في الامتحان يكرم مقتدى أو يُدان
إبراهيم الزبيدي
لمقتدى الصدر، منذ تأسيس جيش المهدي وتياره الصدري في أوائل أيام الغزو الأمريكي 2003، عند تلقيه شكاوى من أحد الفاسدين، وخاصة حين يكون قياديا صدريا من أمثال حاكم الزاملي وبهاء الأعرجي أو من حلفائه الذين يرضى عنهم، سياسةٌ ثابتة تقوم أساسا على طلب شهادة أربعة رجال عدول رأوا الميل وهو يدخل المكحلة.
أي أنه ينتظر من المسؤول الفاسد الذي ينوي أن يختلس أو أن يتلقى رشوة أن يستدعي المصورين الصحفيين ومراسلي محطات التلفزيون ومواقع الإنترنيت ويطلب منهم تصويره وهو يختلس أو يرتشي. وبدون ذلك فإن جميع الاتهامات التي تدور في الأوساط الشعبية والسياسية والإعلامية حول فساد أحد قادة التيار الصدري، أو أحد حلفائه، تظل اتهامات (باطلة) بدون دليل، رغم علمه بالقاعدة التي تقول، (لا دخان بدون نار).
ثم إن قبولَه بل ترحيبَه وابتهاجه بتعيين القيادي الصدري المقرب منه المدعو حاكم الزاملي نائباً أول لرئيس البرلمان، وفرحَه الغامر بتعيين حليفه محمد الحلبوسي رئيسا لمجلس نواب الشعب، دليل على أن تمسكه بمحاربة الفساد لا يخرج عن إطار المزاج الشخصي (القُح)، وليس مبدأ وطنيا عقائديا وسياسيا وأخلاقيا ثابتا يجعله يسل سيفه على كل فاسد، أي فاسد، سواء كان قريبا منه أو بعيدا، حليفا أو غير حليف، عدوا أو غير عدو.
وإصرارُه، فقط، على إبعاد غريمه نوري المالكي من طبخة الحكومة القادمة، رغم صواب هذا الإصرار، ليس سوى تصفية حساب شخصي لا علاقة فيها للوطن ولا الوطنية ومحاربة الفساد.
وفي آخر خُطبه الرنانة قال قبل أيام، “ماضون في تشكيل حكومة أغلبية وطنية عراقية، والباب مفتوح أمام من نُحسن الظن بهم”. وهذا يعني أنه راضٍ ومسرورٌ بالتحالف مع مسعود البارزاني، رغم كل تاريخه الممتليء بالدكتاتورية والفساد والانتهازية وابتزاز الشعب العراقي ونهب نفطه وأمواله، علنا وبالدليل القاطع المكشوف.
ثم إن الذي يستحق أن نسأل عنه السيد مقتدى هو أن بعض القياديين في تياره يسربون عبر وسائل الإعلام العربية والعراقية أن التيار ملتزم بالتصويت لمرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري، لرئاسة الجمهورية، فهل هذه صحيح؟،
وإن كان صحيحا هل يعتقد بأن هوشيار مثال الوطنية العراقية والنزاهة والاستقلال لكي يساعده في عهد حكومة الأغلبية الوطنية القادمة على محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، وهو أولهم وأكثرهم مباهاةً بقصوره وأمواله التي لم يرثها عن جده أو أبيه؟
ثم هل إن السيد مقتدى آخر من يعلم بأن هوشيار هو نفسه الذي صوت تياره الصدري، بقوة وإصرار، في العام 2006 على سحب الثقة منه وعلى طرده من وزارة المالية بعد التثبت من مخالفاته المالية والإدارية العديدة، ومنها،
- تهريبه مبلغ ١١٩ مليون دولار من خزانة الدولة الى حسابه الخاص في مصرفHSBC البريطاني في لندن.
- شراء طائرة خاصة وقصرين في لندن، وقصر في سويسرا قيمته أكثر من ٧ مليون دولار.
- صرف مبلغ ملياري دينار كلفة سفر أعضاء حمايته، رغم أنهم كانوا موجودين في أربيل، ولم يسافروا.
- صرف مبلغ ٩٠٠ مليون دينار من موازنة الوزارة لترميم منزله في المنطقة الخضراء.
- عارض قرار رئيس الوزراء حيدر العبادي القاضي بإقالة حمدية الجاف مديرة المصرف التجاري بعد أن أدينت بتحويل مليارات الدولارات كقروض لشركات في أربيل دون ضمانات.
