاكمة من تحاصص, طوال سنين طويلة, الذي هو في جوهره تقاسم المغانم بين قوى غاشمة, لم ينتج سوى المآسي للشعب.
أجبته بمقولة ” تصلح لكل زمانٍ ومكان ” للعالم الفيزيائي ألبرت آينشتاين : ” من الغباء فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة ” !.
وهذا يصح ويسري على العلم التطبيقي كما على العلم الاجتماعي.
لابد من التذكير بأن هذه الحكومة, حكومة أقلية, نتاج انتخابات عليها الكثير من الاعتراضات, حتى من القوى التي فازت فيها, وهي لا تمثل الأغلبية الساحقة من العراقيين. حيث شارك في الاقتراع 20 % فقط من المواطنين الذين لهم حق الانتخاب… يُطرح من هذه النسبة ناخبي أعضاء مجلس النواب من ممثلي انتفاضة تشرين, وهم الأقلية من شباب الانتفاضة التي لم تقاطع الانتخابات. ثم تُطرح من النسبة ايضاً شريحة واسعة من المواطنين الذين صوتوا للتيار الصدري, لا سيما بعد انسحاب نوابه الاختياري من مجلس النواب. إضافة الى قسم كبير من الناخبين الأكراد سواءً من مؤيدي ” الجيل الجديد ” أو بعض أعضاء ” الاتحاد الوطني الكردستاني ” والحزب الاسلامي الكردستاني ” الذي همشهم حزب السيد البارزاني.
الحصيلة النهائية بأن الحكومة الحالية هي حكومة أقلية الأقلية.
أعضاء حكومته اغلبهم مفروضين عليه على أساس التحاصص الطائفي – العرقي, وهم تابعون لقوى سدّت آذانها عن آهات المواطنين, وملئت عيونها بالغمض عن معاناتهم ,طوال سنين طويلة… وهي تعي أن أي تغيير حتى لو كان طفيفاً قد يخل بالتوازن القائم في منظومتها ويطيح بكياناتها, لهذا نجد تضامنها على أساس وحدة المصالح والمصير.
وبعد أن أُتهم أنه ظل لرئيس الوزراء الأسبق ورئيس دولة القانون والشخصية الأقوى في الإطار التنسيقي الشيعي, السيد نوري المالكي, فإن كل الحديث عن صفاته وشمائله الشخصية من النزاهة والكياسة تذهب هباءً منثورا, لا سيما وأنه قد شغل مناصب وزارية متعددة في الوزارات السابقة, لم يلحظ المواطن ما ينفعه, في أي منها…
فهل يجرؤ, اليوم وبعد أن مسك خيوط السلطة والقرار بيده على رسم طريقه المستقل ؟ نحن في شكٍ من ذلك !
ففي قراءة لطبيعة الإجراءات والقرارات التي اتخذها السيد رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني, منذ توليه السلطة, والتي عدّها البعض من المتابعين السياسيين بأنها ” مجزرة “!
فقد كان قد ألغى بجرة قلم كل القرارات السابقة ( 400 قرار, كما قيل ) في مختلف القضايا, التي أصدرها سلفه السيد مصطفى الكاظمي, وسط تهليل واحتفاء الأحزاب الإسلامية الولائية والميليشيات وقنواتها الفضائية, بقضها وقضيضها, شلع قلع, دون تمحيصه في طبيعتها واحتماليات ضرورتها والحاجة الحقيقية لها, فليس من المعقول بأنها كانت كلها مكرسة لصالح حاشية سلفه.
أن من يظن بأن كل ما كان سيء وغير نافع, يقع في دائرة الخطأ ومجافاة المنطق… ولكنها إرادة الانتقام والتطهير السياسي.
وفي نظرة سريعة لطبيعة التعيينات الجديدة كبدلاء عمن أطيح بهم.. فإن المواطن العراقي لا يلحظ تغييراً نحو الافضل بل ربما نحو الأسوأ. فكما أُشير أن وزراءه لم يخضعوا ويتركوا إلى تقييمه الوظيفي الفردي, بل فرضوا عليه. أي أن معيار الكفاءة لم يكن حاضراً هنا, وقد لا يكونون أكفأ وأنزه من سابقيهم, فهم لم يخضعوا لامتحان كفاءة, على سبيل المثال, هذا لو افترضنا أن السيد رئيس الوزراء السوداني أراد تبني أساليب عمل تراعي تكافؤ الفرص والنزاهة والوطنية… أما مسألة امتحان النزاهة فهو أمر مبتوت فيه, شعبياً, سلفاً.
