محنة الشاعرة العراقية نازك الملائكة والإبداع
(1 ـ 4 )*
إشبيليا الجبوري
ترجمة عن اليابانية أكد الجبوري
مرت بسكينة وصمت الذكرى لرحيل الأديبة “عاشقة الليل”٬ الشاعرة العراقية المبدعة نازك الملائكة (1923 ـ 20 يونيو/حزيران2007) ـ رحمها الله تعالى ـ حاملة “شظايا ورماد” بـ”قرارة الموجة”٬ عازفة معاني العود شعرا٬ بالصبر والجلد مقابل إبداع بيان الحدس وبرهان الإبداع وعرفان الذائقة ٬ جرأة الشعر وشغف الكلمة و دقة رسو المعنى والتجديد٬ رافق الشعر جذوة عزفها لآلة العود٬ وحدة هشيم ليالي شظايا رمادها٬ إن صح القول٬ لنشاط ميلها الفني كعازفة عود شاذرة فيه طيبا وجمالا مباركا٬ ومكانة درسه استذاقة اللحن٬ مكانة الشعر الحياة٬ انغامه معاني بوتقة ألسنتها٬ فنون اقلامها الادبية٬ ما يمكننا القول ذلك بالمناسبة٬ بمثابة أحد نشاطها الخاص٬ وكان كل ما أرادت التسمع منه تقييد فكر٬ أو أتساع تصور٬ أو تخليد حكمة٬ أو تثبيت مأثرة٬ أو اظهار ابداع وعبقرية في دقة الاحساس ولطف التصور٬ واتقان التصوير وااتصوير٬ أنشأت في ذلك منه أبياتا أو قصيدة٬ فلا تكاد تجاوز اناملها شفتي اوتاره حتى يتلقفها الكلم والنظم سماعه فيطيروا بها كل مدار٬ أحوال مطار٬ فكان الشعر وحده هو أخص مؤلفاتها٬ وهو تاريخها٬ وهو مظهر نبوغ فكرها.
ثم حافظت لكل ما تحتفل به لنفسها من فهم إلى العلم والحضارة. ثم جاءت اصدارات رياح التغير٬ ما بعد الحرب العالمية الثانية٬ ومحك كنفها التعليمي الذي يتيس فيبه النقد كما يعد فيه اختيار مفاضل الرأي٬ وتأسيس قواعد اللسان والفكر فيه٬ تضمنه طراز علم ومعرفة٬ فنلقتها من العزلة عن الأمم والناس إلى السفر والانتقال لمخالطتهم٬ فكان جرأ تلك المخالطة مع ما أفادوها٬ وأستفادوا من حول بها من النباهة أن أخذت موهبة السليقة تضعف٬ وأخذ اللحن والخوهن يتسرب واللحن إلى سماع ألسنتهم يخطأ٬ وأخذ الطعن يهدد اللغة وآثار المعرفة ويتطاول إلى التراث والفكر نفسه٬ فأن مدارها على الأبداع والعبقرية وهما بالصنع العربي الادبي القويم الفصيح دام قائما بين ميلاد ميولها الفنية هيبة٬ فنهضت كتاباتها٬ معرفة وجمالا٬ يتسقى إلى ألسنتهم لمقاومة ذلك الخطر فدونوا حسن اللغة وآثار وأسست بفصاحتها قواعد وقيدت شوارد٬ أعتنت بحفظها٬ أهمها٬ عنايتها بتراث وتاريخ أمتها٬ ما نهض صحة نبعه المعين٬ مد معرفة جذور نبوغ اللغة وقواعدها٬ وأشرفها صفة على انتخاب المحك الذي تتيسر به نقد الحكايات والقصص عن احوال الاقدمين٬ فكانت تصغي من لهم حسب معانيها لسان فصيح في التراث والتاريخ٬ تدنوا من القواعد والاسس الشاردة٬ المعاني المتأبية٬ عهدة وجود٬ من الادباء والعلماء لا شعرا أو حكاية فحسب٬ بل إن تضمنتها عن بدؤوا من نسب إليها القربى٬ بتشجعها على نقده فان وجدته كما تعهده من الشعر القريض الملفت٬ أو الحر ـ الحداثي صحة التجديد٬ أو كما يعرفون من طراز من نسب إليه وثقوا به متابعة وتحديث٬ تدوين الشعر أبيات المعاني٬ ونبع يلهم عندهم أصدق الشواهد الحداثية على تطوير أساليب الفنون رفعة للأدب٬ أو صياغة مفيدة نافعة للشعر و إلا نبذوه كشعر مصتوع غير مجدد أو يحرف فيه الأصيل. ما جعلت تجربتها ذلك دليلا على اختلاق ذاك الخير الابداعي بخبر عبقريتها أصدق الشواهد وأنصع المكابدة إلى الحياة نفسها فصاحة وابداع في ديوانها النبوغ “شظايا ورماد”.
نتلمس فيه٬ الزمن الذي يعيش فيه الإنسان٬ ذاتها٬ زمن ميلاد وأنتقال نحو حقبة جديدة٬ من أتصال وأنفصال الروح عما كأنه العالم الذي حد وجودها وتماثلها فيه٬ إنه زمن القلق٬ والضجر واللامبالاة الذي يداهم ما ظل باقيا ومستمرا من ذلك الماضي والأحساس الغامض بمجهول قادم٬ هي الإشارات المبشرة بأن شيئا آخر مختلفا يتهيأ. إن هذا التفتت من الإنكسارات يوقفه رمادا من شظايا طلوع الشمس التي تحاول النفس “الإرادة الجبارة” أن تبني صرح العالم الإنساني الجديد٬ صرح نضوح حداثته.
وحول ذات الأمر يمكن أن نفهم لم علينا أن نفعل أشياء في هذا العالم وكأنها مرتبطة بالحداثة أو على ان الحداثة مرتبطة بوعي تاريخي يجعل من الحاضر الجنين الحامل باستمرار للمستقبل بأزهى مما كان٬ هذه وقف نلحظها في أنفاس شاعرتنا حين تتوقف بنظرتها الفاحصة لقيمة وعمق التراث والتاريخ لأمتها٬ وأن نظرتها نظرتها للحداثة في رفضها لنماذج محددة فإنها تعلن انفصالها عن التقليد وعن الماضي كقدم اصطلاحي٬ لمجرد أنه ماضي٬ إذ هي تتعارض مع من لم ينبغي أن يكون لدينا عليه قدم رفض صداقته وتطلعاته٬ للدلالة على أنه رفض ديمومة الآمال والأحلام. ألن يكون من الأجدى أن نفهم سيل وصيرورة تثبت قدرة الإنسان وجذري إستطاعة كينونته في حركة التاريخ وتعافي ما نؤوب إلىه من زاوية قصية من العالم أي ديمومة هذا التمرد الخلاق الذي يتشكل في كينونة وعي الإنسان٬ بذاته داخل التاريخ٬٬ حيث يصير صخبه وتناقضاته من أقترابه إلى التلاشي نحو شدة التعلق بالجديد٬؟ غير أن شاعرتنا بالوعي التاريخي ودفضها الثبات مع القدم٬ أخذ لها أن تجعل إرادة الإنفصال عن القديم حاضرة بكثافة غايتا٬ بلورة الحداثة كحاضر مستديما للمستقبل من ثم يكون في وسعنا أن نتبرأ من الثقافة والمطامح المتعارضة بذات التاريخ والديمومة للدلالة: حينها استشعرت ما قد يؤوب نشأة من جهود٬ ستخسرها في حركة أنفصال صيرورة كل شيء٬ ولن نحوز شيئا حاضرا في المقابل٬ بلورة رؤية جديد للعالم٬ تجعل من هذه الإرادة تطلعات جديدة لا سابق لها يمكن أن تخلخل بنية العقل ورؤية الإنسان التقليدية للعلاقات بين الأشياء وطبيعة النشأة بصفة عامة٬ لكن إثبات قدرة الإنسان وتجذر حداثة الكونية حوله٬ إذ أي شيء هذا الذي يرجى أن يجنى من هذا العالم؟ أثمة أناس يعتبرون الظفر بشيئ من التغيير أمر تافه٬ أ تجاوز الحداثة هي نتاج فهم تعساء بلا رجاء ووحيدون دوما في تخلخلات وعرضة ضحية هزات وتقلبات للعالم. الشعور الشديد “لشظايا و رماد”٬ كوبرنيك الشعر٬ على المستويات الابداعية المجتمعية والفكرية الثقافية٬ تخللتها هزات وتقلبات عضوية٬ نحن كثيرا من بعضنا بعضا! ومع ذلك٬ لو كان واحدنا صريحا تماما تجاه الآخر٬ وكنا إذ ذاك نطالع في أغوار أنفسنا٬ فأي قدر هذا الذي سنراه من مصيرنا؟
ومما أسلفنا ذكره٬ يظهر لنا تصور بسيط عن إضاءات وامضة٬ مثل محاولات للإنفلات من التقليد: فسمة الحداثة الإيمان بقيمة الإنسانية٬ حيوية تتجلى٬ فيه من محتوى الإبداع مفهوم يتراوح بين التأكيد على أحتواء الإنسان من تناهيته وعلى تأكيد فاعلية٬ إرادته المتعالية٬ قيمة٬ مركزه الجديد٬ طموح يشرف عن تموضعات كادت أن تبتعد عنه المحمولات بحامل تخيلها. شاعزتنا كانت نظرة التحول في قراءة على إننا مفرطو الوحدة في الحياة إلى حد ينبغي أن لنا أن نسأل عنده إن لم تكن وحدة ما يميز بالانفتاح على المستقبل بإظهار قراءات متعددة عن الحداثة٬ وعلى بداية تخفف المرحلة التاريخية بالموت رمزا مطلقا لوجودنا البشري٬ بمعنى أن يصبح الحاضر أيضا يمكننا خلاله بالأنفتاح على المستقبل٬ وعلى بداية مرحلة لها صفات تاريخية متجددة بأناسها من عطاء٬ فالحاضر يصبح مرحلة انتقالية مستدامة٬ مرحاة أنتقال تتلاشى في الوعي بالتسارع٬ مفموما بالزمان الدائري المتبع فلسفيا علر حاضر له قواعده الخاصة في نوابض منظمات تسارعه. لكن أمن المستطاع أن يكون في اللحظة الأخيرة لها أن تتخذه عزاء لما فيها منه؟ هذا الاستعداد للعيش والموت لشاعرتنا في المجتمع دلالة على عوز عظيم رغم مفهوم التقدم. مما يجعلنا الوقوف عندها في نظرة متقدمة الابعاد بتمثل الزمن والتاريخ الوجود الخاص عندها. من الأجدر بالتفضيل النهوض على أساس تجربتها ألف مرة من أن تموت وحيدة في مكان٬ في التاريخ ونظرية التقدم الحر٬ حين بدأ الأخد بالأقتناع بفكرة التقدم المناهضة تماما للرؤية القديمة للزمان الابداعي والعبقدية في الرؤية الدائرية للابداع.
