ألعاب واحد اسمه مقتدى
إبراهيم الزبيدي
سواء كان حريق مركز العزل الصحي التابع لمستشفى الحسين في الناصرية قد تم بفعل فاعل أشعل النار في منظومة الغاز، متعمدا، أو أنه كان نتيجة احتكاكٍ آليّ، كما يروج البعض، فالجهة المسؤولة، في الحالتين، هي، بالأصالة، دولة الإسلام الجهادي الإيرانية صاحبة الحل والربط الوحيدة، في العراق، ونيابة عنها التيار الصدري المتصرف بالوزارات الخدمية التي حرمت العراقيين من طعم النوم وهم غير خائفين، ولا قلقين، ولا غاضبين.
ورغم أن حكومة مصطفى الكاظمي صدرية الهوى إلا أنها اضطرت للاعتراف بوجود فساد وتقصير، خصوصا في المستشفيات التي تم إنشاؤها على عجل لمواجهة ظروف كورونا.
ثم انضم الرئيس برهم صالح إلى المعترفين بالفساد فأكد أن”فاجعة مستشفى الحسين (ع) في ذي قار، وقبلها مستشفى ابن الخطيب في بغداد، هي نتاج الفساد المستحكم، وسوء الإدارة الذي يستهين بأرواح العراقيين، ويمنع إصلاح أداء المؤسسات”. وبذا يصبح الفاعل المجهول معروفا وغير مجهول.
وبالتزامن مع حريق الناصرية تقول وثيقة صادرة من وزارة الكهرباء إن 100 من أبراج الطاقة وشبكة منظومة الكهرباء تعرضت للتخريب، منذ مطلع العام وحتى 10 تمو/ يوليو الجاري، فضلاً عن 50 خطاً لنقل الطاقة.
وفي نفس يوم حريق الناصرية اندلع حريق آخر في 12 تموز/يوليو الحالي في الطابق الرابع من مبنى وزارة الصحة، ذاتها، وهو الطابق الذي تُحفظ فيه ملفات الوزارة. وبعد أن أتى الحريق على جميع الملفات أعلنت وزارة الصحة أن “الدفاع المدني سيطر على الحريق ولا توجد إصابات”.
وقبل ذلك، وتحديدا في ليلة 24/25 نيسان الماضي، شبَّ حريق في مستشفى إبن الخطيب الذي كان يعالج فيه مرضى كورونا، فاستشهد 82 شخصاً وأصيب 110 آخرون.
واستنادا إلى شهادة أصدرتها مديرية الدفاع المدني العراقية تبيَّن أن بغداد الرصافة شهدت 48 حريقا، والكرخ 33، وواسط 35، وبابل 22، وديالى 20، والبصرة وذي قار 17 لكل منهما، والنجف 15، وميسان 14، والأنبار 10، وكربلاء والقادسية 9 لكل منهما، وصلاح الدين والمثنى 8 لكل منهما، وكركوك 7 حرائق.
وإزاء كل هذه الحرائق والكوارث توجهت أصابع اتهام الولائيين والمتظاهرين إلى أتباع مقتدى، وحملتهم المسؤولية عنها جميعها، باعتبارهم المتعهدين الوحيدين الممسكين بقطاع الصحة والكهرباء، والمعروفين بالاختلاس والاستغلال والفساد.
وقد بدأت الحكاية من هنا. فقد عرض متظاهرو الناصرية على رئيس الوزراء قائمة مرشحين لمنصب محافظ ذي قار، من ضمنهم أحمد الخفاجي المعارض للتيار الصدري. وقد تم اختياره وتعيينه، رغم معارضة الصدريين.
وفي 21 من حزيران/يونيو الماضي قرّر المحافظ الجديد إعفاء 5 مدراء عامين من بينهم مدير صحة ذي قار، صدام الطويل، المحسوب على تيار مقتدى.
ولكن الوكيل الفني لوزراة الصحة، هاني موسى العقابي، وهو شخصيّة صدرية معيَّن وزيراً للصحة، وكالة، أصدر أمرًا إداريًا يقضي باستمرار الصدري صدام الطويل مديرا عاما لصحة ذي قار، وبعدم اعتماد توقيع المدير الذي عيّنه المحافظ. لكن صور الجثث المتفحمة وتظاهرات الغضب الشعبي الذي اجتاح الناصرية والعراق أجبرت صدام الطويل على الاستقالة.
وعلى خلفية هذه التطورات، وبشكل مفاجيء، أطلق مقتدى الصدر توجيهًا لأتباعه يأمرهم فيه بالعمل على إقالة محافظ ذي قار “فورًا”.
عندها رد المحافظ عليه، بقسوة، قائلا: إن الشعب هو الذي اختارني محافظا. و” إن على الصدر أن يُبعد وزارة الصحة عن تياره الذي سيطر على كل مفاصلها، حتى الچايچي”. أي (العامل المكلف بإعداد الشاي في مبنى الوزارة).
ثم ألحق المحافظ رسالته بتصريح أعلن فيه أن “القوات الأمنية تمكنت من إحباط مخطط يهدف إلى إحراق مدينة الناصرية، باستغلال قضية الخريجين”، وقال إن “الذي يقف وراء المخطط هو (أحد) المديرين المقالين، فضلا عن مدير شركة نفط في محافظة ذي قار”. وهو اتهام مبطن للتيار الصدري.
شيء آخر. إن مقتدى وعد تياره، مؤخرا، بمئة مقعد نيابي في الانتخابات القادمة، وبرئاسة الحكومة، ثم جاءت الحرائق الأخيرة لتزيد منسوب النقمة الشعبية الواسعة التي كان خصومه قادةُ المليشيات الإيرانية سبب تأجيجها واستهدامها سلاحا فعالا ضد تياره ليكون الخاسر الأكبر في الانتخابات القادمة، في حالة إجرائها في موعدها.
والمعروف والثابت أن مقتدى لم يغادر، يوماً، خيمة الولي الفقيه. ولكن يبدو أن الحاجة لمواقفه المتقلبة، وتصريحاته النارية، وتظاهراته المزعجة، قد انتفت وآن لصاحبها أن يترجل، ويفسح الطريق لأشقائه الولائيين الآخرين الأكثر حظوة لدى الحرس الثوري الإيراني ليقوموا بأدوارهم المرسومة لهم في الحلقة القادمة من مسلسل اللعبة الإيرانية في العراق والمنطقة.
يقول مقتدى: “لست ممن يتنصل من المسؤولية، إلا أن ما يحدث في العراق هو ضمن مخطط شيطاني دولي لإذلال الشعب وتركيعه وإحراقه، خوفاً من وصول عشاق الإصلاح الذين سيزيلون الفساد”. “فلياخذوا كل المناصب والكراسي، ويتركوا لنا الوطن”.
إذن فقد نجح خصومه (الأشقاء)، فجعلوه يختار، مجبرا، أن يتقاعد ويغادر الملعب، فيريح ويستريح.