العراق والحل الباقي الوحيد
ابراهيم الزبيدي
الصراع بين الفريقين أثبت أن النظام السياسي عقيم لا يسمح لأحدٍ بإعادة بناء دولة اسمُها العراق، وأن العملية السياسية التي أنشأها المحتل الأميركي بالاشتراك مع المرجعية وإيران مُختطَفةٌ من قبل فئة من العصاة.
نظام مبني على المحاصصة الطائفية
كما كان متوقعا. فقد فشلت جلسة البرلمان العراقي المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية، واحتفل الثلث المعطِّل الذي يقوده نوري المالكي بانتصاره على التحالف الثلاثي بمنعه من تعيين رئيس جمهورية يقول عنه إنه صهيوني وانفصالي. ثم احتفل التيار الصدري وحليفه الحزب الديمقراطي الكردستاني بانتصارهما على الإطار بحشرِهِ في الزاوية وتقزيمه وجعله أقلية بعد أن كان يملك الحكومة والبرلمان والجيش والشرطة والقضاء دون منازع ودون شريك.
فقد غرّد مقتدى مخاطبا أتباعه ومؤيديه قائلا “لن نعود لخلطة العطار، فاليوم ثبتنا وأثبتنا أن لا مكان للمحاصصة، فكانت أجمل فسيفساء عراقية لا شرقية ولا غربية”.
وقبله تحدث زعيم الإطاريين، المالكي، وسط زغاريد نسوة الإطار وتكبيرات رجاله، فشكر النواب الذين قاطعوا الجلسة لأنهم “استوعبوا مظاهر التهميش، وتجاوُزَ التوازنات والإرادات والمعادلات السياسية التي حكمت العملية السياسية”، واعتبر ما حصل في جلسة السبت “مرحلة قوية للتصحيح”، وقال إن “الثلث الضامن هو لحماية العراق من الفوضى وعودة التمحورات الطائفية”، “إننا نفتح قلوبنا وأيدينا لكل من يريد أن يحتوي الأزمة التي يمر بها العراق، لأننا نريد أن نشكل حكومة تنهض بواجباتها في حماية وحدة العراق، وحماية مصالح الجماهير، وحماية البناء والإعمار الذي يحتاجه الشعب العراقي”.
أما الذي أثبته الصراع بين الفريقين فأمران، الأول أن النظام السياسي القائم في العراق أثبت أنه عقيم ولا يسمح لأحدٍ، من داخله أو من خارجه، بإعادة بناء دولة اسمُها العراق. والثاني أن العملية السياسية التي أنشأها المحتل الأميركي، بالاشتراك مع المرجعية وإيران في 2003، مُختطَفةٌ من قبل فئة صغيرة من العصاة لا تتعدى خمسة في المئة من مجموع الشعب العراقي المغيب بقوة السلاح والدعم الخارجي والفساد، وإليكم الدليل.
لا بد أن يُشمّر العراقيون، كافةً، عن سواعدهم، هذه المرة، ويُكفّروا عن ذنب مقاطعاتهم السابقة للانتخابات، ويهبّوا رجالا ونساءً، شيعة وسنة، عربا وكردا وتركمانا، مسلمين ومسيحيين، لانتزاع الوطن من غاصبيه، أجمعين
فاستنادا إلى الأرقام الصادرة، رسميا، من المفوضية المستقلة للانتخابات تَبيَّن أن عدد سكان العراق، يوم إجراء الانتخابات الأخيرة، كان 40 مليونا و22 ألفا، وأن عدد الذين كان يحق لهم المشاركة في الاقتراع 22 مليونا، ولكن الذين أدلوا بأصواتهم 9 ملايين و77 ألفا و779 فقط، منهم مقترعون فضائيون، خصوصا في المراكز الانتخابية التي تتوفر فيها لهذا الحزب المسلح أو لذاك إمكانية ضخ أوراق اقتراع غير حقيقية أو تبديلها.
وبعض منهم كان مدفوعا بعصبية طائفية أو عنصرية أو حزبية أو قبلية، وبعض آخر ساقه الفقر لبيع صوته بحفنة دولارات، وآخرون اضطروا للمشاركة خوفا من انتقام المتنفّذين، يضاف إليهم إيرانيون مُنحوا الجنسية العراقية قبل شهور واُدخلوا إلى العراق من إيران قبل الاقتراع بيومين للإدلاء بأصواتهم للمرشحين الذين اختارتهم الاستخبارات الإيرانية المعروفة باسم (إطلاعات) المكلفة بإدارة الملف العراقي.
يعني أن علينا أن نحذف نصف التسعة ملايين ليبقى عدد المصوتين الباقين في حدود 4 ملايين، ويظل ستة وثلاثون مليونا من العراقيين خارج الحساب والكتاب.
وحين ندقق في شعارات الفريقين المتعاكسين ومطالبهم نجد أن أنصار تيار مقتدى الصدر وأتباع حليفه مسعود بارزاني يقولون إن هدف تحالفهم هو تحرير الإرادة الوطنية من الوصاية الأجنبية، وتشكيل حكومة أغلبية وطنية لا شرقية ولا غربية، رغم أن لتركيا وقطر والإمارات والسعودية وأميركا وإسرائيل دالةً على بعض قادة التحالف الثلاثي، علنا، وبدون نقاش.
