البحث عن رئيس جمهورية
إبراهيم الزبيدي
يتمثل العراقيون دائما بالمثل الشعبي القائل (المعلف قبل الحصان) حين يتحدثون عن أحمق لا يجيد التدبير، فينهك نفسه وأهله بتحضير معلف في داره وتجهيزه بالعلف المطلوب، على أمل أن يكون له، ذات يوم، حصان.
أما السياسيون العراقيون الذين يقودهم مقتدى الصدر، هذه الأيام، فيفعلون العكس. يتشاكسون ويتناتفون ويتعايرون، ثم يتصالحون ويتحالفون من أجل اختيار رئيس جمهورية، في انتظار الجمهورية، بعد عمر طويل.
قد تبدو هذه المقدمة قاسية، ولكن الواقع السياسي العراقي الحالي أثبت أن الساحة السياسية خالية من الزعيم العابر للأحزاب والتيارات والمناصب والمكاسب والرواتب، وتؤكد أن مقتدى الذي وعد بجعل البحر مرَقا وأشجار الغابة معالق ليس هو القادر على تحقيق أحلام القلة القليلة التي صوتت له من الناخبين.
ولمن نسي أو قد ينسى نعيد التذكير باعترافات قيس الخزعلي، القيادي المنشق عن التيار الصدري، حين ألقت القوات الأمركية القبض عليه في 2007.
فوفقاً لتقرير الأستجواب في 18 حزيران 2007 أكد الخزعلي أن زياراته المتكررة لإيران مع مقتدى الصدر، ثم بعد ذلك لوحده مبعوثًا عن مقتدى، كانت من أجل الحصول على المال والسلاح والدعم السياسي. وكرر الخزعلي اعترافه بأن مقتدى أراد منه ان يكون قناة الاتصال بإيران، وأن يتسلم التمويل من المصادر الايرانية، لكي يظهر هو بصورة المستقل عن ايران.
والحقيقة التي أكدها الواقع الإحصائي الانتخابي الأخير هي أن مجموع الذين منحوا أصواتهم للتيار الصدري، ولجماعات الإطار التنسيقي، ولكتلة محمد الحلبوسي وخميس الخنجر، ولحزب مسعود البرزاني، لا يتجاوز عشرة بالمئة من مجموع سكان العراق.
وهذا معناه أن عدد المنضوين تحت أجنحة القادة الحاليين لا يتعدى المليونين، في أبعد التقديرات، كثيرٌ منهم منتمون بحكم الحاجة، أو الخوف، أو الانتماء العنصري أو الطائفي أو المناطقي، ويبقى عراقيون يقدرون بتسعة وعشرين مليونا يتفرجون على معارك الرابحين والخاسرين، فيبكون ثم يضحكون. وشر البلية ما يضحك، كما يقال في الأمثال.
والمتعمق في دراسة حقيقة حجم الطبقة السياسية الحالية، بحياد ومنهجية علمية صادقة، لابد أن يكتشف أن وجودها سطحي خارجي ليس له صلة بما وراء جلد المجتمع العراقي.
ولإثبات ذلك علينا أن نتتبع وجود التيار الصدري والإطار التنسيقي والحزب الكردي الحاكم في جمهورية أربيل والآخر الحاكم في السليمانية والوجوه السنية الطفيلية السطحية الملحقة بها.
فما أثبتته الانتفاضات الدامية، منذ 2003 وحتى اليوم، أن الأوساط الشعبية الشيعية العراقية، بوجهٍ خاص، ما زالت لا تنظر بعين الارتياح إلى الطبقة السياسية الحاكمة الموالية لإيران، وتعتبرها نتوءاتٍ ناشزة انتهازية خارجة عن المألوف، ومن الواجب مقاومتُها ومحاصرتها ومعارضتها، والعمل على إسقاطها والتخلص من فسادها وعمالتها، خصوصا في أوساط المثقفين والأجيال الشابة الجديدة المتفتحة المتطلعة إلى حضارة الزمن الجديد، وإلى مكاسبها الإنسانية التي لا تعد ولا تحصى، للحاق بما هو قائم في الدول المجاورة، وفي دول العالم الحرة المتقدمة التي تحترم نفسها.
