الشاعر حافظ جميل أبو نؤاس القرن العشرين
جميل حسين الساعدي
شاعر عراقي يعتبر واحدا من أعلام الشعر العربي في القرن العشرين ، ينحدر من أسرة شامية استوطنت منذ مائة عام في بغداد ، ولد في محلة قنبر علي في العام 1908. قرض الشعر صبيا ، وحين بلغ سنّ السابعة عشر من عمره شدّ الرحال الى بيروت، درس اللغة والأدب على يد منير القاضي ، تلقى تعليمه في مدارس بغداد ودخل الثانوية في العام 1921 ثمّ التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت ، ثمّ عاد الى بغداد ليدرّس في الثانوية المركزية في بغداد . كان احد الأعضاء المؤسسين لاتحاد المؤلفين والكتاب العراقيين . حصل على وسام الأرز من لبنان في العام 1960 . كانت حياته زاخرة بالعطاء الأدبي ، فقد نظم أكثر من 200 قصيدة خلال خمسة عقود ، نشر خمسة دواوين في حياته :
” الجميليات” الجزء الأول ــ مطبعة دار السلام ــ بغداد 1924 ( قدّم له أستاذه منير القاضي) .
” نبض الوجدان ” ــ مطبعة الرابطة ـ بغداد 1957 ( قدّم له خالد الدرّة ، صاحب مجلة الوادي البغدادية )
” اللهب المقفى ” ــ دار الجمهورية ـ مطبوعات وزارة الثقافة والإرشاد ــ بغداد 1966 ( قدّم له منير القاضي وبدوي طبانة)
” أحلام الدوالي” ــ مطبعة الأديب ، منشورات وزارة الإعلام ــ بغداد 1972
” أريج الخمائل ” ــ منشوزات وزارة الإعلام ــ بغداد 1972
” أريج الخمائل ” ــ منشورات وزارة الإعلام ، بغداد 1977 ( قدّم له عبد الرزاق محيي الدين) .
ومن أعماله الأخرى: ترجم الى العربية كتاب ” عرفت ثلاثة آلاف مجنون ” ـ ـأليف فكتور آرسمول ـ عن الإنجليزية ، بالإشتراك ــ مطبعة التفيض الأهلية ــ بغداد 1944 .
تميّز حافظ جميل بموهبة نادرة ، تتدفق بوحي من الإلهام الشعري ، فهو من أبرز شعراء العراق بعد الكاظمي والرصافي ، حفظ الكثير من الأشعار ، حتى رويَ عنه أنّه كان يحفظ جميع أشعاره ، التي تضمنتها دواوينه الخمسة ، وكان أحبّ الشعراء إلى نفسه أبو نؤاس وابن الرومي والمتنبي وأحمد شوقي
كتب في الغزل فأبدع ، فاشتهرت قصائده الغزلية ذات العاطفة الجياشة والحب الملتهب ، ومنها قصيدته الرائعة ( يا تين) ، التي اشتهرت في البلدان العربية ، والتي لحنها عدد من الملحنين العرب ، وقد نُسبت خطأ الى الشاعر المرحوم ابراهيم طوقان، وقد بعث الشاعر خطابا إلى مجلة الينبوع سنة 1946 يثبت فيه أنه هو كاتب القصيدة كاملة وليس الشاعر ابراهيم طوقان ، الذي ، عارضها ببعض الأبيات لا أكثر فقد كان الدكتور البارودي الحموي وكل من الشاعر ابراهيم طوقان والشاعر حافظ جميل زملاء درسوا معا في الجامعة الأمريكية في بيروت . لهذه القصيدة قصة ظريفة ، فقد ذكرالشاعر