وما يمكن أستجلاءه هو أن مفهوم البنية الابداعية للشاعرة هو مفهوم إنساني للتقدم٬ يرتبط بفكرة مفادها أن الإنسان فاعل مهم في التاريخ٬ كما فكرة الكتابة عن ذلك؛ تطلب منها بفكرة “التفاؤل بالمستقبل”٬ ومن ثمة في الحداثة التي ستعكس على الإنستن العراقي والعربي بوجه عام هذا النزوع نحو التقدم بإنسانية مطلقة. فالحداثة بالنسبة لشاعرتنا إنما هي قيمة تستمد معاها من ذاتها الابداعية واستمرار ذاتها كحركة دائمة موجهة بخير الإنسان ومدارها ليس عملية التقسيم ذاتها٬ وإنما عملية التقدم النقدي التي ترافقها٬ إنها دلك المستوى الذي غدت فيه حادثة٬ تنعكس على الإنسان الحديث٬ قيمة٬ أصبحت عليها أكثر رقي بقيمها الأساسية التي أحيلت كل القيم الأخرى تتضمنها في بنية قصائدها الى دورتها الزاهية٬ الزمان الدائري بذاتها.
ومن معينها الشعري والأدبي: شعريا: كـ(عاشقة الليل٬ 1947)٬ (شظايا و رماد٬ 1949)٬ (قرارة الموجة٬ 1957)٬ (شجرة القمر٬ 1968)٬ (يغير ألوانه البحر٬ 1970)٬ (مأساة الحياة وأغنية الإنسان٬ 1977)٬ (الصلاة والثورة٬ 1978) وأنشطة لكتابات آخر. ونقدية أدبية: كـ(قضايا الشعر المعاصر٬ 1962)٬ (التجزيئية في المجتمع العربي٬ 1974)٬ (سايكولوجيا الشعر٬ 1992)٬ (الصومعة والشرفة الحمراء٬ 1995)٬…إلخ٬ بالإضافة إلى(مجموعة قصصية: الشمس وراء القمة٬ القاهرة٬ 1997).
أما بعد
و ليسمح لي القاريء العربي الكريم ـ قاريء موقع طيوب البلد ـ الليبي تحديد٬ والناشط العمومي كقارئ٬ أن أنطلق من هذه البداية٬ لا لبداية مسيرتها الادبية العمومية والأكاديمية٬ والابداعية المميزة٬ بل الانطلاق لمنجزها٬ الوجود السابق في شهرتها٬ على إصدار مطبوعاتها الغنية عن التعريف٬ بل يمكننا الوقوف بالتساؤل عما لحق باحتفال بها٬ قائما بين الناس٬ استحضار لنشاطها الأبداعي٬ هي بمثابة المنجز الحافظ لكل منجز٬ طالما مستقرا بين عفاف مسيرة ذاكرة حاضرة الناس٬ ومساس حافز للحياة العمومية والمحافل الاكاديمية والادبية بالعراق٬ المنطلق٬ وهي أرض ميلاد الشاعرة٬ وسيل سنين أوجاع غربتها٬ خارجه٬. حيث حققت شاعرتنا واديبتنا العراقية شهرة سابقة على إصدار ديوانها الشعري ( شظايا و رماد٬ 1949)٬ بل أثار انتخابه إشكالات عويصة إلى يومنا هذا٬ عما كان له النجاح غير العادي للكتاب من إضافة إبداعية وتدوين المعنى٬ إثار فكرة مدهشة٬ ستكون فيما بعد٬ له بعدا فنيا ابداعيا مميزا في الشعر العربي عامة٬ سيكون مما لولا النجاح السابق عليه٬ والذي عرفته شاعرتنا كإنسانة٬ إذ أن هذا التفوق الأخير حمل “صدق وجدانها الإنساني” هو بمثابة تأكيد لنجاح تجربتها الشعرية في نجاح الديوان٬ وهذا على الأقل ما كان يعتقده الزملاء والطلبة لها٬ وكذلك النقاد (بغض النظر عن الضغائن والدسائس) أنذاك. ولا يتعلق الأمر فقط بالتأثير الخاطف والعاجل لمؤلفها٬ الطفرة الابداعية الشعرية٬ ولكن وعلى الخصوص٬ بتأثيرها الفائق والمتميز الذي أنعكس تفوقه على المدى البعيد٬ إذ اخذ تداوله٬ لهفة فكرية نادرة٬ حراك قيمة ثقافية٬ هي الإصدارات النقدية التي يمكن أن تضاهيه شهرة مرت من قبل. وهذا على الأقل ما كان يعتقده متابعيها٬ وما نتلمسه نحن من دراسات عظيمة٬ جمة كتبت متضمنة هذا النجاح للكتاب٬ ومحتواه الابداعي٬ الأهم.
لقد كانت هذه الشهرة الأولى٬ التي أنطلقت متضمنة لشيء من الدهشة والغرابة٬ ولربما كانت أكثر دهشة من شهرة عبدالقادر رسام أو صافي النجفي في بداية العشرينات أو من شهرة فائق حسن أو البياتي والسياب خلال العقد الأخير من الخمسينات٬ فهؤلاء كانوا أيضا مجهولين لدى عامة القراء٬ بالمعنى الشائع للكلمة٬ وكانوا مع ذلك لهم دور فاعل٬ وهم يمارسون تأثيرا رائعا عليها.
غير أنه في حالة اديبتنا اللامعة (نازك الملائكة)٬ لم يكون هناك مرتكز تستند عليها الشهرة٬ فلم يكن هناك أي مجدد أو حداثي مكتوب٬ بأستثناء بعض قطوفات الهوامش والمسودات العابرة التي كانت تتناقلها الآيداي٬ وتتداولها كما لو أن هذه الكتابات كانت تعالج نصوصا حداثية مبلغة بمواكبة معارفها على الصعيد الثورة الحداثية العالمية في حينها٬ ولا تتضمن أي أي ميل مذهبي يمكن تقوم به الكتابات للإشارة عن الأعلان عنه وتبليغه. لم يكن هناك سوى أسم٬ ولكن هذا الأسم كان يطوف بكل انحاء البلاد وخارجه٬ عربيا كبيان خبر الملك المفاوض المتبصر المتكتم.
