حرب الإجهاز على مقتدى
إبراهيم الزبيدي
في هذه المرة لم تسارع الفصائلُ المسلحة الإيرانية العراقية المسلحة إلى اتهام داعش بالتفجير الأخير الذي وقع في سوق الوحيلات بمدينة الصدر، ولكن التي سارعت إلى تبني العملية هي داعش (إن كان هناك داعش فعلا).
ونتذكر أنها تبنت، من قبلُ، اغتيال الشهيد هاشم الهاشمي، ثم أثبتت حكومة مصطفى الكاظمي أن قاتل الشهيد هو أحد ضباط وزارة الداخلية، وأنه واحد من جماعة الطرف الثالث المجهول.
ويعرف المواطن العراقي، من خلال سلسلة تجارب سابقة عديدة، أن داعش، دائما، تتهم نفسها بكل جريمة من جرائم الطرف الثالث المجهول، ثم يتبين، بعد ذلك، أن الفاعل معلوم وأنه أحد الولائيين، وأنها بريئة منها براءة نوري المالكي من سبايكر ومجازر الموصل والفلوجة وجرف الصخر وصلاح الدين.
تقول الأنباء إن 30 شهيدا مدنيا سقط في مجزرة سوق “الوحيلات” في مدينة الصدر ، وأصيب 60 آخرون، وأفادت المصادر الأمنية والطبية الحكومية بأن الانفجار نجم عن حزام ناسف كانت ترتديه امرأة.
وكعادته، بعد كل مجزرة وكارثة ومصيبة، أمر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بفتح تحقيق في التفجير، كما أمر، وكعادته أيضا، بتوقيف آمر الشرطة في المدينة، حتى أصبح العراق وطن التحقيقات التي لا تظهر نتائج تحقيقاتها، أبدا.
ولعلم القاريء فقط، نذكر بأن المجزرة الجديدة جاءت بعد أيام قليلة من محرقة الناصرية، ومن نيران وزارة الصحة، ومن (جهاد) تقليع أبراج الطاقة.
بدون كلام كثير. إن المذبحة الجديدة لا تخرج عن الحرب الجهادية التي تهدف إلى طرد مقتدى الصدر من الحكومة والبرلمان، وربما اغتياله، وتياره بعد ذلك، وإن مسألةً بهذه الطبيعة والخطورة لابد أن تكون إيران قد وافقت عليها.
فباختصار، إنها الحرب الضرورية التي تريدها إيران للخلاص من تعدد الإرادات، ولتهيء المسرح لانفراد الحرس الثوري العراقي بقيادة العملية السياسية دون شركاء ولا منافسين ولا مشاكسين.
وبالعودة إلى تاريخ ظهور مقتدى على الساحة السياسية، نجد أنه، منذ اغتياله عبد المجيد الخوئي في النجف في أوائل الغزو الأمريكي 2003، يوصف بالولائي (المخفَّف) الذي يجاهد من أجل كسب رضى إيران وثقتها، ولكن مع احتفاضه بنبضه الوطني العراقي المانع من العمالة الكاملة، وكان ينجح يوما ويفشل أياما أخرى.
ولهذه الإشكالية أسبابٌ عديدة، أهمها أنه عربي، وأن جميع أتباعه الصدريين عربٌ شيعة قاتَل آباءُ كثيرين منهم إيران في حرب الثمانينيات التي تجرَّع الخميني في نهايتها كأس السم، ومات وفي قلبه حسرة احتلال العراق، ومرارة الإحساس بغلبة الانتماء القومي على المذهبية لدى الشيعة العرب العراقيين.
ومعروف أن حروب تصفية مقتدى وتياره قديمة، ومستمرة ولن تتوقف. فرئيس الوزراء المؤقت، أياد علاوي، في 2004، بتكليف من سلطات الاحتلال الأمريكي وموافقة إيرانية مبطنة، حاول حصار التيار الصدري والفتك به في النجف، وفشل.
ثم أعيدت الحرب الإيرانية ضد مقتدى في البصرة، في آذار/ مارس 2008 باسم (صولة الفرسان) التي شنها رئيس الوزراء نوري المالكي خوفا من اتساع سطوة مليشيا جيش المهدي الصدرية، وفشلت فشلا ذريعا كسابقتها.
ثم توالت الحروب الناعمة الصغيرة المتلاحقة فتمكن خصوم الصدر وتياره من شطر جيش المهدي وتوليد مليشيا عصائب أهل الحق من باطنه، ومليشيات أخرى، ثم تمَّ سحب كثير من الصدريين وضمهم إلى مليشيا هادي العامري ودولة قانون نوري المالكي، مع الاستمرار في شيطنة التيار وقائده بشتى الوسائل والأساليب.
بالمقابل، أخطاءُ مقتدى لم تتوقف، ولا تحدياته ومشاكساته وتلميحاته إلى تبعية جماعات السلاح المنفلت والمليشيات (الوقحة). وظل، من حين إلى حين، يفاجيء شركاءه في الخيمة الإيرانية بوعودِه المتكررة بانتزاع السلطة منهم، وبتحرير الإرادة العراقية الوطنية من غاصبيها. وكان آخرها وعدُه لتياره بمئة مقعد في البرلمان القادم، وبرئاسة الوزراء، وهو ما جعل القائد الإيراني المكلف بالملف العراقي يقرر عدم الاستمرار في محاولات ترويض هذا المقتدى، ثم يوافق على حرب الحرائق الطبية والكهربائية ضده لعله يعرف حده ثم يقف عنده.
ثم جاءت خطبة مقتدى الأخيرة التي أعلن فيها انسحابه من الانتخابات مع ما فيها من تلميحات جارحة إلى استهتار الولائيين الذين أسماهم بـ (التابعين)، ومن حديث صعب عن التآمر الأجنبي (الخارجي) على العراق.
إذن فهو لم يقرأ، أو لم يفهم الرسالة الإيرانية المكتوبة بنيران مستشفى إبن الخطيب، ثم بحريق مستشفى الحسين في الناصرية، وحريق وزارة الصحة، ومعركة منظومات الطاقة.
وإذن، أيضا، فهو بحاجة إلى رسالة أوضح، مكتوبة بالمفخخات هذه المرة، وفي عقر دار تياره، نفسه، مضمونها أن دخول العملية السياسية والخروج منها أمران من أخص خصوصيات الحاكم الإيراني، ووفق شروطه وتوقيته، وعلى من يخالفها أن يتحمل النتائج.
الآن، وفي ضوء الخطوة التالية التي سيتخذها مقتدى، سوف تتضح معالم العراق المقبل الذي سيولد في الأسابيع، وربما في الأيام المقبلة.
فإما أن يعود، كما عاد في مرات عديدة سابقة، ويقبَل بما يقسمه له اسماعيل قاءاني من حصة في البرلمان القادم، بشرط أن يُسكت عصَبه العربي الذي ما زال ينبض في داخله، أو أن يخوض حربه الأخيرة مع السلاح المنفلت.
ويطرح المتظاهرون والمعتصمون المتأهبون لخوض المعركة الأخيرة مع الاحتلال ومليشياته (الوقحة)، بعد أن اتضحت الرؤية، هذا السؤال:
هل سيَعقلها مقتدى ويتوكل على الله ويعلن انضمامه مع تياره إلى جماهير الساحات الغاضبة في بغداد والمحافظات، في وقفة شعبية مليونية موحدة لا تتفرق إلا بعد أن تنتصر، كما فعل الشعب المصري وجيشُه ذات يوم؟