براغماتية الثعالب !
احسان جواد كاظم
كثر في الآونة الأخيرة تداول مفهوم ” البراغماتية “, في وسائل الإعلام, واقترن بمواقف الإطار التنسيقي الشيعي الأخيرة المتسمة بالانضباط والهدوء في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية والإمارات ومن المشاريع الاقتصادية المشتركة المزمع تنفيذها (بعدها حبر على ورق ) والتي كانت سابقاً تلاقي الرفض القاطع. ثم التراجع الدراماتيكي عن شعارات طرد المحتل, لتستبدل بالتزام الصمت إزاء صولات وجولات السفيرة الامريكية لدى بغداد السيدة رومانسكي في مؤسسات الدولة وحتى الترحيب ببعضها أحيانا, وغيرها من المواقف المستغربة من قياداته.
يروّج الإطار من خلال قنواته الفضائية او تصريحات ممثليه في القنوات الاخرى لمفهوم البراغماتية ويجعله تحولاً في سياسته ونضجاً سياسياً لأحزابه وميليشياته من أجل العراق والعراقيين, إلا أن كل الحكاية تذكرنا بقصيدة أحمد شوقي ” قصة الثعلب والديك ” والحكمة المستقاة في نهاية القصيدة : ” مـُخـْطـِئ ٌمـَنْ ظـَنّ يـَومـاً *** أنَ لِلثـَعـْـلَبِ ديـــنا “.
و التشكيك بصدقية هذه البراغماتية كونها مفروضة من أعلى,من جهات ليست عراقية, وليست ثمرة مراجعة وانتقاد تجربة, لهذا ستكون أشبه بديمقراطية بريمر التحاصصية التي اكتوى بنارها العراقيين !
فالمواطن العراقي لا يستطيع, ببساطة, هضم هكذا ادعاء صحوة مفاجئة لأحزاب سلطة لم تعمل يوماً للصالح العام, ولم تقدم أي خدمة تُثنى عليها, بل انها جلبت الكوارث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية والخدمية الخ الخ الخ.
.. لاسيما وان البراغماتية المذكورة مقتصرة على العلاقات الخارجية وليس للعلاقات الداخلية مع المواطن من نصيب في هذه البراغماتية المزعومة… فلا نهج السلطة المحاصصي الطائفي – العرقي تراجع ولا السلاح الموازي لسلاح القوات المسلحة الدستورية سُحب, ولا مبدأ التوزيع العادل للثروات جاري ولا احترام الحريات والحقوق معمول به, ولا التطوير الاقتصادي… بينما جرح انتفاضة تشرين المجيدة وشبابها ينزّ منذ 2019 وقتلتهم ” يمشون في الأرض مَرحاً “.
السياسة كل متكامل, لا يمكن تبني البراغماتية والانفتاح في السياسة الخارجية وتتشبث بالدوغماتية والتشدد في السياسة الداخلية.
ويُفترض بالدول الراسخة أن تكون سياستها الخارجية انعكاساً لسياستها الداخلية وتكريس لها… متفاعلة فيما بينها لضمان مصالح البلاد وشعبها.
” براغماتية* ” بساق واحدة لا يمكن أن تقود الا إلى بقائنا في ” الدوغماتية* ” التي نعيش في كنفها اليوم !
براغماتية – التعامل العملي مع الأحداث والمواقف.
دوغماتية – تعني الجمود الفكري والتعصب لعقيدة والجزم بصحتها.