لقد كان الأمر يتعلق بشيء آخر٬ مخالف لـ”دروس الجلسات الحوارية/الصالونات” المتمحورة صنواتها حول الحداثة والعلم والتعلم والمرأة ومسيرة التنمية الادبية والثقافية من نشاطاتها “التأثير العائلي المباشر” من طرفها٬ كما هو الشأن مثلا٬ بالنسبة لحلقات “والدها٬ أو٬ الاقرباء والاصدقاء المعروفين للعائلة”٬ فهذه الحلقات المعرفية٬ ضمن الصالونات الثقافية٬ من أقربهم إليها ثقلا اجتماعيا وثقافيا٬ تحتمي منه وراء هالة السر الذي تدعي أعضاء الصالون الثقافي دون غيرهم. وبالنسبة هنا٬ لهذه الحالة التي تهمنا لم يكن هناك سر٬ ولم يكن هناك مريدون٬ لهذه الكلمة الأخيرة من معنى. فأولئك الذين بلغهم النبأ٬ كانوا يتعارفون الخبر فيما بينهم بدون شك٬ لأنهم جميعهم من المقربون من الزملاء والطلبة والمهتمون بمجال الأدب والثقافة واهل العلم معرفة٬ وقد حصلت بالمناسبة صداقات وتبادل أفكار ورأي فيما بينهم٬ بل سسنلاحظ فيما بعد٬ المشاركة في تشكيل أنشطة داعمة لمواقف وطنية وقومية تحررية من جمعيات هنا وهناك٬ لكنها لم تصل مطلقا إلى مستوى “الحلقة التنظيمية” السائدة بالمعنى المعروف اليوم٬ ولم يكن هناك أي أيديولوجية متسترة النزعة. إذن من الذي تلقى الخبر بأنتشاره؟ وما أصل ما يحمله هذا النبأ من صناعة وراءه؟
المعروف بعد أنتهاء العالمية الثانية٬ كانت المعاهد الاكاديمية العراقية٬ تعرف مرورها بحالة غليان وتفشيا مبالغا من القلق٬ لم يرتقي طبعا إلى التمرد٬ غير أنه طال النشاط الأكاديمي للأساتذة٬ والفورة الثقافية للطلبة٬ وشمل جميع مناحي الجامعات والكليات والمعاهد باقسامها٬ التي لم تكن مجرد تأهيل مهني فحسب بل شملت الجميع. فالشعر و باقي فنون الأدب التطبيقية لم تكن موردا للرزق٬ بل كانت بالأحرى مادة ثقافة البائسين الحازمين٬ ولأنهم كذلك فقد كان من الصعب إرضاءهم. فهم لم يكونوا طامحين أبدا إلى نيل الحكمة٬ كما معروف بين من تأهل في زمن المأمون أو العهد اليوناني القديم. وكل ما كان يهمها وشغلها الشاغل أمر حل جميع الألغاز٬ كان يتوفر تشكيلة وفيرة بسياق التصورات حول العالم والحداثة السائدة٬ التي يمكن منها المطابقة لها وعليها؛ فللقيام بالأختيار هنا٬ لم يكن المرء في حاجة إلى أنتشار التعليم وتعليم فنون الأدب والفلسفة والاقتصاد والسياسة ونظم الشعر فحسب. بل أكثر من ذلك٬ لقد كانوا يجهلون ماذا يريدون٬ نتيجة المعوقات والصعوبات في الصيغ الفلسفية الصادمة٬ والعلمية المتأزمة٬ فالأوساط الأكاديمية كانت تعرض بشكل عام٬ إما مدارس تعليمية٬ مثل معاهد التعليم العالي الحديثة٬ أو القانون أو الطب أو بعض التخصصات الحديثة…إلخ٬ و إما التاريخ القديم من حيث تتوزع فيه التخصصات في خصائص أقسامها الداخليه بمنهج التفكير التحديثي/التجديدي (كما يروق للبعض تسميته) مثل تاريخ فلسفة العلوم٬ ونظرية المعرفة الاسلامية وعلم اللغة والجمال والاخلاق والمنطق والنقد وتاريخ الفن العام…إلخ٬ تحت مظلة التحديث/التجديد٬ ولم تكن بالتأكيد المواد التخصصية محفورة وملقنة بشكل جيد٬ بل كانت مفروغة من جوهرها إطلاقا٬ بفعل تفشي القلق والضحر العام الجديد والمربك.
مقابل هذا النشاط الذي يبدو على أية حال مريحا٬ كما يبدو أسلوبها متينا٬ برز أنذاك عدد قليل من المتمردين قبل ظهور (نازك) على الساحة. فمن ناحية الأسبقية الزمنية٬ محاولات منهم القبض على مفاتيح٬ غير أن محاولاتهم كانت مفرغة من جوهرها بفعل ضجر لا يحد. وخاصة من لهم الفضل عضوية المشاركة في تأسيس مجلة (شعر) وقتئذ الذي سيطلق عليها بحاضنة التجديد إلى الأشياء ذاتها٬ وهو ما كان يلفت إليه كحشد شاغر٬ لما يعني حركة تجديد لإملاء الفراغ٬ ولترك النظريات والكتب العقيمة جانبا٬ التي أنهكت قيم العقل وسببت إقامة أزمة حادة للمعرفة اثر اندلاع الحرب العالمية الأولى/الثانية٬ والهدف أن تجعل الشعر ابتغاء علم ومعرفة وابداع صارم يفرض نفسه إلى جانب الفلسفة إبداعا إلى جانب التخصصات الاكاديمية الأخرى من نقد والنشاط ماله جانبا مريحا بأبراز الرأي والحكمة والنفاذ إلى الإنسان على ظهوره “الآس” الأسبق الاهتمام في الشعار المرفوع.
دون شك٬ كان هذا الشعار ساذجا جدا ربما٬ وفاقدا لكل نية في سياق التمرد المعني في الشعار٬ غير أنه بمثابة الانطلاقة التي ستستند عليها (شاعرتنا المبدعة: نازك الملائكة) في البداية وملازمة السياب عنه فيما بعد.
وكانت بنازك أيضا٬ دافع الشخصية المتمردة عن وعي وأنتماء إلى تقاليد لقيم إضافية غير التقليد الشعري ـ أو التقليد الفلسفي الابداعي فيه. حيث ظبت لمدة طويلة كما نعلم٬ تبحث وتجمع٬ كما تعمقت علاقاتها بمحدد العلاقات مع من لهم اهتمام بالتجديد بأواصر الصداقة٬ لأن التمرد الذي كان يطبع مسعاهم في الفترة الأخيرة من تلك الفترة٬ كانت تهيم شاعرتنا بأعتبارها لمست مسعا فلسفيا نحو التجديد٬ وبشكل جذري إلى ذات الأشياء٬ لغرض أن تترك الهرطقات والمسميات الفارغة من تلقين معنى الشعر٬ وغرس سمة تجديد أسلوب نظم الشعر الحياة٬ بعيدا عن وسط ثرثرة المتداول أكاديميا للنظرة السائدة حول الشعر. مما شكل مسعى ابداعيا عبقريا بشكل جذري.
…. يتبع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محنة الشاعرة العراقية نازك الملائكة والإبداع
(2 ـ 4 )*
إشبيليا الجبوري
ترجمة عن اليابانية أكد الجبوري
لقد كانت الخاصية المشتركة بين هذه النخبة القليل النادر٬ وإذا ما تأملنا تجربة الشاعرة٬ تتمثل في مؤهلاتهم وقدراتهم على التمييز بين آهلية التحدث والتحديث العلمي الواسع والخصائص المحدد فيه٬ بمعنى إن الإطار للموضوع الأول فيه لم يشأ أن يشكل له إثارة للأهتمام بالنسبة إليهم كثيرا٬ بقدر ما هو الشيء المفكر فيه للأخذ بتوسعه. وقد بلغ الخبر آنذاك معظم الذين كانوا على علم بهذا المكانة أو ذاك من الوضوح٬ أي القدر على القطيعة مع التقليد والأخذ بزمام المبادرة بتلميحات لبداىة بزوغ حداثي جديد٬ قصيدة ” كوليرا” حقبة “الأسلحة الفاسدة لعام 1948 ” عربيا”٬ بالإضافة للمحاولات الأنقلابية المحلية التي أخمدت قبل أندلاعها٬ كما في محاولة استمالة دول المحور٬ وقتذاك بأسم “الضباط الأربعة”. ومحاولة الألتفاف لأؤلئك الذين يعدون انفسهم عماد التنظير والتبحر في المعرفة والتفلسف٬ والذين كانوا يعتبرون مرتكز لإثارة المسائل والإشكاليات الفلسفية٬ كلعبة تافه تتعلق بالنسبة إليهم بما يطلق عليه “الشيء المفكر فيه” أو يمس حالة الفوران بما كانوا يفكرون بالكتابة إليه بتمردهم عليه كتقليد بقطيعته.
إذ ذاك٬ كانت “لعبة الخبر” جذبهم إلى بدر شاكر السياب ثم “مجموعة شعر/الشاميةـالبيروتية فيما بعد٬ وأنتقلوا به لتحميلها إلى (علي محمود طه) لإثارة الأجواء بلعبة الأهتمام٬ لمستوى الساحة الثقافية المصرية..إلخ٬ لغرض تحميل أوجه ما يمكن تعلقه بلعبة “النفاذ إليه بفعل سلطة ما”كي يتعلق الأمر٬ بصاحب الشيء المفكر الاهتمام فيه٬ غير إن الأعتبار هناك قد عزز تمكن من النفاذ إليه بالفعل٬ تمحور المسائل الفلسفية العميقة٬ إلى الأشياء التي أعلن عنها بدرشاكر السياب٬ مبينا٬ أعلان علمه بالشيء٬ بأن الأشياء الكفيلة بالتجديد٬ ليست شأنا أكاديميا٬ بل هي هم الإنسان العراقي٬ الإنسان بعمق المفكر فيه المتعالي. وهذا ما خصته الشاعرة نازك الملائكة بأطروحتها ببداية “الكوليرا٬ الأزمنة الحالكة٬ الحقبة الخانقة والكئيبة..٬ جراء حقائق تتعلق بالإنسان العربي للنهوض به٬ والتبحر بأعلان بدايته الحداثية بموضوع التعليم والعلم والشيء المفكر فيه٬ بأدق العبارة والتعبير حول مستقبله الإنساني والأخلاقي النفاذ بالفعل وسط بيئته٬ لا وسط الثرثرة الأكاديمية السائدة حول تغييره. طبعا٬ هنا٬ “الكوليـرا” لم تميل ثقلا إلى النظريات والكتب٬ والحشو الفلسفي والتنظيرات الصارمة في التخصصات الأكاديمية٬ التي جعلت منها ـ أي قصيدة “كوليـرا” لمثل تلك التعابير٬ مسميات لشعارات ساذجة جدا٬ لإطالتها بالتفلسف في جعل شأنها علميا٬ بل عبرت عنها ـ الشاعرة ـ تعابير فاقدة لكل نية في التمرد٬ بذلك تشعر داخلها ميلادا ضمنها تتباحثه٬ وهي بمثابة الإنطلاقة التي ستستند عليه٬ هو أستحقاق البزوغ لخطها الشروعي الجديد فيما بعد.