أما في المجتمع السني فلا تخفى روح الانزعاج من الشريحة الانتهازية التي اختطفت القرار السني، واحتكرت تمثيل الطائفة بقوة السلاح أو المال أو الحماية الإيرانية والأمريكية والقطرية القاهرة.
فقد بقيت الطبقة السياسية السنية، منذ 2003 وحتى اليوم، منبوذة، مكروهة، موصوفة بالانتهازية والمصلحية والعمالة، إلى الحد الذي لا يأتي ذكر قادة أحزابها إلا مرفوقا بصفة (سنة إيران) أو (سنة الحكومة). وما زالت الجماهير السنية العريضة تتطلع إلى يوم الخلاص من الوصاية الإيرانية، ومن طبقة السياسيين السنة الذين لا يقلون خطورة على الطائفة من إيران واحتلالها.
كما لا يختلف المجتمع الكوردي العراقي، هو الآخر، كثيرا عن شقيقيْه العراقييْن، الشيعي والسني، خصوصا في نقمته المتصاعدة على الطبقة الحاكمة التي ثبت للمواطن الكوردي أنها سلطة فاسدة لا تخدم سوى مصالحها ومصالح وُلاة أمورها الخارجيين.
ومن المتدول في أوساط العراقيين أن أغلب الذين انتَخبوا مقتدى ومسعود والحلبوسي تبرعوا بأصواتهم إما بيعا بمال أو طمعا بوظيفة، أو من باب أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب.
وبالرغم من ذلك فأنت ترى مقتدى نافشاً ريشه، معظما نفسه، ومعتقدا بأنه فتح القسطنطينية. يغضب ساعة ويرضى ساعة. يقبل مرة ويرفض ألف مرة. ومعه الفائزون الآخرون الفرحون بما أخذوه من المقاعد النيابية في غياب الشعب العراقي الناخب الحقيقي الذي قاطعهم وأهملهم، أجمعين.
أما المؤلم في الوضع السياسي الحالي في العراق فهو أن أشقاءنا في أجهزة الإعلام العربية، وأصدقاءنا في الإعلام الأمريكي، بشكل خاص، حين يتحدثون عن الوضع السياسي العراقي البائس الحزين يسمّون الصدر بالقلعة الشيعة المعادية لإيران، ويعتبرون البرزاني هو الشعب الكردي، والحلبوسي الممثل الشرعي الوحيد لسنة العراق، وهم ليسوا كذلك.
أما آخر الأخبار فهو أن مقتدى الذي كان ناوياً، كما يبدو، على تعيين هوشيار زيباري رئيسا للجمهورية وجد أن فضائح هذا الهوشيار لا يسترها غربال، وأن التصويت له مشكلة، فقرر مقاطعة جلسة انتخاب الرئيس، ناصحا حليفه البرزاني بترشيح واحد آخر من أسرته أقل فسادا، أو أن فساده لم يصل، بعدُ، إلى درجة الفضائح.
وهنا يتطوع المدعو مشعان الجبوري، وهو نائب عن تحالف السيادة الحليف للتيار الصدري وللحزب الديمقراطي الكردستاني ليكشف لشبكة (رووداو) البرزانية سرا، فيقول، “إن السيد القائد مقتدى اقترح على رئيس إقليم كردستان نجيرفان بارزاني الترشح لرئاسة الجمهورية.”
يعني أن الرئيس الذي سيُرضي مقتدى هو نجرفان برزاني الذي يؤمن، كابن عمه مسرور البرزاني، بأنه مواطن (كردي) اضطر للعيش في العراق.
وليس بعيدا، غدا، أن يجعل فخامة الرئيس نجرفان برزاني رئاسة جمهورية العراق منصةً للترويج لانفصال مملكة عمّه مسعود عن إقليم كردستان، وعن العراق، ويومها سيبكي العراقيون على كاكه برهم صالح بدموع من دم، ولكن بعد فوات الأوان.