وفي آخر خطبةٍ له أكد مقتدى أنه يرفض “التبعية والعنف وخرقَ القانون في العراق”.
والحقيقة أن في العراق السليب لا يوجد واحدٌ من العراقيين النجباء لا يتمنى أن يكون صادقا في ثورته الجديدة ، ويوفق، وأن يكون قد بريءَ، نهائيا، من تاريخه العدواني الطائفي المليشياوي السابق، ومخلصا في تحرير قراره من التبعية، وفي توقفه عن خرق القانون، وجادا في محاربة الفساد.
ولكن هل يعقل أن يكون أن يتحقق كل هذا الطموح الثقيل العظيم نحو الاستقلال ورفض الوصاية الأجنبية وحصر السلاح بيد الدولة ومحسابة الفاسدين بحلفاء لا يحبون الاستقلال، ولا يقدرون عليه، ولا يحكمون إلا بقوة الوصاية الأجنبية، وجميعُهم من أصحاب السلاح المعتدي المنفلت، ومن كبار الفاسدين المفسدين، أصحاب الثورات المهربة إلى بنوك إيران وتركيا والأردن والإمارات وبريطانيا وفرنسا وأمريكا؟.
ولأن مقتدى عوَّد الشعب العراقي على الخروج من البيت الشيعي غاضبا، وعلى عودته إليه راضيا مرضيا بعد شهر أو أسبوعين، فلا يَستبعد العراقيون أن تكون زوبعتُه الجديدة واحدة من زوابعه القديمة.
ففي عام 2018 أعاد قاسم سليماني عصفورَه النافر إلى عشه الأول، وجعلَه يتخلى، مرغما، عن بالوناته الدخانية المزعجة حول (شلع قلع) وحول (استقلالية) القرار الوطني العراقي.
وكان، يومها، تفجيرُ مستودع سلاحه في مدينة الصدر جرَّةَ الأذن النافعة التي أفهمته أن خروجه عن النص قد زاد عن حده، وأن الأوان قد آن لأن يعود إلى قواعده سالما، وأن يلتمَّ تحت العباءة الإيرانية، جنبا إلى جنب مع (الميليشيات الوقحة) التي يجاهر باستحالة تحالفه معها.
وقد تسببت، يومها، عودته المفاجئة إلى أحضان البيت الشيعي الإيراني الذي أصبح، اليوم، يسمى (الإطار التنسيقي) في كثير من الحرج لحلفائه في ائتلاف (سائرون)، وفي مقدمتهم قادة الحزب الشيوعي العراقي، ورئيس قائمة الوطنية إياد علاوي، وتنظيمات صغيرة أخرى جمَعَها مع الصدر وقوفُها الدائم معه في ساحة التحرير ببغداد للتظاهر ضد الفساد والفاسدين، وللدعوة إلى مدنيّة الدولة، ولإسقاط حكم المحاصصة الطائفي الذي ترى أنه المسؤول الأول عن الكوارث التي شهدها الوطن وأهله، من أول العام 2003 وحتى اليوم.
إن العودة القادمة للسيد مقتدى إلى البيت الشيعي الموكل بتنفيذ الأجندة الإيرانية في العراق، وربما في المنطقة، متوقعة وغير مستغربة لدى المتخصصين بالشأن العراقي، ولدى من عَرفوا مقتدى من أول ظهوره في النجف بجريمة اغتيال عبدالمجيد الخوئي، في أوائل أيام الغزو الأمريكي للعراق.
ولأن الخيط الأبيض لم يتبين من الخيط الأسود من مخططات إيران العراقية، بعد، فإن الأيام القليلة القادمة هي المحك الذي سنختبر به صدق مقتدى، وصلابته، ووطنيته، وإصراره على احترام هيبة الدولة، وكرامة الشعب، وسلطة القانون.
فإنْ صوت نوابُه لهوشيار رئيسا للجمهورية فعلى الهيبة والكرامة السلام. وقياسا على ذلك فإن رئيس الوزراء الجديد لن يكون مختلفا عن هوشيار زيباري بشيء.
وعندها سيكون على العراقيين أن يعلموا أن المختلسين إخوة، وأن خدمَ المخابرات الأجنبية أقارب وحبايب، وأن الخلاص والانعتاق لن يتحقق بمقتدى، ولا بهوشيار، ولا بمسعود، وإنما بانتفاضة جهنمية عاصفة لا تبقي لكل هذه الرمم الميتة من أثر. ونحن في الانتظار.