كان الخبر الذي جدبهم إلى الشاعر السياب عند قصائده للنفاذ إلى ” الشيء في ذاته”٬ هو ما يعني “لنترك ما جاءت به الشاعرة٬ وقصيدتها٬ جانبا٬ ولنجعل القصيدة مثابة متهافتة٬ رخوة٬ يسود أنطلاق متنها٬ إلى جانب تغلغلها بحيثيات النظرية والكتب التقليدية الأخرى. فيما يغلب عليها سذاجة تصور الأدبيات الأكاديمية٬ وبعيدة كل البعد عن هم الإنسان العراقي خاصة والعربي عامة ـ كشيء مفكر فيه ـ وفاقدة لكل نية في حمل شأن المفكر في إنطلاقه.
وليست بمثل هذه الواقعة٬ في الحقيقة مرتجلة٬ أو وليدة عابرة ولا أيضا مستهجنة الأمس أو اليوم فحسب٬ بل كانت قائمة على الدوام (على ما يبدو). ولأن مرجع متخيل التقليد قد أنقطع بالنسبة إليها٬ فإنها قد أكتشفت خيوط الماضي فيه من جديد٬ نهوض بجديد الأعتبار٬ في تمييز الخاصية المشاركة بين هذا النفر القليل من إحياء الفكر من وضوح التراث لتثير فيه أهتمام الكثير إد هو موضوعها الأول في خاصيتها المشتركة بين مسعاها الفلسفي للتحديث بشكل أواصر التمرد وماضي ما يطبع عليه٬ وما تتمثل في قدرتها على التمييز بين الحداثة والإصالة حول ما يسود عليه النقاش الفكري الإبداعي وسط اللبس حول فلسفة الإبداع الأدبي عامة والشعري خاصة من ظاهرة حداثية٫ وهي تقلب ما أكتشفته في التراث من جديد الماضي متصل.
وغالبت منهجيتها من الجدية صرامة٬ بحيث إن الجدال٬ مثلا٬ لم يعد قائما حول “علم العروض؛ البحور والأوزان والتفعيلة” وأغلاق العقل بقلة الوعي فيما يخص المواضيع بالميدان الإبداعي للحداثة فيما يخص البحث الشعري وقواعد الشيء المفكر فيه.إبداعيا. ولم يعد النقاش مثلا حول ما جاءت به ما يعتبر من الزاحفات والعلل في نحو معيار الكلام٬ ولا أغلاق الأجتهاد الذي يرجع الفضل به إلى العالم الجليل إمام اللغة (الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري الأزدي ( ت 170 هـ ـ 786 م ـ في البصرة)) مطنبا٬ ولا يمكن البحث فيه مشابهات بمقدس الشيء عرضه. و قد بلغ ما يمكن أن يثيرشاعرتنا؛ هو فك ما حصر وتندر٬ فهم أبحاثه في تخريجات منها بدر على ما ندر من بلغ الإستقامة بوضوح ما اعتبر تقليد منكسر٬ و تعليل قطيعة ما يؤثر فيه من الصحيح والسقيم٬ وخبر العلم الواسع المعتل موضوعاته٬ ما استعيرت منه كلمات مستعاضة٬ والذي استنبط في إنشائه في الكلام ملحونا٬ موثوق بعلله٬ بين موضوعات الحياة وموزونها في معربها بهذا القدر أو ذاك من الوضوح والغموض٬ وطرق مفاسد الأخذ بمزحفات القواعد به من لبس للسليم عن المعتل بالتمييز بين القطيعة مع التقليد في مسعى الإشتغال بالشيء المفكر فيه وموضوعات توسع علميته حداثيا.
إذ إن منهجيتها من الصرامة٬ بحيث أن النقاش مثلا٬ لم يعد موسوما حول الفراهيدي٬ ،لم يعد هناك زهتمام بعرض مدرسته في علم العروض عن البحور والأوزان والتفعيلة٬ بل إنضاج الحوار وإحياء أستمرار ومدعوما وئيدا خطوة خطوة على مدى أشهر وفصول كاملة بل وسنوات حتى غاب إسمها حضورها من المشهد مما أكتشفته من أهتمام بعرض مذهبها الجديد٬ ولم تلتمع هنا وهناك سوى إشكالية حاضرة بقوة من اعتداد صرامة منهحها الذي ظل مستمرا ومعززا بالنسبة إلى هذه الواقعة القائمة الدوام٬ وإن خيط الأعتبار قد أنقطع.!.
ولربما بدأ هذا الأمر مألوفا جدا اليوم٬ فالعديدون يتصرفون الأن بهذه الطريقة٬ لكن لا أحد قبل شاعرتنا المبدعة نازك الملائكة٬ قام بمثل هذه المباركة في تفكيك ظل هذا بفتح الحوار أو دعمه إلا ما شح وندر.
لقد كان الخبر يؤكد٬ و ببساطة إن الفكر الحداثي في “كوليرا” أصبح حيا٬ فهي تستنطق مخابئ غنية بكنوز ثقافية من الماضي كان يعتقد أنها أندثرت. وها نحن نرى زقتراحات مكامن لأشياء مغايرة لما كنا نعتقد بنوع من الحيطة والحذر. لقد أصبحنا أمام معلم٬ ولربما منحتنا إمكانية تعدنا تعلم التفكير.
مما لا غرو فيه٬ فإن المحتوى والإطار الإبداعي لقصيدة “كوليرا” المتكتمة داخل مملكة التفكير الحداثي٬ المسحوبة لشاعرتنا بها على هذا العالم. تختبيء داخل هذا الأخير وبالشكل الذي لا نعرف معه بدقة هل هذا العالم القائم بحداثيته٬ رغم أن عدد الأبحاث والأمال أكبر مما نتصور.
إذ كيف يمكننا تفسير التأثير الغالب والوحيد العميق في معظم الأحيان٬ للتأملات في تفكير شاعرتنا وطبيعة القراءات القائمة على عموم التفكير لديها٬ هذا التأثير الذي يتجاوز بشكل واسع٬ حلقات النخب والصالونات والاكاديمين وما نفهمه عموما تحت مسمى (الحداثة الشعرية). فليست فلسفة حداثة الملائكة نازك٬ والتي يحق لنا أن نتسأل عن مدى وجودها٬ كما يفعل النخب من دفع بالسياب تأثيره متقدما٬ بل تفكير نازك الملائكة هو الذي ساهم في تحديد السمة الروحية للشعر العربي (الشعر الحر) بشكل حاسم. ويتوفر هذا على صفة للحفر خاصة بها٬ وهي تقيم٬ إذا ما أردنا ضبطها والإشارة إليها بواسطة تعابير الشيء والكلمات٬ داخل الأستعمال المعرفي المتعدد لفعل “فكر حر”. إن شاعرتنا ـ نازك الملائكة ـ لا تمارس التفكير على شيء ما٬ بل تجعل الشيء موضوعا ابداعيا للتفكير.
وفي إطار هذه الممارسة الملموسة تماما٬ والخارجة عن التأمل بالمرة٬ تنفذ (الملائكة) إلى العمق٬ إلى المدى٬ وإن كان الأمر لا يتعلق ضمن هذا البعد بأكتشاف أدوات التجديد أو الوسائل المنهجية بتحديد أرضية منبسطة نهائية ومطمئنة ـ يمكن القول في هذا الإطار بأن هذه الممارسة كانت غير مكتشفة بنفس الشكل الدقة من قبل ـ بل المكوث داخل عمق المدى٬ سمحت بفتح طرق ووضع “عمرانية العقل الأبداعي الشعري” عنوان مجموعة من القصائد الممتدة في تفسير التأثير العمق الإنساني العام وأزمة ممارسة التفكير في “الشيء المفكر فيه ٬ البديل٬ ما بين مخاض 1936 و 1948 و 1953 تحديدا ثورة يوليو بمصر٬ هو تفعيل إرادة الإنسان العراقي أو العربي بشئ مفكر فيه٬ مبدع ملفت بدقة بطموح الإنسان وعالمه القائم٬ به إرادة التفكير بالشكل والدقة٬ مما تعتقد بمجيئه أقتراحات أهلة تنطقها فيه سمات الحداثة للتغيير والثورة٬ بعد طول مشقة الأنتظار.