ففي مطالعة متأنية إلى الأسماء الفائزة, ترى من هو فشل في مهامه السابقة في المجال الوظيفي وعليه شبهات فساد أو من هو لا يستحق منصبه التنفيذي المهم بسبب تحصيله العلمي غير المناسب للمركز الذي شغله.
وكان قد أشار بعض المتابعين بتوزير وزراء بشهادات من جامعات غير معترف بها من قبل وزارة التعليم العالي العراقية, أو كعربون مكافأة لقادة ميليشيات روعت العراقيين وقتلت أبنائهم.
ونقول في هذا المحضر للسيد محمد شياع السوداني : ” هؤلاء هم لُقيَتكْ “!
يحاول البعض إيهامنا بأن واقعنا السياسي واعد, بيد أني أتخيله كما لوحة الخداع البصري التي رسمها فنان الكاريكاتير البريطاني ” إيلي هيل ” التي يتبادر فيها إلى ذهن المتفائل صورة فتاة حسناء بينما يراها المتشائم حيزبون شمطاء. شخصياً أراها ( العملية السياسية ) بما لا تسر !
لا يمكن اعتبار قرارات الإعفاء والاقالات الجماعية الموجهة للغرماء السياسيين, ضرباً من التغيير أو عامل حل للمشاكل القائمة ولا هي عملية ترشيق للجهاز الإداري, بل هي إشارات توتر لا تشيع الاستقرار, وتضع العصي في عجلات وزارته. وربما هي اشارة إلى أن هناك نزوع نحو قمع كل توجه لا يتفق مع التوليفة الجديدة.
قد نشهد نكوصاً في المواقف السياسية والفكرية لدى النخبة الجديدة الحاكمة… فحساب الحكومة غير حساب المعارضة. فبعد أن كانت أطرافها تعلن الجهاد لطرد الامريكان ومحاسبتهم على اغتيال الجنرال الإيراني سليماني ورفيقه أبي علي المهندس والمضي ب ( الاتفاقية ) العراقية – الصينية وطريق الحرير وغيرها من المستحيلات الثلاث, فقد نشهد تأجيلاً تكتيكياً وصمتاً دبلوماسياً, يفرضه واقع السلطة وضرورات بقاؤها بأيديهم, وصراحة وربما وقاحة اشتراطات السفيرة الأمريكية لدى الدولة.
لقد عاب إعلاميو الإطار التنسيقي على شباب تشرين وقوى التغيير الديمقراطي, تظاهرهم ضد حكومة محمد شياع السوداني قبل تشكيلها, في حين أن هذه القوى لم تكن تتظاهر ضد حكومته بالذات بل كانت تعترض وترفض النهج والنظام المحاصصي برمته, التي قامت وتأسست عليه الوزارات وصولاً إلى وزارته. وأثبتت وقائع التنصيب والتوزير المحاصصي والتطهير السياسي لجماعة مصطفى الكاظمي كما لمريدي مقتدى الصدر, صحة توقعات القوى الشعبية المناهضة للدكتاتورية والانفراد بالحكم.
لقد أدركت القوى الحاكمة بخبثها التاريخي مدى خطورة تشرين وقوى التغيير بالعموم الاستراتيجية, كفكر ونهج وطني على مستقبلهم الوجودي, أكثر من التهديد التكتيكي المجمد الذي يشكله التيار الصدري, لذا فهي عازمة أساساً على إطفاء جذوتها بالمزيد من السياسات الطائفية والتفكيكية للمجتمع العراقي واجتثاثها من الوعي العراقي !
لكننا نبصُم بالعشرة على ما قاله الشاعر الألماني هولدرلين : ” حيثما عظم الخطب, عظم ما يُنجي منه ” !!!