الحدود القانونية والدستورية، لمواجهة تفريط الحكومة بمصالح الدولة الحصرية
عصام الياسري
يراود الكثير من العراقيين السؤال: متى تتوقف الحكومة من التفريط بمصالح الدولة؟ الجواب من الناحية القانونية والدستورية، لا يجوز للحكومة التفريط بمصالح الدولة الحصرية، ويعتبر ذلك في أغلب النظم القانونية ـ خصوصا ـ في الدول ذات الدساتير التي تنص على سيادة الدولة على مواردها ومصالحها الأساسية، مخالفة صريحة للقانون والدستور…
لتوضيح ذلك أكثر، يمكن السؤال، ما هي “مصالح الدولة الحصرية”؟:
هي المصالح المرتبطة بسيادة الدولة وأمنها القومي، مثل: الموارد الطبيعية (كالنفط، الغاز، المياه). الأمن والدفاع، السياسة الخارجية، البنى التحتية الحيوية (كالمواني، المطارات، الاتصالات)، القرارات ذات الطابع السيادي أو الاقتصادي المصيري. وفيما الدساتير عادة تنص على أن الشعب هو مصدر السلطات، وبالتالي، أي تصرف يخص السيادة أو التفريط بمصالح الدولة لا يجوز دون موافقة البرلمان، أو حتى استفتاء شعبي في بعض الحالات. وفي بعض الدساتير (مثل الدستور العراقي)، توجد مواد تحظر صراحة التفريط بأي جزء من الأرض أو الموارد. فالمسؤولية القانونية: تعتبر التفريط بمصالح الدولة قد يرقى إلى جريمة خيانة عظمى في بعض الحالات، خاصة إذا تم ذلك بشكل متعمد ومن دون الرجوع إلى المؤسسات التشريعية أو الرقابية. ويمكن مساءلة المسؤولين أمام القضاء الوطني، وأحيانا حتى أمام القضاء الدولي (إذا كان التصرف مخالفا للمعاهدات الدولية مثل اتفاقيات حقوق الإنسان أو الاتفاقيات البيئية… إلخ).
في حالات نادرة، كمثال محدد (صفقة أو اتفاقية معينة)، قد تقوم الحكومات بتوقيع اتفاقات تتضمن بعض التنازلات، لكن يجب أن تمر تلك الاتفاقات عبر البرلمان أو المحكمة الدستورية للتصديق، ما يجعل المسألة خاضعة للرقابة الشعبية والمؤسساتية. لكن حالة حصرية، من نوع تنازل الحكومة العراقية عن أجزاء من أراضي العراق، مثل خور عبد الله لمصلحة دولة الكويت، يعد من القضايا الحساسة التي يمكن وصفها من زوايا قانونية ودستورية وسياسية وتاريخية. وفي حال ثبوت إعادة النظر من قبل جهات رسمية محددة والطعن بقرار المحكمة الدستورية ببطلان الاتفاق بشكل رسمي ونهائي، فإن هذا الفعل يمكن أن يوصف بما يلي:
أولا: الوصف القانوني والدستوري: مخالفة لمبدإ السيادة الوطنية، والدستور العراقي ينص في المادة (1) على أن: “جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة كاملة…” والتفريط بأجزاء من الأراضي يعد انتهاكا صريحا لهذا المبدأ. وخرق للمواد المتعلقة بوحدة الأراضي: المادة (109) من الدستور تنص على: تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي. وبالتالي، فإن أي تنازل غير مشرع يمثل خرقا للدستور. كما يعتبر إهمال لموافقة البرلمان: الدستور يشترط عرض المعاهدات والاتفاقات الدولية على مجلس النواب للمصادقة (المادة 61/ رابعا). فإن لم تعرض الاتفاقية (أو عرضت دون تدقيق أو ضغط سياسي)، فهذا يمثل مخالفة للإجراءات الدستورية…
ثانيا: الوصف السياسي التنازل عن مصلحة سيادية: خور عبد الله مثالا، يعد منفذا بحريا استراتيجيا، والتفريط به يقلل من القدرة البحرية للعراق ويخدم أطرافا خارجية. كثير من المراقبين وصفوا ذلك بالقرار السياسي الخاطئ أو الخاضع لضغوط دولية قديمة: بعض التبريرات التي قدمتها الحكومات العراقية تقول إن ترسيم الحدود تم استنادا إلى قرارات مجلس الأمن بعد عام 1991، لا سيما القرار 833. لكن حتى في هذه الحالة، يفترض أن أي تنفيذ لاحق يجب أن يكون ضمن السيادة العراقية وبموافقة المؤسسات الدستورية.
ثالثا: الوصف التاريخي والوطني: من منظور وطني، يوصف هذا الفعل بأنه تنازل عن جزء من الأرض التاريخية للعراق. كثير من العراقيين يرون فيه انتهاكا للكرامة الوطنية ـ خصوصا ـ إذا لم يتم عبر استفتاء شعبي أو نقاش وطني واسع.
الدفع بعدم دستورية الإجراء لعدم استيفاء الإجراءات الشكلية والجوهرية. يقتضي إعادة فتح الملف سياسيا، خاصة إذا ظهرت وثائق أو إثباتات تشير إلى الابتزاز والإكراه أو التزوير أو سوء النية.
خلفية القرار 833 (1993)
بعد حرب الخليج الثانية، أصدر مجلس الأمن القرار 687 (1991) الذي أنهى العمليات العسكرية وفرض شروطا على العراق، منها الاعتراف بسيادة الكويت. بناء على ذلك، شكلت “لجنة الأمم المتحدة لترسيم الحدود بين العراق والكويت” (UNIKBDC) لترسيم الحدود استنادا إلى اتفاقية عام 1963 بين البلدين. ولكن على رغم أن القرار 833 ملزم دوليا، إلا أن الدستور العراقي ينص على أن السيادة الوطنية لا تنتقص إلا بموافقة البرلمان. في عام 2023، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق قرارا بإلغاء اتفاقية خور عبد الله لعام 2012، معتبرة أنها لم تعرض على البرلمان بشكل صحيح، مما يجعلها غير دستورية. كما أن تحديد الإحداثيات الجغرافية للحدود البحرية، أدى إلى تقليص مساحة المياه الإقليمية العراقية.
الخلاصة: رغبة رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية العراقية طلبا للمحكمة الاتحادية للعدول عن قرارها القاضي ببطلان اتفاقية خور عبد الله، في حال ثبوته كفعل نهائي رسمي دون استفتاء شعبي أو رقابة برلمانية واضحة، يمكن وصفه بأنه مخالفة دستورية جسيمة تمس سيادة العراق ووحدة أراضيه، ويقع ضمن الأفعال التي قد تصنف انتهاك للأمانة السياسية والسيادية للشعب العراقي.