… يتبع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محنة الشاعرة العراقية نازك الملائكة والإبداع
(3 ـ 4 )*
إشبيليا الجبوري
ترجمة عن اليابانية أكد الجبوري
إن باستطاعة هذا التفكير احالة مهمات٬ والخوض عمقها على مشاكل محددة٬ يمكن تفسير تأثير الانكباب بتعال وتأثير٬ ينفذ تدارس مشقتها٬ ومشتقاتها٬ بل إنه يتوفر بطبيعة الحال وبشكل وفير ودائم٬ على مستوى خاص مثير لاهتمامها٬ بمعنى٬ دافع يفتح التعبير الأدق ومحفز لها في الإبداع٬ غير أننا ليس يحق لنا القول بأنها تنطلق من هدف ما. فهي دائمة النشاط٬ والعمل الذي يساهم في تحديد السمات الروحية لما تفعل٬ ما نجد التأثير يرسم عمومياته بشكل تفكيرها الحاسم٬ بما يثيم صفة الحفر به٬ ويقيم٬ إذا ما أردنا ضبطه ضمن إطار المتعدي الآني٬ من خلال الإشارات والممارسات الخاصة بها٬ بتحديد أرضية أنتقاء الكلمات بنفس الشكل والدقة٬ بل نجد إطار القول فيها٬ المكوث داخل عمقها٬ العنوان والمعنى والتأمل على الشيء٬ أي أن تفكيرها الإبداعي يمثل تأمل نافذ٬ يسمح خلاله فتح المعالم٬ تحت تفاعل بساهم في دورة السؤال المتعلق بالبعد والاستكشاف للتفكير٬ وضع المعالم٬ عنوان المشقة على هذا العالم القائم٬ في مجموعة من الوقفات المسحوبة على شخصيتها٬ تختبيء فيه داخل الحذر والدقة٬ في غالب الأحيان لعناوين من النصوص الممتدة بين الحرب العالمية الثانية و الفعل الذي تجاوز تحديده٬ توفر على صفة تأثير ثورة يوليو/تموز ١٩٥٢ “الناصرية” المطمئنة في تدشينه على صفة الأمل لديها بالمرة٬ والقائمة على التفكير والحسم لديها بمحدد الهدف من قبل٬ إن شئتم ـ بل إنها إنطلاق من هدف منها٬ لمرحلة لها عناوين من النصوص التي شقت الطرق على نفسها٬ تستعمل بالأحرى على الدخول لتدشين بعد من الأبعاد٬ حيال بلوغ المعالم٬ ووضع فتوحات فكرية أكثر من بلوغ هدف محدد بشكل مسبق.
وتجعل للأساليب أن تكون لها أدوات في الطرق ” الكوليـرا” مثيرة الأهتمام/ متماسكة في بعدها٬ مجترلة في حمولة عنوانها مجموعة من المحن والمقالات والمواقف الممتدة ما بين الأحتلال والأحتلال٬ وقد ترجمت إلى ظاهرة قومية تحت عنوان التحرر٬ ولأن هذه الأساليب والطرق لا تؤدي إلى هدف محدد خارج اللغة والحدث٬ ما جعل “توضيعها ” في دراسات كي لا تضيع فجأة داخل ما فات٬ بل لابد من تحديد ما تم شقه٬ وإتكشاف الآليات التي ينطلق منها الهدف الخاص المثير للأهتمام ببلوغ أكثر٬ وبشكل أفضل حين يكون مقاس ذلك الذي يحدد “العلة” من “تعميم” الأسباب في صفات عائمة٬ لمجرد الاثارة بالدفء داخلها٬ وهنا٬ المقياس الذي تحب الإنسان فيه٬ والخوض بالحميميه داخلها٬ وهي تحمل أوزار هذا الشعور المفعم أحسن حالا من ذلك الذي ينتابها وهي متواجدة بالطرق المحفوقة بالمشاكل والمرسومة بعناية أي السياسة والتكتلات والعلاقات المتهافتة التي تتزاحم ضمنها الشخصيات الخلوعة الضمير٬ الغير ضامنة بأبحاثها ونتائة أبحاثها المختصين في النقد والفلسفة والفن والعلوم الإنسانية في أنعكاس نتائج أبحاثها في خدمة المجتمع عامة والأدب خاصة.
إن أستعارة “الكوليـرا” في اللغة الشعرية للقصيدة٬ تقول شيئا أساسيا جدا في منبرها٬ فهي لا تعني فقط٬ وكما توحي بذلك اللفظة تعود لمرض(ما حصل في مصر)٫ بل ما يسلك طريقا يؤدي إلى مكانة العرب من وضع مزري لعام ١٩٤٨ ٬ من الأسلحة الفاسدة والطرق المحفوفة بالمشاكل لفلسطين٬ وعناية الغرب بتحقيق أستعمارها على المنطقة وتمزيق وحدتها في أحسن ما ينتابها من إذلال وهوان٬ وقطع أوصال٬ ولا تبتعد الشاعرة عنه٬ بل تعني أيضا بأنها الأمة٬ والشخص معا مستهدفا٬ مما جعل لقصيدتها٬ أن تؤدي بها إلى مكانة شبيهة بالمشاكل والأسلوب الطبيب الفاحص المعالج٬ مهتمة بالتشخيص والتصنيف ٬ التي تتزاحم ضمنها أبحاث المختصين في الفلسفة والعلوم الإنسانية واللغة التي تجوب الطرق التي شقتها بنفسها على أعتبار أن عملية الشق والاشتقاقات تنتمي إلى مهمة تفكيك العلة.
لقد أقامت شاعرتنا المبدعة (نازك الملائكة) شبكة كبيرة من هذه المشاريع الفكرية٬ والأبحاث للمشاكل الحقيقية٬ بقد ما هي واقعية في النتائج٬ غير أنها تشعر بالدفء داخلها٬ بإخلاص الانتماء المرسوم بالعناية النابعة من الفكر٬ وذلك داخل بوتقة إبداعية تنتمي إليها. وبطبيعة الحال٬ فإن النتيجة المباشرة الوحيدة المأخوذة بعين الاعتبار٬ والتي كان لها تأثيرها المباشر على المتلقين٬ هي هدم مقالع الوهم القائم٬ بالغرب المنقذ٬ والذي لم يعد أي هو الأوحد الكفيل “بحداثته”٬ المعني٬ ومنذ البداية٬ أعلنت لابد من بناء قواعد أسس الشعور بالطمأنينة داخلنا٬ مثلما أن السر المتأدب٬ داخلنا علم به٬ وأعمال الهدم٬ تعمل على تقويض الأسس التي ليست متينة بما فيه الكفاية داخل أعماقنا٬ ثقة الإنسان بنفسه٬ والإيمان في عمق تراث أمته٬ المفيد منه٬ إن المسألة المتعلقة بالكوليرا٬ هي بالتاريخ بل هي تاريخية الوعي المجتمعي المتكافيء٬ هي العلمية التاريخية من الدرجة الأولى ربما٬ وهنا الوقفة عند ثورة يوليوم أحتضان التجربة ودعمها نحو التحرر. لكننا وكما نعلم٬ بأعتبار الشاعرة تنظر بالعمق المنفتح الناتج عن تفكيرها الفعال٬ والنتائج والإرشادات المدروسة خلالها٬ من عمق تجربتنا وإيماننا كوجود بتماسك كفاءتنا٬ التي تمنح لنا٬ بأعتبارنا متواجدين لنقد ما فينا وحولنا٬ والنظر إلى تجاربنا خارجها٬ من كل هيئة مهنية٬ بما فيها هيئة المؤرخين٬ فإننا لا نجد أنفسنا معنيين بهذا المسألة إلا بأخضاع تجاربنا لنقد جاد من هدم وبناء.
وإذا كان من حق الشاعرة٬ هو أنعكاس لضمير حق المرء٬ وضمن رؤيتها الخاصة٬ أن تعتبر ” الكوليرا” مهدومة فإن هذا الأمر يبدو قليلة الإرتباط بدور “المرض” التاريخي٬ أو على أقل تقدير٬ هو٬ العناية المخلصة الجامعة٬ الأرتباط بالطرف المتعرض للهدم والتنكيل بحقوقه وبالطمأنية لأبناء الأمة في دعوة بناء صرحه للبناء والاعمار.