للصحفي الراحل رشيد الرماحي في لقاء صحفي أجراه معه ، نشر في جريدة ألف باء في العام 1977 ” كان عمري لا يتجاوز التاسعة عشرة استهوتني الحياة الجامعية الجديدة وبدأت أستوحي منها القصائد الغزلية والوجدانية واشهرها ( يا تين . يا توت. يا رمان . يا عنب ) التي غناها المرحوم ناظم الغزالي والقصيدة قيلت في زميلتي ( ليلى تين) وهي دمشقية من الشام تعلقت بها ، ونظمت فيها العديد من القصائد فقد معظمها ولم يسلم من الضياع إلا ما كنت قد نشرته في بعض المجلات والصحف ، واشتكت ليلى تين إلى عميد الجامعة من أنّ الطلاب يضايقونها في قصائدي عندما كانت تمرّ من أمامهم وكدت أطرد بسببها خصوصا وانّ تلك السنة التي نظمت فيها هذه القصيدة كانت بداية تعليم الجنسين في هذه الجامعة ، وعندما تخرجت أتممت القصيدة وصرخت باسم صاحبتها فتوطدت علاقتي معها وزادت معرفتنا بعد تخرجنا وتخرجها هي الأخرى حين عملت كمدرسة في دار المعلمات “
أما قصيدة
ياحلو يااسمر غنى بك السمر
رقوا ورق الهوى في كل ما صوروا
———————
ما الشعر ماسحره ما الخمر ماالسكر
يندى على ثغرك من انفاسك العنبر
————————–
والليل يغفو على شعرك او يقمر
انت نعيم الصبا والامل الاخضر
ما لهوانا الذي اورق لايثمر
————————-
قد كان من امرنا ماكان هل يذكر
نعصر من ر وحنا اطيب ما يعصر
—————————-
نوحي الى الليل ما يبهج او يسكر
نبنيه عشا لنا ياحلو يا ا سمر
والتي غنتها واشتهرت بها المطربة عفيفة اسكندر ، فهي كذلك من تأليف حافظ جميل ، ومع الاسف هناك من نسبها إلى الخليفة العباسي عبدالله ابن المعتز وهناك من نسبها للشاعر اللبناني نيقولا فوستاس ، وهناك من يقول أنها للشاعر حسين مردان
لكن بصمات روح الشاعر حافظ جميل واضحة فيها ، ويبدو أنّ القصيدة وقعت بين يدي الشاعر اللبناني بطريقة أو أخرى ، في الفترة التي كان فيها حافظ جميل في لبنان.
حفلة السفارة العراقيـــــــة في بيروت بمناسبة مهرجان شبلي الملاط عام 1961
ويظهر في الصورة الشاعر حافظ جميل والى يساره الشاعر المصري أحمد رامي
يقول الشاعر في لقائه مع الصحفي رشيد الرماحي ، المذكور آنفا ” كنت أجالس الرصافي والزهاوي وأقرأ عليهما بعض أشعاري .. وعندما سمع الرصافي قصيدتي يا تين يا توت تنبأ لي أن أكون شاعر العراق اذا بقيت مستمرا على هذا الطراز من الشعر الغزلي والوجداني المبتكر. وسمع القصيدة بالصدفة الشاعر أحمد شوقي عندما كان مصطافا في بيروت سنة 1927 فأعجب بها وتعرفت عليه من خلال المرحوم خليل مطران ثم انصرفت إلى عالم الوظيفة التي تدرجت فيها من معلم . مدير هواتف . مفتش عام ، أجوب العراق شمالا وجنوبا حتى أحلت إلى التقاعد لأريح وأستريح معا” .
