في الذكرى السنوية الاولى لوفاة القائد الشيوعي العراقي باقر ابراهيم
محمد جواد فارس
الأصعب ليس ان يموت المرء ، بل ان يموت الذين حوله كلهم ، و يبقى هو حيا ٠
(تولستوي)
في الثامن و العشرين من نيسان عام 2024 توقف قلب المناضل الشيوعي الوطني العراقي باقر أبراهيم ، ابن مدينة الكوفة العراقية , كنت ابنا بارا لهذه المدينة ، و التي كانت في ماضيها عاصمة للخلافة الاسلامية أضافة لكونها مدينة النحو في قواعد اللغة العربية كما البصرة ، كنت ابن السيد ابراهيم الموسوي المكنى بالبصري ، حيث مكان ولادته متنقلا الى الكوفة بعد ثورة 1920 و المعروفة بثورة العشرين ٠ مدينة النجف الاشرف حيث مرقد الخليفة الرابع علي بن ابي طالب و الذي اتخذ من الكوفة عاصمة للخلافة ، فقد كانت النجف مدينة العلم و الثقافة و المناضلين الشيوعيين ، قدمت الشهيد عواد رضا الصفار و قبله الشهيد حسين محمد الشبيبي ( صارم ) و حسين أحمد الرضي ( سلام عادل ) و كذلك حسن عوينة ، واخرين منهم محمد حسن مبارك و صاحب جليل الحكيم واخرين ، ممن تركوا بصماتهم النضالية في تاريخ الحركة الشيوعية العراقية ٠ ظهرت لدى باقر ابراهيم نزعة الاحتجاج و الثورة على النظام في سنوات نضوجه الاولى ، بدء أحداث مايس 1941 و التي أطلق عليها ثورة رشيد عالى الكيلاني او الضباط الاربعة ٠ كان باقر ابراهيم طالب مجتهد و مواظب أكمل دراسته الابتدائية عام 1946 بتفوق مما اهله قبوله في كلية الملك فيصل الثاني في بغداد ، وفيها التقى مع طلاب وطنين منهم نوري عبد الرزاق و أياد سعيد ثابت و طالب شبيب و حكمت الفرحان ، وهم من توجهات فكرية وطنية متعددة ، وكان لاخيه الكبير دورا كبيرا في توجهه و حثه لقرأة جريدة ( الرائد ) لصاحبها نور الدين داود ، فيها كانت محاكمات قادة الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف ( فهد ) و زكي محمد بسيم ( حازم ) و حسين محمد الشبيبي ( صارم ) و يهودا صديق و اخرين ، وتأثر باقر ابراهيم في دفاعهم في المحكمة عن مبادئهم في وطن حر و شعب سعيد ، و كانت انذاك ملتهبة قضية الشعب الفلسطيني وهجرة اليهود من الدول الاوربية و العربية و الاستيطان في فلسطين و طرد الشعب الفلسطيني اهل الدار من بيوتهم ٠
وفي عام 1948 عندما انطلقت اول انتفاضة جماهيرية كبيرة ضد معاهدة بورت سموث و التي وقعها صالح جبر و بيفن ، كان باقر ابراهيم احد المشاركين فيها عندما كان طالب في كلية بغداد ، و في معركة الجسر سقط شهداء من الحزب الشيوعي العراقي الذين كانوا في مقدمة التظاهرة ، و عندما رجعت الى مدينتك لن تستكين بل شاركت وزملائك طلاب الكليات و المعاهد و الثانويات ، و ذكرت في مذكراتك بعد عودتك الى الكلية جرى الهجوم عليكم من طلاب معكم ذو التوجهات القومية و المدعومين من حزب الاستقلال و هو المحرض ، مستخدمين العصي و الهراوات و بوكسات الحديد معتدين على الشيوعيين في الكلية و قد اصيب عدد من الزملاء نتيجة الاعتداء الصارخ ٠ نسب باقر ابراهيم لحلقة الاصدقاء عام 1947 وبقي حتى عام 1948 لكي يصبح عضوا في الحزب وهذا تم في مدينة الكوفة درس جيدا مبادئ الحزب ونظامه الداخلي و اسلوب العمل بين العمال والفلاحين و الكسبة لتوسيع القاعدة الحزبية في المدينة ، و كان مثابرا لتوسيع مداركه في الثقافة و كان يستعير الكتب من المكتبة و خاصة الكتب الثقافية في الادب قصة و شعرا و تاريخا و من ثم انتقل الى الادب الماركسي ، مثل كتاب الام لمكسيم غوركي و الدون الهادئ لميخائيل شولوخوف ، والمنشورات الحزبية السرية ، وما صدر عن عصبة مكافحة الصهيونية و ما صدر من دار الحكمة و حزب التحرر الوطني ، كان في ذالك الوقت ٩ متأثرا باعدام فهد و رفاقه ، في محكمة النعساني و بضغط من المستعمرين الانكليز ، و كذلك هزه خبر وفاة رفيقه ضياء طارق زلزلة و الشخصية الوطنية النجفية المعروفة سعد صالح جريو رئيس حزب الاحرار و الذي استؤزر وزيرا للداخلية و في عهده انتعشت الحركة الوطنية و الثقافية و اجاز احزاب وطنية ٠ لقد كنت ايها المناضل الشيوعي متابع جيد لتوجيهات حزبك هذه التوجيهات الصادرة عن قيادة الحزب ، في تنشيط الانتفاضات الشعبية التي حدثت و منها انتفاضة عام ١٩٥٢ و التضامن مع الشعب ( المصري الشقيق في ثورة يوليو ومع انتفاضة عام ١٩٥٦ اثناء العدوان الثلاثي عندما امم النظام المصري بقيادة عبد الناصر قناة السويس ، و بدء العدوان الانكليزي و الاسرائيلي و الفرنسي على الشعب المصري ، هب الشعب العراقي بالتضامن مع مصر و شعبها ٠
و في عام ١٩٥٢ وانت كنت معتقل ، حكم عليك المجلس العرفي العسكري بموجب ثلاث دعاوى منفصلة و سجنت لعامين منهما ، في سجن بغداد المركزي ، و كنت في السجن مواظب في دراسة اسس الماركسية في الاقتصاد السياسي ، و الفلسفة و الاشتراكية العلمية و تاريخ الحركة العمالية العالمية ، و كان لمخطوطة أحمد علوان ( ابو عمر) و هو من البصرة قد اثرت فيك ، والمخطوطة كانت ( ربع قرن من تاريخ الحركة الثورية في العراق ) ، و التقيت في السجن بخيرة المناضلين ومنهم المناضل الشيخ حسين الساعدي و كنت تملك صداقات مع الكثير من السجناء ٠
كان باقر براهيم حريصا على وحدة الحزب وتماسكه ، و يدين الانشقاقات من مبدأ ان حل الخلافات يجب ان يكون بطرح الافكار داخل التنظيم ومناقشة كل الاراء التي تطرح وفق مبادئ الحزب للوصول الى الحلول الناجعة ، و رفضت انشقاق (راية الشغيلة) وعلى رأسهم المسؤول الاول عزيز محمد ، وكنت أنذاك مسؤول عن تنظيم مدينة الحلة و عندما وصل بيان حل راية الشغيلة عام ١٩٥٦ و توحيد الحزب ، و دور الرفيق عميد الشيوعين العرب خالد بكداش في الوحدة ، وجرى تعميق الوحدة بموقف انتقادي جريئ ٠
لقد واكبت المجازر التي ارتكبت بحق السجناء الشيوعيين في سجن بغداد المركزي و كان عدد القتلى سبعة شهداء و 81 جريحا من مجموع السجناء البالغ عددهم 164 سجينا ، وفي سجن الكوت عندما كان العدد 123 وانت كنت هناك ، المعاملة كانت مشابه للسجناء في بغداد و الكوت و نقرة السلمان و كان لك موقف مشهود في توقيعك على عريضة حول معانات السجناء و دفاعك عن محتواها (امام لجنة التحقيق ، زرت سجون العهد الملكي كلها في الكوت و بعقوبة و السلمان ، و وضحت ذلك في كتابك الموسوم ( مذكرات باقر ابراهيم ) الصادر عن دار الطليعة ، عن معاناة السجناء و كذلك عمليات الهروب الى الحرية ، و أشكالها ومنها التنكر و الخروج مع الزائرين في المواجهات ومنها الانفاق و غيرها من الطرق ، ومررت على العلاقات الرفاقية بين السجناء وذكرت الدكتور محمد صالح سميسم و الدكتور حسين الوردي ٠
وفي عام 1954 صدر المرسوم رقم ( 17 ) الخاص باسقاط الجنسية العراقية ، عن المناضلين توفيق منير و المحامي الموصلي كامل قزانجي وابعدوا الى تركيا ، و عندما اطلق سراحك كنت تحمل رسالة من منظمة الحزب في السجن الى قيادة الحزب و كنت قد استخدمت علبة معجون الاسنان الفارغة و ادخلت الرسالة فيها واوصلتها ، و بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 تفرغت للعمل الحزبي بنشاط من اجل تقوية و توسيع العمل التنظيمي بين الجماهير في الحلة و اطراف الكوت و الديوانية من جهة القاسم والمحمودية في تكوين خلايا حزبية ، ولجان فلاحية اعتمدت على الثقة و المعرفة التي توليها جماهير الحزب في الريف و في مقدمتهم الشهيد كاظم الجاسم في ريف الحلة في قرية البو شناوة و معن جواد في المحاويل و طاهر علوان في كربلاء وملا أحمد في القاسم و الشهيد عباس الخضير من قرية البو شناوة و ذكرت الرفاق الذي عملت معهم ٠
مواقفك الاممية تجسدت في مشاركتك في احتفالات ومؤتمرات الاحزاب الشيوعية و العمالية العالمية في البلدان الاشتراكية في القاء الكلمات و حضور الاجتماعات معهم كما مع قيادة جمهورية منغوليا الشعبية على سبيل المثال و لقاءك بقائد الحزب الشيوعي الايراني ( تودا ) و مع قيادة الحزب الشيوعي القبرصي ( اكيل ) ٠ وفي رومانيا و سيرلانكا و فرنسا و البرتغال ، وحضورك الى المؤتمر السادس و العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي مع سكرتير الحزب الشيوعي العراقي و عقدك لندوات حزبية داخل التنظيم ٠
كنت في ريف الفرات الاوسط و على وجه التحديد في ريف الشامية و بعد انقلاب شباط الدموي و انت عضو المكتب السياسي الذي يقوده الشهيد سلام عادل ، لعبت دورا مهما في جمع الرفاق الذين انقطعت صلتهم بالحزب ، و رسمت الخطة لانقاذ قيادة الحزب الرفيق جمال الحيدري و محمد صالح العبلي لخروجهم من بغداد ، ولكن حركة الشهيد حسن سريع في 3 /7 / 1963 حالت دون نجاح الخطة و تم القبض على الرفيقين و استشهدا في قصر النهاية ٠ و تابعت مسيرة الحزب وشاركت في المؤتمر الثاني و الثالث و انتخبت عضوا في المكتب السياسي لغاية المؤتمر الرابع المنعقد في كردستان العراق ، و كنت في كردستان مع الانصار و زوجتك خالدة الذكر ام خولة ، و كنت قد ادركت ماذا سيحدث في هذا المؤتمر فقررت عدم الترشيح للجنة المركزية للحزب و قدمت مداخلة ، انقل منها مايلي : [ وقررت و وضحت في تلك الرسالة ( و يقصد بها الرسالة التي قدمها الى الاجتماع الكامل للجنة المركزية المنعقد في حزيران 1984 ) وجهة نظر عامة موجزة تجاه سياسة الحزب التي وجدت فيها ما يدفع بالحزب ، بعد تصحيح اخطائنا السابقة نحو العزلة و الضعف ، كما تحدثت فيها عن أوضاع الحزب الداخلية التي تتطلب المعالجات و عن الوضع في قيادة الحزب ٠ كنت انذاك احمل شرف العضوية في المكتب السياسي و المسؤولية عن التنظيم الحزبي ، وبسبب القناعة التي تأكدت لدي بعدم خوضي الصراعات المتتالية داخل القيادة حول عضوية المكتب السياسي ، وما تقابل به مهمتي التنظيمية من عرقلة ـ لهذه الاسباب ـ بالدرجة الاساسية اتخذت موقف تجنب ترشيح نفسي في انتخابات المكتب السياسي] انتهى الاقتباس من مذكرات باقر ابراهيم ٠ بعد احتلال الوطن في نيسان قمت بزيارات لقادة الحركة الفلسطنية و كنت معك (كاتب السطور ) بزيارة الرفيق نايف حواتمة امين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين و كذلك الشهيد ابو علي مصطفى امين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في دمشق شرحت لهم نتائج هذا الاحتلال و ما يترتب عنه من تدمير البنية التحتية للدولة العراقية التي تأسست عام ١٩٢١ ، و موقف الشيوعيين الوطنين من الاحتلال و العمل لمقاومته بكل السبل بما فيها المسلحة ٠ لقد كتب باقر ابراهيم كتب مهمة تاريخيا و نضاليا و ثقافيا ، زود بها المكتبة العراقية و العربية ومنها التالية : 1 – مذكرات باقر ابراهيم أصدار دار الطليعة بيروت ٠ 2- دراسات في الجبهة الوطنية دار الرواد بغداد
3- حسن عوينة ثوري وهب الشعب و الوطن حياته صادر عن مركز الحرف العربي غوتنبرغ السويد ٠
4- العراق جديد الحركة و تجديد الطلائع صادر عن دار الكنوز الادبية بيروت ٠
5- صفحات من النضال على طريق التصحيح و التجديد و الوحدة صادر عن دار الكنوز الادبية بيروت ٠