وبالنسبة للدور الذي لعبته (قصيدة: الكوليرا) في إسقاط الوهم٬ والتي كانت على أية حال٬ حتمية٬ فإن الفضل يرجع إليها٬ وحدها٬ في كون الإنهيار والهدم قد تم بطريقة لا تقل أهمية عن المبادرات السابقة٬ للنهضة٬ ولثورة ٢٣ يوليو من أهداف٬ في نشؤ مبادهات العزم لتحقيقها٬ وفي إنشاء مؤسسات تشكيل التفكير وإعادة الدراسات والابحاث في الخرافات والأوهام المجتمعية٬ عبر المؤسسات والجمعيات المهنية التي قد تمس وتلامس كل نتائجها٬ بحيث تلامس مخرجات التجديد٬ بحيث لم تكن فقط مكررة ومتجاوزة للموضوعات من طرف الأتي بعدها٬ من الآخر٬ بل الهوية المحافظة٬ على أسس لا تقل أهمية عن المبدهات التي يقدمها الغرب. إن نهاية الفلسفة/ تجديد بداية جديدة يشرفها ضمن النص والفعل٬ توضيع المتجاوز المتعال من طرف البحث٬ والتدقيق في التدريب على نتائجه٬ وبيان الأرتباط من قليل الهدم والبناء. بمعنى٬ رصد ما يشرف الفكر والتفكير ويجعل الإنسان الجديد٬ امام تجربة للأرتقاء حين يجعل من العقل والحرية ٫ مسؤولية محط تقدير٬ حيث يتم إعداد المشاكل والمسؤولية حيث يتم إعداها من طرف هيئة لها من الأهمية طرف ذلك الذي يرتبط بها بأعمق رباط. فالملاحظ هنا٫ إن شاعرتنا٬ كان يشرفها هذا الإنتماء٬ فعلى مدى حياتها٬ أعتمدت في حلقاتها الدراسية وفي محاضراتها٬ ولقاءاتها٬ على نصوص الفلاسفة والشعراء والدراسات لأدبيات متعددة٬ وظلت مواكبة كذلك في نظر٬ رغم تراكم المشاكل حتى العزلة والشيخوخة (لا يسعك إلا بيتك ـ كما يقال) حينما تقدمت وتجرأت على عقد حلقات دراسية في الكويت ٬ وأيضا في مصر بعد أنتقالها حتى وفاتها٬ تجرأت رغم هدؤ ما كا ن يشرفها قوله٬ على متابعة عن بعد٬ إن صح التعبير٬ حول النصوص٬ غير إن ذلك النص٬ والمقصود هنا “الكوليرا” زخرت بتأسيس ما يتضمنه “الشعر الحر” من جادة حلقات التجديد أصالة في الحداثة زمانا ووجودا لنظم قصيدة في الشكل والبناء٬ والتي أخذت تشكل الجزء الأساسي لمدخل البحث عند مجموعة “شعر” البيروتية٬ والعراقية بوجه خاص رغم التحفظات المحمومة ببروتوكولات العلاقات الاجتماعية التي يسودها النفاق السياسي الدفين. بخنق المبدعين ودحض القدرات على نمو وتشجيع المواهب لمن خالف نظمهم٬ وما يسودها من تنظيمات ايديولوجية وتكتلات خاصة.
وبأنه من أجل تعلم التفكير كانت تعلم الخبر ثم تعقب الخبر٬ والأمر المجرب آنذاك كان يمثل في كون التفكير الإبداعي ـ بالنسبة إليها ـ بأعتباره يمثل تفرد في أنشطتها الخالصة الابداعية لا تحركها الرغبة في المعرفة ولا الحاجة إليها كتفكير٬ من الممكن أن تصبح شغوفة لا تخنق منخلاله قدراتها ولا مواهبها بل جعلها تمد الأخرين للتفتح على حقيقة ما ينظمها من سرور تجاه تعلم التفكير الإبداعي٬ بل ومسار بهجة تيسرها.
لكن إن نحن٬ تعودنا على التماثلات والتقابلات “اللفظية” النقدية القديمة بين نقدية العقل والظن في الهوى والمزاج٬ بين روح العصر ومتطلبات ضرورة الفعل للحياة٬ ما الذي جعلنا نتعقب السعي حتى نندهش على “قصيدة الكوليرا”؟ والجديد المتمثل شغفا بعض الشيئ من فكرة تفكير ملهمها الشفيف٬ والتي تصبح فيه شاعرتنا المبدعة٫ في خضمه تصبح في إطاره التفكير الإبداعي والوجود الحداثي/التجديدي الفاعل شيئا فشيئا.؟ هذا ما سنلبي إليه حضورنا إليه بالجواب في الحلقة القادمة… يتبع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محنة الشاعرة العراقية نازك الملائكة والإبداع
(4 ـ 4 )*
إشبيليا الجبوري
ترجمة عن اليابانية أكد الجبوري
ولقد عبرت الشاعرة برأيها عن هذا التداخل والتلاقح في الأمتزاج (قضايا الشعر الحديث٬ 1974م) وذلك من خلال وقفات وامضة ـ إن جاز القول ـ٬ استعمالها عند بداية الدراسة حول الشعر والتقابلات الحضارية البابلية والفرعونية والصينية والهندية والعربية الإسلامية ـ العمق الفلسفي الشرقي من جهة٬ و الادبيات الأغريقية والغربية والميتافيزيقيا من جهة أخرى٬ بين مفهوم النفس الجوهر والعمل٬ بين الروح و الفعل ـ الحياة ضمن إطار التجديد والتحديث٬ الذات والموضوع٬ التفكير والوجود٬ مما رأيناها بتقريب البعيد٬ وإنسحاب التأثير الأستراجعية على مستوى التفكير٬ في تقريب الإشياء إلينا٬ الذي جعلتنا نندهش بعض الشيء من فكرة شغف الابداع الواعي بين الزمان والمكان من تفكيرها٬ وخصوبة عمق التماثلات في المتشابه والاختلاف٬ الاختلال والاستكمال٬ حين أخذة فيها التكوينات وتأطرها بتأملات مقضبة٬ شيئا متفاعلا الابعاد٬ مراجعة حصيلة “للكوليرا” قبل وفرة أتساعها٬ وأيضا أخذت تنظمها وتيسرها الدراسات هنا وهناك “بطرح خجول” قبل وفاتها. وكما يمكن إقرارها بعد فوات الأوان ـ بكل أسف ـ فإن هذا الحال٬ هو في الواقع٬ إلزام إمكانية تهيأ قيام التجديد/التحديث. ونعتقد ٬ هنا٬ بأن هذا الإجراء ما كان له أن يقر ويتأكد إلا في وقتنا هذا٬ لولا الفعالية الفكرية والإبداعية لنازك الملائكة. إن هذا التفكير٬ يشكل أنفتاح في القدرات والمواهب لها٬ تفكير تقابلي٬ جلادة في صلب بنية التفكير الجاد٬ الذي أنطلقت تفعله كمخيال الهوى أكثر من مجرد تنبه٬ لتندفع صيغه مذكرة القضايا الضرورية المنبثقة من هذا التغير٬ أي٬ مذكرة التفلسف الخلاق في هذا العالم٬ تنضيج القدرات٬ وتأهيل المواهب في التجديد/ التحديث عن تحمل المسؤليات القادمة التي ستنبثق الأنساق؛ في هذا الوجود من إرادة تنظمه٬ وتيسره٬ ضمن إطاره الحي شيئا فشيئا؛ في التفكير الإبداعي والمشاريع المشاركة في الاستعمال و المشتركة في الإقرار والتفكير والابحاث٬ شرط إرادة قيام تأهيل واحتضان نتائجه شعريا/فلسفيا/علميا/عملياتيا٬ وفقا للتقابلات القديمة ضمن المشيد لاكتشافه بطريقة نقدية٬ متعقبة التفكير فيه مما يحيا في فعالية إرادة الكائن الحي في التفكير الذي ينطلق بين العقل/الروج٬ والجسد/ الحرية والتحرر والاعمار/ الأبحاث والدراسات/التدريب والتنمية من هدم وبناء .
غير أن الذي يجعلنا٬ رغم فوات الأون٬ إبانة مرجوة ترتب تفكر منطلقة متعقبة خطى المعنى المتداول والسائد ضمن كل ما هو موجود٬ بمعنى٬ استعمال ما يمكنها أيضا ألا يتوفر على غاية نهائية تتمثل في المعارف التربوية والتعليمة ومجالات الحقول العلمية٬ ولقاء ما تكون خارج التعريف الدقيق للحياة نفسها. أي٬ فهي تحيا شروط التفكير فيه قيام فلسفي٬ فالشعر والعلم غاية متمثلة في المعارف الحية٬ غاية لا تتوفر للشعر إلا الحياة ضمن أعتبار الشعر داخل الحياة نفسها. اشتغال الشاعرة وشغلها الشاغل٬ إقرار يؤكد الحياة كما هو عند بداية السومريين والبابليين٬ وكذلك ما شرع فيه ميل اليونان٬ أو عند أفلاطون أو أرسطو٬ من مغايرات جدلية فيه٬ تجاه فرض محجة الإرادة القوية في التفكير الإبداعي٬ أبانت خلال همة التفكير سعيا كاشفة خفايا المألوف في التفكير شرط إمكانية التفكير في بناء القصيدة. فالشعر حياة الشاعر/ة وكائنه/ا الحي في المفكر فيه والمتأمل إليه٫ الإمتزاج الذي يترتب من خلال ذلك٬ فعالية الانطلاق٬ وتجعل من الإرادة الواعية٬ الهادفة تحقيق نتيجة ما٬ كيفما كان نوعها٬ لكنه ـ أي ـ الشعر ـ تفكيرها به٬ تحمل نتائجه الخاصة٬ بطريقة نقدية بناءة.
