قصاصات من المستشفى(3)
يحيى علوان
لن أجزمَ ، فلستُ أدري هل ستكون لهذه القصاصة توابع ، أم لا !
لَملَمتُ كل طاقتي العقلية والنفسية كي أتركَ للعلم يفعل فعلته فلا تكون “الأخيرة”..
فلديَّ ما ينتظر الإنجاز ، ولا وقت عندي لدخول نَفقَ “الغياب” !
كأولئك الذين راحوا في القصف فذهبت حكاياتهم معهم ، تحت الأنقاض !
فالموتُ يُخلِّفُ ويولِّدُ في رحَمه نسياناً ، يكبرُ مع الوقت ..
* * *
حتى لو أَبقَت “الريح الصفراء “! ريشةً واحدةً في جَناحي ..
سأطيرُ بها فوقَ تِلالِ الغيمِ .. إلى ما خلفَ تُخومِ المدى ..
أغتسِلُ بضياءِ الكون ، خُلوَاً من “مزابل” الدنيا !!
* * *
آخر مرة ، كُنّا نَفَذْنا من المَقْتَلَةِ !
خَرَجنا مُترنِّحين مثل السكارى ، وما كُنا بسُكارى .. !
مُنهكينَ ، نَرفعُ شارةَ نصرٍ جريحة ..
خَرَجنا لننسِجَ حكايتنا ونكتب سرديتنا نحن ..!
نلوذُ من النُعاسِ بِمَلاكِ الصحو ،
إِحمَرَّتْ عيناه من السَهَرِ لحراسةِ أحلامٍ مُبعثَرةٍ ، نختلِفُ حولها ..
مازلنا مُعفّرينَ بغبار الطرقات ،
ننامُ واقفين …
ونموتُ واقفينَ مثل شراع ،
أو ندخُلُ مُتحفاً بارداً ، لا يتذكّرنا ..
يسبقُنا غدٌ سيمضي ، ونصيرُ مِلك الصدى والهامش !
نَتحرَّرُ فيه من سلطةِ “المركز” المُستبدِّ ، بكل مسمّياته ،
كي لا نصيرَ مَسّاحي جوخٍ ! نُلمِّعُ قفطانَه (المركز)، ولا نكشف عن فتوقه ..
نَتصابرُ على “العادي” ، كي لا نضحّي بحريةٍ ، إكتسبناها بأثمانٍ باهظة ،
ليس اقلّها التخلّي عن أشد الضروريات الشخصية ،
وهي عادة أبسطُ حقوق الناس ..
………………..
هي حريتنا رغم أنف ” الواقع ” المُشَرشَح !
حريةَ أنْ نقولَ نعم أو لا ، دون أن نَحترقَ ببروجكتر ” المركز” !
حتى لا ينالَ من حُصنِ حُلمنا ، الذي نُريدُ ونُرضِع !
فالحريةُ ليست في تغيير الواقع ، إنْ كان ذلك ممكناً !
بل في ألاّ نسمحَ للسائد أنْ يُغيرنا ، كما يَهوى !
فـ”المستحيلُ” قنديلُ مَسرانا .. وجيشُ نَمْلٍ لا يهدأُ في عروقنا !
………………..
هل كنّا غيماً ، كالأبَدِ المؤقتِ في الشِعر .. لا يزولُ ولا يدوم ؟!
فقد كان لنا أمسٌ يُرتِّبُ أحلامَنا صورةً ، صورة ..
وكانَ لنا قَمَرٌ مُكتملٌ ، مُعلّقاً فوقَ زَقُّورة عگرگوف ،
كُنّا رُواةَ الحكايةِ ، قبلَ وصول الغُزاةِ إلى غَدنا ..
إذ أحرقوا كلَّ شيءٍ ، حتى خيوطَ ثوبِ السراب ، الذي كُنّا ننسجه !
ومرَّت بمَفْرقِنا حوافرُ خيولهم ..
ولم تَضِجّ العواصم !!
صارتْ تبسم بشفاهنا !
لأننا لم نتعلّمْ السباحة إلى شاطيء الفَرَحِ بعدُ ..
بعدُ .. بعدُ ……!