وتكمن صعوبة تصديق هذه المزاعم في أن مقتدى ومسعود والحلبوسي والخنجر ليسوا من السذاجة والغفلة إلى هذا الحد الذي يجعلهم يختارون المواجهة المصيرية مع إيران، علنا وفي هذا التوقيت، لطردها وتصفية وكلائها، رغم فارق القوة بينهم وبينها، ودون أن يتوقعوا (جهاد) الصواريخ والمسيرات والمفخخات والاغتيالات التي يعرفون أنهم سيكونون أكبر الخاسرين فيها. وفي ظل تعقيدات الواقع الدولي الجديد، وانشغال حليفها الروسي بأوكرانيا، وتعثر توقيعها الاتفاق النووي، وبوادر ظهور حلف أميركي إسرائيلي عربي لمواجهة نشاطها العدواني في المنطقة، ستصبح في المرحلة القادمة أكثر ضراوة ودموية في التمسك بوجودها في العراق، باعتباره الأقرب والأقدر على دعم اقتصادها الذي يقترب من حالة الاختناق، إضافة إلى موقعه الجيوسياسي الذي لا تتحمل كلفة التخلي عنه تحت أي ظرف من الظروف.
ثم، إذا كان الإطاريون متهمين بالولاء لإيران فإن الشيعي الصدري والكردي البارزاني والسني الحلبوسي الخنجري لم يكونوا قادرين على دخول العملية السياسية، والحصول على مناصبهم ومكاسبهم، وتأسيس أحزابهم وائتلافاتهم وميليشياتهم، واكتناز الذهب والفضة، وشراء المؤيدين والأتباع لولا كرم الحرس الثوري الإيراني، وبركات قاسم سليماني، سابقا، وإسماعيل قاآني لاحقا، ورعاية السفارة الإيرانية في بغداد.
شيء آخر. يقول أصحاب التحالف الثلاثي إنهم يريدون تشكيل حكومة قادرة على إعادة بناء الدولة على أسس مؤسساتية ديمقراطية، وإعادة الاعتبار لهيبتها، واستعادة سلطة القانون، وتعزيز استقلال القضاء.
أية ديمقراطية، وأية عدالة ومؤسساتية أقامها مسعود في إقطاعية أسرته في أربيل لينتظر المواطن العراقي منه أن يستنسخُها ويقيمها في بغداد ومحافظات الوطن الأخرى؟
حسنا. ماذا إذن كان يفعل التيار الصدري في الوزارات والهيئات والمؤسسات التي وهبت له بنظام الحصص فاستخدم عوائدها ومواردها لتمويل ميليشياته ونشاطاته ومكاتبه المتناثرة في محافظات الوطن المختلفة؟ وماذا كان يفعل بارزاني بموارد النفط والمنافذ الحدودية وما تهبه الخزينة المركزية لحكومة الإقليم؟
ثم، أية ديمقراطية، وأية عدالة ومؤسساتية أقامها مسعود في إقطاعية أسرته في أربيل لينتظر المواطن العراقي منه أن يستنسخُها ويقيمها في بغداد ومحافظات الوطن الأخرى؟
ثم أليس تحالفُهم الثلاثي محاصصة طائفية وعنصريةً حافظوا فيها على حصص البيت الشيعي والبيت الكردي والبيت السني، ثم أبقوا رئاسة الجمهورية من حصة المكون الكردي، أيا كان وكيفما كان، ورئاسة الحكومة من حصة المكون الشيعي، حتى لو كان لا يصلح لقيادة عنزتين، ورئاسة البرلمان من حصة المكون السني، حتى لو كان واحدا من كبار المهرّبين والمزوّرين والمختلسين؟
ويهدد الإطاريون بأن لديهم ملفاتِ فسادٍ خطيرة موثقة على قياديين في التحالف الثلاثي، وسينشرونها عند الضرورة.
والحقيقة هي أن جميع الذين تقاسموا الوزارات والمؤسسات في الحكومات السابقة مع أحزاب إيران العراقية، سواء كانوا من هؤلاء أو من أولئك، يتحملون نفس القدر من المسؤولية عن الفساد والخراب والاقتتال والفشل الذي تعاني منه العملية السياسية، وعن تمكين الإيرانيين من فرض سطوتهم على شؤون الدولة العراقية، وإعانتهم عليها.
وإزاء احتمال عجز الفريقين المتقاتلين عن طيّ الخلافات وتغليب مصلحة الوطن على مصالحهم الشخصية والحزبية والأسرية فإن الانغلاق واقع لا محالة، ولا بد أن يقود إلى أربعة احتمالات، الأول أن يُضطر رفاق السلاح إلى التوافق، والثاني أن تقوم الفصائل المسلحة بانقلاب عسكري على الدولة فتشتعل الحرب الأهلية الطاحنة بين ميليشيات الفريقين، والثالث أن يعمد الحرس الثوري إلى غزو العراق أسوة بالغزو الروسي لأوكرانيا ليتحول العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية مع إيران، والرابع أن تبادر المحكمة الاتحادية فتمنح رئيسَ الجمهورية صلاحية حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة، ويوافق الطرفان، إذا رحم الله الشعب العراقي ومنّ عليه بهذه الفرصة التي لا تعوض.
ففي الانتخابات الجديدة لا بد أن يُشمّر العراقيون، كافةً، عن سواعدهم، هذه المرة، ويُكفّروا عن ذنب مقاطعاتهم السابقة للانتخابات، ويهبّوا رجالا ونساءً، شيعة وسنة، عربا وكردا وتركمانا، مسلمين ومسيحيين، لانتزاع الوطن من غاصبيه، أجمعين.
فلا يعقل أن يُلدغوا من نفس العقارب عشرات المرات.