من المؤكد أن السائد القديم؛ في صيغة التجديد كمفهوم٬ في التماثلات الفلسفية بين الروح والمادة٬ والعقل والنفس٬ والميل والهوى٬ المعرفة والعلم تستنبط من التفكير منابت مجردة٬ ما يجعل النظر إليه ـ للشعر ـ في نماء نقديته إلى مخرجات هدامة٫ ككائن مكرس في تصرف التفكير ونفاذه خارج نوعه بين العقل والحياة٬ وهذا ما ترتب عليه الفلاسغة من أنبثاق نظرات عن ميل حتمي لبناء التفكير في الأنساق٬ وغالبا ما نجد مشقة طروحات الشاعرة مواجهة التحديات٬ ومحن الصعوبة في تفكيك الصروحات المشيدة لأكتشاف ما تم التفكير فيه شعريا٬ عند التحديد وتقريبه في خلق القدرات لدى ابداع الادوات والاساليب لدى شاعرتنا من إمكانية قيام تشغيل واستعمال؛ حول آفاق بعيدة أبانت طرحها لتشخيص “ما التجديد؟” ضمن المدارس الفلسفية الغربية في نظرتهم المشيدة “لمفهوم الحداثة” تحديا متمثلا في “الخارج”٬ عن نظرة الشرق وما تم التصرف في تكونه تحديا “داخل” المحتوى/الجوهر للحياة. ومع ذلك قإن هذا الميل لا يوجد مصدره في التفكير٬ ولكن ضمن حاجات شغوفة٬ مقتضية قدرات ومواهب خالصة مغايرة كلية من أجل تحقيق تعلم التفكير الإبداعي٬ ثم تعقب المجرب و النتائج المشروعة في حد ذاتها بشكل تام.
وإذا ما أردنا أن نفاضل٬ ضمن مفارنة التفكير لتلك الحاجيات والرغبات في عصمتها الإبداعية المباشرة والشغوفة٬ ترتب بالنتائج التي توصلت إليها٬ فإن الأمر لا يعدو أن يكون المشروع ـ حسب نظرتها ـ أن يكون شبيها بنسيج معلق “تابع بمتبوع غربي”٬ هذا لتجديد/التحديث الذي نال عليه الغرب٬ فإنما شاعرتنا نظرت إليه٬ وبنفسها٬ من عمق التراث العربي٬ نسجت تجديده٬ بل رأت أن يحل بشكل صارم في “شظايا ورماد”٬ لجعلنا نندهش بتلمس القبول بالشيء من فكرة أنفتاح على القدرات والمواهبضمن فرة تفكير شغوف التقابلات المعرفية الإبداعية وأنشطة خلاصلاتها الصارمة في النتائج٬ كي يحدد تعلم التفكير الإبداعي الخلاق؛ ليصبح ضمن إطاره التفكير المنتظم والميسر التعليمي؛ في تسيير تجريب النفكير والوجود الحي للكيان المعرفي والثقافي٬ نشاط الأنا الخالص “المفكر العربي المتذاوت به” شيئا فشيئا٬ لكي تسرع في العمل٬ لتثبت المحنة من جديد٬ دهشة شغف عزائها؛ فكرتها في تحقيق وتحقق ما لا يخنق عنوة (سبق علمي/ استكشاف شيدته وجاهز لعرض غايته النهائية)٬ له سمات الهوية٬ و اشتغال قبول خصائص أنسجته وأنساق فكرته منها٬ كما فرضت تحقيقه حين أنجزته٬ ثم تعقبته في الأمر الإبداعي المجرب٬ وأشبعته تفكيرا وتأملات بشكله التام٬ لكي يشرع العمل في التدريب والممارسة عليه مستقبلا.
إن كل كتابات شاعرتنا المبدعة٬ رغم الإحالات الظرفية على الأعمال الشعرية المنشورة لها سابقا٬ تقرأ وكأن صاحبته تمتثل من جديد٬ تتعقب بين كل شيء من تقابلات خطى المعنى٬ ينظم فكرة التفكير٬ حال هدف وغاية الجديد٬ وتستعيد فيه اللغة الضابطة المتماسكة٬ والمسبوكة٬ الذي ينطلق في تقبل من طرفه فكريا قبليا٬ أي يفرض متأمل أشتغالها قرائن معرفية تتمثل في المعارف والعلم٬ لبناء الميل العميق في تخصصها٬ يمدد اتساع تنسيج التفكير٬ شروط إمكانية التحصين البناء في استكشفها ما يحل الصارم في نتائجه صروح التشيد عن ميل التجديد بين العقل والشعر وناقديتهما عن مصادر التفكير ءا ما أردنا القول الغاية في ترتيب ذلك ذلك٬ هو٬ فكرة عمل التفكير٬ أحالات النتائج التي توصلت إليها٬ بصرامة الظرفية الشغوفة بنفسها في سمات “الشعر الحر”٬ أي في اللغة الاصطلاحية بين الروح والحياة٬ شاغل همها٬ لكن كتاباتها النقدية عن المفاهيم هنا٬ تعتبر تحديد “معالم” لا مجرد أن يسري القبول بفضلها مجرى جديد للتفكير بل التعميق في الابحاث والدراسات الموسعة المتقدمة.
وقد لمحت نازك الملائكة إلى خاصية مسح التفكير هاته٬ حينما أكدت على مدى ميل حاضنة السؤال النقدي التالي: على أي عتبة تبنى مقومات التفكير والتأمل في التجديد الشعري؟ بالضرورة وعلى الدوام٬ إلى فعل التفكير الإبداعي٬ وحينما تحدثت بصدد السياب عن “جماعة شعر البيروتية”٬ لفتت محنتها عن غياب الأعتبارات القيمية للشاعر والشعر٬ هذا الغياب الذي تبتدئ به التفكير مرواحة ومجيئا إلى مشقتها٬ ودافع عزلتها٬ وأيضا حينما نقرأ بأن التفكير الإبداعي٬ الخلق والأبتكار فيه٬ يتوفر على خاصية العودة إلى الخلف قليلا٬ للتذكر بالقيم المغيبة في الأعتراف والإشهار٬ الذي مارسته جهات أيديولوجية لغايات سياسية منظمة٬ وآجندات خاضعة لتكتلات حزبية من جهة٬ وشخصية انفعالية من جهة أخرى٬ “مسخ حقيقي للمثقف” قائم على التفكير الضيق والمزاحمة المريضة٬ المثقلة بأمراض المجتمع المتهافت٬ والثقافة الرثة وخفايا التخلف الاجتماعي القائمة على (الحسد والانتقام والغيرة…) غير أن الشاعرة نازك الملائكة عملت صقل في رجوعها للتراث في التجديد٬ والعودة للوراء٬ حينما أخضعت كتابها: (التجزيئية في المجتمع العربي٬ 1974 م)٬ وهي دراسة في رؤية أنعكاس الإبداع من منظور أجتماعي٬ كرست صفحات كشف المظالم المحن٬ العقل التربوي الاجتماعي٬ أخضعت مسألة التفكير فيه إلى تجنب الأمراض تلك ومحاربة التخلف٬ من خلال مراجعة التفكير بما يتوفر من خاصية لعلاج ما تغيب فيه الاعتبار٬ وبالضرورة هو الرجوع إلى أخضاع التحديث إلى المكان والزمان٬ لغرض ممارسة النقد المحايث٬ أو حينما أقرت بأن تأويلا محددا للحقيقة المثالية في القيم الجمعية التراثية٬ لن تقوم لها قائمة من قبل “بعض”(جماعة شعر)٬ وتلك القائمة معروفة بأسماء وشائجها٬ ودعواتها القائمة على التنكيل والتحريض٬ والتزييف في إضاعة الحقيقة من صلب الحق وعدالة الاعتراف بحقوق المبدع باصداء “تغييب الاعتبار”٬ وإضاعة الجهود لصاحبته٬ أو عندما تعتبر المعالم نسجه هو تبعية لحداثة الغربية الكلية٬ في نسج الإذابة في المشروع الغربي٬ بينما مشروعها في حد ذاته؛ تحدث ـ بشكل عام ـ عن النظرة للتراث “والتجديد”٬ وهنا٬ قصديتها٬ أحياء الأصالة لبناء الأنساق” لا التحديث كأصطلاح للتداول خارج حفرياته المباشرة في التراث٬ لتقويم مسألة التفكير “جديد الأركان” بأتجاه تقويم ممارسة عملية البناء في الرجوع والتقيم٬ والاسترجاعية تتخذ تواصل النقد والبناء والاستدامة في الابحاث والدراسات٬ والتي أصبحت قابلة للمراجعة دوما ـ بأعتراف السياب نفسه٬ والتي يمكن على الباحث الرجوع إلى تلك البدايات للسياب والكتابات والاراء التي كانت تنقلها دوما التوكيدات عن “الشعر الحر”٬ غير أن أعمال الشاعر التي أصبحت مشجعة لإعادة النظر للأسف بشكل متأخر في أنصافها٬ ولا يعني ذلك إلغاءا٬ بل تفكيرا من جديد في ما تم التفكير فيه بأصول جذور التأسيس ومؤسسته الحقيقة التي أقرها الزمن بأخضاع المقارنة للدقة والتحقيق والصرامة بالقرار والحق بآهلية تحدث بصدد المؤسس والتأسيس لها.