والشئ بالشئ يُذكر أقتبس هنا من مقالة نشرها الكاتب والأديب المصري أنيس منصور في صحيفة الشرق الأوسط في 21 فبراير 2011 هذه السطور” والله ما نسيت .. والله حاولت .. ذهبنا معا إلى شاعر العراق حافظ جميل .. انّه هادئ الطبع خفيض الصوت هامس دافئ النبرة ، ولكن تحته بركان من المشاعر والشعر . كلنا أحمد رامي وصالح جودت وأنا في سنة 1958 كنا في بيروت ورأينا أن نزور شاعر العراق الجميل .. وذهبنا .. وطلبت إليه أن ينشدنا قصيدته الشهيرة التي لجمالها ورقتها وانتشارها تمناها وادعاها شعراء آخرون ، من بينهم الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان ، وكان حافظ جميل يتوقع ذلك فأنشد بعضها في مداعبة فتاة اسمها (( تين)) ”
قصيدة يا تين
يا تين ياتوت يارمان ياعنبُ
ياخير ما اجنت الاغصان والكثبُ
يامشتهى كل نفس مسها السغبُ
يا برء كل فؤاد شفه الوصب
يا تين يا توت يارمان يا عنب
****
ياتين يا ليت صرح التين يجمعنا
يا توت يا ليت ظل التوت مضجعنا
وانت ليتك يارمان ترضعنا
والكرم يا تين بنت الكرم تصرعنا
يا تين يا توت يارمان يا عنب
****
ياتين حسبك صحن الخد راووقا
ولو درى التوت ما تحسو حسى الريقا
وهبَ يجرحك الرمان تحديقا
واهرق الكرم يا تين الاباريقا
ياتين ياتوت يارمان ياعنب
****
ياتين سقيا لزاهي فرعك الخضلِ
يا وارف الظل بين الجيد والمقل
هفا لك التوت فاغمر فاهه بالقبل
فالكرم نشوان والرمان في شغلِ
ياتين يا توت يا رمان ياعنب
****
حدائق الشام عين الله ترعاكِ
ولا سرت نسمةٌ الا برياكِ
ملهى العذارى وكم يممن ملهاك
يشربن بارد طل من ثناياكِ
ياتين يا توت يا رمان يا عنب
****
يا يوم اقبلن امثال التماثيل
يرفلن في عقص بيض الاكاليل
تبعت( ليلى) و(ليلى) ذات تضليل
(ليلى) فديتك ما اقساك ياليلي
ياتين يا توت يا رمان يا عنب
****
حلفت بالكرم يا( ليلى )وبالتوت ِ
وما بصدرك من در وياقوت
لاجعلن عريش التين تابوتي
تين الخمائل لا تين الحوانيتِ
ياتين يا توت يارمان يا عنب
****
ناداك بالتين يا( ليلى) مناديكِ
والتين بعض جني الاطياب من فيكِ
لو كان يجدي الفدا في عطف اهليكِ
لرحت بالروح افديهم وافديكِ
يا تين ياتوت يارمان ياعنب
****
كتمت حبكِ عن اهلي ولو عرفوا
شددت رحلي الى بغداد لا اقفُ
هذي دموعي على الخدين تنذرفُ
يامنية القلب هل وصلٌ وانصرف
يا تين ياتوت يارمان يا عنب
****
يا تين يا خير اثمار البساتين
يا لاويا جيده فوق الافانين
طلْ الندى لك مخضل الرياحين
فافتر ثغرك عن ورد ونسرين
يا تين يا توت يارمان يا عنب
****
يا تين زدني على الاكدار اكدارا
ولا تزدني تعلات واعذارا
هبني هزاراً وهب خديك نوارا
فهل يضيرك طير شم ازهارا ؟
يا تين يا توت يارمان ياعنب
****
يا تين حسبك ظلاً نشر ريحان
يهفو على غض اكمام وافنان
من كل حانٍ العنقود نشوان
ومشرأبٌ الى توت ورمان
يا تين ياتوت يارمان يا عنب
****
هتفت بالتين فأهتزت له طربا
وقلت للتوت : كن اقراطها ذهبا
واحذر اذا انتفض الرمان وانتصبا
ان يأخذ الكرم من حباته الحببا
يا تين يا توت يارمان ياعنب
تقدم العمر بالشاعر حافظ جميل وأحيل الى التقاعد فعاش بقية عمره في هدوء إلى أن وافته المنية يوم الجمعة المصادف الرابع من أيار للعام 1984 عن عمر ناهز الثمانين عاما ودفن في مقبرة الشيخ معروف الكرخي إلى جانب والده الذي توفي في العام 1957 و نشر خبر وفاته في جريدة الجمهورية وقد حضر حفل تأبينه عدد كبير من الشعراء. وألقوا كلمات وقصائد في رثائه .