قوى المحاصصة تغيّب تاريخ العراق
زكي رضا
أقرّ برلمان المحاصصة مؤخرا قانون العطل الرسمية بالبلاد، والذي تحتل فيه المناسبات الدينية المساحة الأكبر مقارنة بالمناسبات الوطنية ومناسبات الأقليات الدينية الأخرى، وخصوصا المناسبات الدينية الشيعية. ويبدو من خلال توقيت طرح القانون وإقراره بسرعة قياسية، أنّ هذه القوى كانت تنتظر مطالبة رجل دين شيعي بتبني البرلمان وإقراره للقانون بالقوّة التي يتسلح بها، لمناسبة دينية شيعية عليها خلاف ديني يمتد الى السنوات الأولى للإسلام.
أنّ لعبة البيت الشيعي بالعراق وتوزيعه للمراكز والمناصب والغنائم بين أحزابه ومنظماته ومؤسساته الدينية ورجال دينه، ليست ببعيدة مطلقا عن هدف محدد تعمل جميع القوى المنضوية تحت سقفه على الوصول اليه، وهو إقامة نظام إسلامي على غرار النظام الإيراني وإن على المدى البعيد. فهذه القوى ومعها مؤسساتها الدينية عملت ومنذ وصولها للسلطة على قطار أمريكي ولليوم، على تأسيس وإنشاء مراكز أستفزاز طائفية تمزّق النسيج الإجتماعي للبلاد، عن طريق زيادة أعداد المناسبات والمراقد والقبور الشيعية التي وصلت الى مديات خطرة على السلم المجتمعي بالبلاد، ناهيك عن دورها في تغييب الوعي تحت إسم المقدّس في ظل نظام تربوي وتعليمي منهار، وخطاب إعلامي يعتمد ليس على المال والسلطة فقط بل يتعدّاه الى تهديد للمكونات الاخرى عن طريق القوّة التي تمتلكها قوى مسلحة، ليس بالسلاح فقط بل بغطاء ديني وحكومي وبرلماني وديني/طائفي.
إعتماد “عيد” الغدير كعطلة رسميّة بالبلاد، جاء نتيجة تنسيق عال بين قوى شيعية تهيمن على البرلمان والتي صوّتت لصالح إعتماده دون أن تكون متبنية له أو من روّجت له، وبذلك تنفي عن نفسها تهمة تبني ” عيد” عليه خلاف تاريخي، وبين قوى شيعية لها هيمنة على الشارع الشيعي وتدغدغ مشاعر ملايين الشيعة البسطاء والمحرومين ولا حضور برلماني لها. وهذه اللعبة يلعبها البيت الشيعي بإستمرار، فدخول قوى شيعية الى صفوف انتفاضة اكتوبر التي قامت اساسا ضد سلطة المحاصصة والتي للأحزاب الشيعية دور بارز فيها كان جزء من لعبة هذا البيت لوأد الأنتفاضة، وهذا ما حصل فعلا.
لنعد الآن الى قانون العطل الذي أهمل مناسبة ثورة الرابع عشر من تموز، ولم يتبنّه كعطلة رسمية بالبلاد لأوّل مرّة منذ العام 1958 ولليوم، وهل حقّا أنّ السلطة كما تدّعي تحاول الأبتعاد عن الجدل والخلافات بين من يصطف الى جانب النظام الملكي أو الجمهوري وأحقيّتهما..؟
على رأس السلطة اليوم جميع المتضررين من نجاح ثورة الرابع عشر من تموز، تلك الثورة التي حررّت العراق من الأحلاف العسكرية وأممّت النفط وأصدرت قوانين المرأة والأصلاح الزراعي وغيرها من القوانين والإنجازات في عمرها القصير، مقارنة بسلطة المحاصصة اليوم. فالأحزاب السنيّة لا ود لها مع الثورة، بعد أن فقد سنّة العراق السلطة ومراكزهم نتيجة فتح حكومة الثورة المجال وبشكل كبير لشيعة العراق للمساهمة بالعملية السياسية، وتوطين مئات الآلاف من شيعة الجنوب الهاربين من بطش الإقطاع وأضطهاده، في مدينة عصرية وقتها أي مدينة الثورة، والتي نسى أهلها اليوم من حررّ آبائهم من ظلم الإقطاع ومنحهم حياة آدمية تليق ببني البشر!! ولو كان الأمر هو النسيان فقط لكن الأمر مقبولا، لكنّ أن يتطور الأمر من النسيان الى الجحود ومعاداة ثورة فتحت لهم آفاق الحياة هو الأمر المشين. وهذا أي إتّساع مساحة الشيعة في الخارطة السياسية للبلاد عهد ثورة تموز ما دفع ويدفع ” ممثلي” سنة العراق الى تصويتهم لقرار عدم اعتبار 14 تموز عطلة رسمية.
الأحزاب الكوردية وهي تصّوت لصالح عدم إعتبار مناسبة ثورة 14 تموز عطلة رسمية، فأنّها تعود الى حقبة الأغوات الذين سلبتهم ثورة تموز أراضيهم ووزعتها على فلاحي الكورد الفقراء، تلك الثورة التي أعادت للكورد دورهم في بناء الدولة والمجتمع، قبل أن يبدأ القتال بين الحكومة المركزية والحركة التحررية الكوردية بتأثير من قوى رجعية محلية وقوى أقليمية ودولية لأنهاك الحكومة والبلاد وفتح الأبواب مشرعة لأنقلاب الثامن شباط 1963 . وحول خطأ توقيت اندلاع القتال وقتها يقول السيد مسعود البارزاني في كتابه ( البارزاني والحركة التحررية الكوردية): ” كنت في قرارة ضميري أتمنى أن لا تنشب ثورة أيلول في عهد عبد الكريم قاسم، وأنه إذا قُدر لها أن تنشب فلتكن قبل عهده أو بعده، وربَّما عَذرني القارئ عن خيالي هذا حين يدرك أنه نابع عن الإحساس بالفضل العظيم الذي نُدين به لهذه الشخصية التاريخية، وأنا أقصد الشعب الكُردي عموماً، والعشيرة البارزانية بنوع خاص”. فهل من الفضل عدم أعتبار ثورة الرابع عشر من تموز عطلة رسمية، ولا نقول عيدا وطنيا كي لا نزعج قطبي المحاصصة الآخرين..
أنّ المؤسسة الدينية الشيعية والأحزاب والمنظمات الشيعية المسلّحة ومعها بقايا الأقطاع الممثلين بزعماء العشائر، لديهم عداء تاريخي مع ثورة الرابع عشر من تموز ورجالاته. وعليه فأنّ تصويتهم على عدم اعتبار مناسبة ثورة الرابع عشر من تموز نابع من هذا العداء وهو أمر مفروغ منه، على الرغم من أن الثورة غيّرت حياة الشيعة رأسا على عقب مقارنة بالعهد الملكي، بل وحتى عهد حكومات ما بين 8 شباط 1963 و9 نيسان 2003 .
أنّ مثلث المحاصصة وهو يقف ضد ثورة 14 تموز فانه يقف الى الجانب الامريكي الذي أوقفت ثورة الرابع عشر من تموز مشروعه في بناء شرق أوسط جديد، وها هم قادة المحاصصة يساهمون في بناء هذا المشروع على حساب مصالح شعبنا وشعوب المنطقة، وها هي امريكا تتحكم بسياسة واقتصاد ونفط بلدنا.
أخيرا وعودة على محاولة أدّعاء سلطة المحاصصة بعدم اعتبار مناسبة ثورة 14 تموز عطلة رسمية، هو الأبتعاد عن الجدل والخلافات بين من يصطف الى جانب النظام الملكي أو الجمهوري وأحقيّتهما، نقول: هل إعتماد مناسبة غدير خم التي تعود الى اكثر من 1400 عام، ولازالت ومعها سقيفة بني ساعدة تمثلان شرخا كبيرا في الاسلام وغير قابل للإصلاح حتى قيام الساعة، لا يمثلان جدلا وخلافا..!؟