وأخيرا٬ إن كل مبدع٬ حينما يبلغ من المشقة عزاءا أنتماء السؤال والمعالم٬ يكون مطالبا ما يعتبر بمثابة حصيلة لتفكيرها٬ لأنه ببساطة سيتأمل في هذه الخلاصة بتغذية حداثية٬ ما دفع أن تصبح للسياب مسار أعمق خلدا بأتجاه أعماله للمراجعة دوما٬ والآن٬ مما يجعل ماتم التفكير فيه قبلا٬ حال ما يرتبط بالنخبة السياسية٬ من تلقاء يشرع مباركة في اخذه الحصيلة الفضلى للسياب٬ يراد خلاله البدء في “إنشودة المطر”٬ رغم الاحالات المنتقودة والمنشورة من قبل٬ قرأت وكأن صاحبها بدأ أخد كل حجياته مغايرة كليات وبشكل تام تم تشييدة مستقلا٬ حقا أول الأمر”كما فرضها الصراع السياسي” أو “القوى المتصارعة” شروع تفكير أول الأمر٬ وفرض استعارة سياسة الأمر الواقع ـ على الواقع الثقافي٬ و”الجمهور المحايد” هو مجرد لمح التقويم عليه ليستعيد طرفه للتفكير٬ لا أن يؤخذ صاحبته في العمل٬ وهذا الميل نحو الجمهور٬ لهو وطرافة على التأسيس٬ و أن يجعل التصرف بالضرورة وعلي الدوام لا يعدوا أن يكون في التشبيهات بنسيج اللغة وخاصية التفكير هذه في لمح التجديد والحداثة٬ أي من جديد الظرفية في معالم الكتابات بمراجعة التفكير إلى حال سبيلينا٬ في غياب الأعتبار والحقائق في تجريفها المحايث الأقرب إلى الإلغاء٬ ما تم صنعة أيديولوجيا٬ لعله ميل الهوى والاستحواذ التبعية للغرب أو دون المساس بما آلت إليه التكتلات الحزبية على أعتبار أن الغرب و العقل الفطني السباق “إيدث ستول” لا التمسك بما حظيت به “شاعرتنا” من جادة الصواب في “التجديد” الذي يرتبط بالتراث وباقي العمق لميزات حضارة العراق أو المنطقة بحضارتنا وخزينها الإبداعي المرتبط بتفكيرها الخاصة بالهوية الفاعلة للإنتماء٬ والخضوع لمميزت سمات “المفكر فيه” أصلا٬ ليس إلا٬ إن شئتم.
إن ما يبلغ الحصيلة التفكير هو ان الأنا المفكر أو حصيلة التفكير الريادي الابداعي لا يخضع لسقف زمني أو عمر له إلا وقابلته مراجعة باتجاه أعماله دوما٬ ولعل من يضر المفكرين أو من ميزة تصاحبهم في عملية الإعادة والمبادهة في اخضاع أعمالهم لوفرة التفكير٬ ممارسة حسن حظهم إن جاز التعبير٬ وذلك بالقدر الذي يلزم حقائق تقويمهم الفعلي بالتفكير٬ أي أنهم في عملية صيرورة وإستدامة مستمرة في تجديد حيويتهم. وينطبق نفس الأمر على ميل النفس في التفكير وأنصراف باقي التأملات بإدامة الأعمال افعالها الأخرى. فما نعرفه عادة كخيار مميزات خاصية المفكر فيه بالشخص عينه ـ الذي تشكل كلية السياق٬ ميزاته المنتظمة لاحقا بفعل الإرادة في تحصيل ما هو بجديده يتوالد٬ شيئا فشيئا ماتم التفكير فيه يأخذ تأويلا محددا٬ حتى يبتديء التفكير الفعلي بالسجية ممارسته ـ بمعنى٬ لا يمكن أن يصمد عتيا٬ وقائمة التحديات تطرق به أمام أنقضاض وتبدل الميول وتحديث النظرة التي أخضعت للمراجعة وهذا لا يعني الألغاء٬ بل التفكير الذي يمسك ويستحوذ بمعنى ما٬ على هذا الإنسان بأعتباره شخصا محددا بوفرة التفكير الريادي والممارسة فيه قبلا.
إن إرادة الريادي٬ (أو) قوة الأنا المفكرة فيه التي تبقى صارمة الاتجاه من تلقاء معايير بنية ثوابت ذاته٬ تواجه تحديا أمام العصف الذهني الثقافي٬ لاحقا بفعل تكوينات فكرية ريح التغيير الهوجاء٬ والتي توقف الاستحواذ الزمني فعليا بالنسبة إليه٬ ليس فقط منفلتة التجربة بالافعال٬ إنه بدون تمييز أبان خصائص تنظيمه أيضا رغم كونه في محاولة السيطرة على التدوير والتدبير في الانشطة الفاعلة٬ أنا الريادي مختلفا المفكر فيه بشكل خاص. فالذات المفكر للريادي الإبداعي هي شيء آخر غير الذات الشبيهة الواعية. علاوة على ذلك٬ فإن ضرب التفكير الريادي٬ وكما لاحظته (شاعرتنا المبدعة) مرة بصدد القصيدة التحديثية/النظم الحر (قضايا الشعر الحديث٬ 1974م) هو ضرب من التوحيد والتفرد. ولا يرجع ذلك فحسب إلى أنها كانت وحيدة ضمن ما يدعوه النقاد “بحوار الأنا المفكرة الريادية الهادئة” إن جاز القول٬ أو تماسك إيقاعات الصموت مع ميل الذات بسجية فعل الإرداة المخبئة ” مخاض فعل التفكير السجي ـالصيرورة على ميزة استحواذ المعنى”٬ بل المحنة٬ لأن هناك تدخلا ضمن هذا الحوار هو تلقاء كينونة العصف الذهني الإبداعي٬ لشيء يفوق الوصف الذات المفكرة٬ لشيء لا يمكنها أن تظل ثابتة في تماسك يصمد أمام الذات العاصفة٬ وبالرغم من أعتماد ذلك التفكير المختلف في اللغة هو ضرب من التوحيد/الإبداع الريادي الخلاق٬ أن يرتكز بشكل تام على إيقاعات الصوت أو على ضخ الكلمة تحديدا ككتلة محمولات٬ لأن ذلك يشكل حوارا٬ يرجع بحسب عائديته٬ الجوهر/المحتوى/ المعنى٬ لب ما يمكن ما تدعوه بقوة الاتصال والتواصل الفاعل المؤثر والمتأثر لشيء يفوق وصفه بكليته المنتظمة في ظل العاصفة الهوجاء من الأصوات والصموت الإيقاعي لشيء آخر إلا بتماسك ما ثبت من الإنقضاض في ذاته٬ لذلك لا يتم ال بمراجعة إصالة الشيء من تفرد إلى حوارات الآخرين بأعاتماد المعنى في إقاعات الصوت والصموتات بصدد ضرب التوحيد٬ ولا حتى إلى الذات المعنية باللغة المحكية المستحوذة عليها معاني الإنسان إلا في النفس الخارجة عن العجز والملاحظات العابرة كظاهرة جامدة وإن تم اعتمادها بالحوار الريادي.
ومما لا شك فيه٬ أن الإبداع الريادي الذي يفوق أنظمته الواعية لغة الوصف٬ الوارد في القصيدة “الكوليـرا” ليس لانفتاح المعنى بدون مكانية محددة بل بزمانية لاحداث مدورة بحسب تبدل القوى محنة الإنسان العربي الذي جعلت الظاهرة منه ثابتا في عاصفة هوجاء من “حوارات الحداثة بالسجيته”٬ هو الذي يدل التفكير بهذا الشكل٬ وحوله إلى شيء متوحد٬ مشكلا مع ذلك٬ بلحوارات مع المطر والسماء والأرض المغذية و الشياء الوفيرة بأستمرار٬ والعزاءات المتكررة على الأرض التي يسمو استحواذها التفكير أنطلاقا منها ويتجدد على الدوام في ميادين الفلسفة والعلم بالرغم من أعتماد اللغة٬ فالإبداع الريادي في مجال البنية للتجديد الشعري، كما لاحظته مرة بصدد تجديد البناء وتحديث الإيقاع للذات المفكرة هو شيء آخر غير الذات الأوربية “الحداثة الغربية” في تعرفها له..
ويمكننا أن نتصور ـ وإن كان هذا لا ينطبق على نازك الملائكة في “الكوليرا”ـ بأن هو تعريف التفكير الغربي الريادي٬ في الذات المفكرة “مدعيا” الحداثة الإنسانية ـ التي قد أنقض فجأة على الإنسان الأسهل فيها٬ عزلة وقطيعة المخالطة٬ سيطرة استحواذية ولا تشاركية مع الآخر في تشبيه معناها في الميول والتعقل في النفس البشرية٬ مما جعل “الحداثج الغربية” تشكل بفعل نماء متبادل حوار الذات منفصلا المعاشرة٬ وبدون عمر حطمه من فرط العزلة التي وضعها فيها٬ وهذا بحسب الغربي في تعريفه الحداثوي في بناء النموذج والتفرد على أعتبار ضرب من التوحيد٬ على هذا النوذج الإنسان الريادي بأعتباره أنموذج فلسفي متطور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتبت هذه الورقة٬ والتي كان تم تقديمها لمركز نادي ثقافي عربي للجامعة ( …. ) بالقاهرة٬ والمشاركة جاءت بدعوة٬ احياء تاريخ ذكرى وفاة الشاعرة الـ ١٢ ٬
** و المنعقدة بتاريخ ٢٠ حزيران ٢٠١٩.
*** قدمت هذه الدراسة للنشر في موقع الصعاليك من قبل الكاتبة أ.د. إشبيليا الجبوري في 1 آب ـ اغسطس 2022
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة)